Monday, January 9, 2012


Description: 080 

المبحث الأول: المنهج لغة    
جاء في مادة (ن- ﻫ -ج): النَّهْجُ ؛ الطريقُ الواضح وكذلك المنْهَجُ والمِنهاجُ. وأَنْهَجَ الطريقُ، أي استبان وصار نهجاً واضحاً بيِّناً. ونهجْتُ الطريقَ، إذا أبنتُه وأوضحته وتسلَّكته . والنهجُ ، تتابُعُ النَّفَس([1]).
    وقال صاحب المفردات: نَهَجَ الثوبُ ،وأنهَجَ؛ بان فيه أثرُ البِلى([2]) ومما ذكره ابن منظور في اللسان في مادة  (ن-ﻫ-ج) : واستنهَجَ الطريقُ، صار نهجاً. وفي حديث العباس :(لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى وصل الحبال ثم حارب وواصل وسالم ونكح النساء وطلق وترككم على حجة بيّنة وطريق ناهجةٍ)([3]) أي واضحة بيّنة. وقال: النَّهَجُ والنَّهْجُ، تواتر النفس من شدة الحركة([4])
 وجاء في تهذيب اللغة. طريق نَهْجٌ ، وَطُرُقُ نَهْجَةٌ. ونِهْجُ الطريق: وَضَحُهُ . ونهجتُ لك الطريقَ وأنهْجتُه ، لغتان ، فهو منهوجٌ ومُنْهَجُ ونهجٌ([5]) وأثبت ليزيد بن الخذق العبدي([6]) قوله:[ من البحر الكامل] .
ولقد أضاءَ لك الطريق، وأنهجتْ                سُبُلُ المكارم، والهوى يعدي

 وفي معجم مقاييس اللغة ، النَّهْجُ ، والمنهاجُ ، والمنهْجُ،الطريق، والجمع مناهج وهو مستقيم المنهاج ،ونهجَ لي الأمرَ ، أوضحهُ([7]) .
    وقال تعالى ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً...﴾]المائدة :5/48 ] ولا يفهم المعنى المراد تماماً إلا باستعراض الآيات السابقة، وإثبات الآية كلها :
فالآيات السابقة ذكرت التوراة والإنجيل وامتدحتهما، وطلبت أن يحكم أتباعهما بما أنزل الله، وأنهم هم الظالمون والفاسقون، إذ اتبعوا الهوى واشتروا بآيات الله ثمناً قليلا، فضلوا الطريق، وزاغوا عن الحق الذي جعله الله تعالى لهم شرعةً ومنهاجاً، أي سبيلاً وسنةً. وجعل القرآن الكريم مهيمناً بالحق مصدقاً...
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً..﴾]المائدة :5/48 ]. فالقرآن الكريم أُنزل ليعودا عن ضلالهم وغيهم إلى سواء السبيل . فلذلك أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ألاّ يتبع أهواءهم، أي آراءهم التي اصطلحوا عليها([8])وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره: الشرعة ابتداء الطريق، والمنهاج، الطريق المستمر([9]). وذلك من قولنا : شَرَعَ ، إذا بدأ.
  إذاً فالمنهج أمان من شطحات الهوى، ومن لا منهج له، يضيع في غياهب الأهواء والضلال .
   وإذا أنعمنا النظر في كلِّ ما تقدم ذكره من معاني الجذر (ن- ﻫ -ج) سواءٌ في صيغته الفعلية أو الاسمية ومنها المصدرية، نلحظ تكاملاً وتلازماً دلالياً مبهراً، ومن أبرز تلك اللوازم الدلالية :
أ- الطريق الواضحة البينة. ولا تتضح الطريق ولا تستبين إلا بكثرة السير عليها.
ب- التكرار والتواتر. فإذا انقطع السير عليها دَرَسَت والتبست بغيرها من الفجاج وضاعت معالمها.
ج- الاستمرار وطول المدة ،وتواصل السائرين عليها - فإذا بعدت المسافة بين السائرين انحرف عنها المتأخرون، وضاعوا في مفارقها .
د- ضرورة وجود منطلق وبداية. يشرع المرء بالسير منها .
هـ- ضرورة وجود غاية وهدف توصل الطريق إليها .
   وبالرغم من وضوح هذه المعاني وحضورها في الجذر (ن- ﻫ -ج ) وفي مشتقاته جميعاً، فإن توسعاً وغنى تكتسبه الاستخدامات المجازية ، مما قد يصيب المعاني الأصلية ببعض الخفاء، وذلك من جرّاء كثرة استخدام كلمة المنهج في مجالات مختلفة من مظاهر  النشاطات الإنسانية  المتعددة والكثيرة. فبتنا نسمع بكلمة المنهج مضافة إلى أو موصوفة بمفردات كثيرة من مثل : المنهج الوصفي التحليلي ، والمنهج العلمي ، أو منهاج الدراسة المتمركز حول المشكلات ، أو منهجُ التتابع ...الخ. وكذلك  جراء  استخدام بعض العاملين والباحثين في الحقل التربوي مشتقات من الجذر (ن- ﻫ - ج ) لم نألفها في قراءاتنا التربوية التراثية مثل (النهاجة)، ويقول مستخدمها : إن هناك فرقاً كبيراً بين النهاجة والمنهجية ويحددها بأنها : المرجعية التي هي في أساس اللحمة التربوية. وهي عامة وثابتة. بينما المنهجية - عنده - تنطلق منها وتترجمها عملانياً متكيفة مع مستلزمات  مادة معينة.([10]) 
  وقد يستخدم باحث غيره ما يشاء من المشتقات القياسية من الجذر(ن- ﻫ - ج ) ولكن يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ما يفيده الوزن من معنى أو معانٍ ، إذ الأوزان في العربية تشير في الغالب إلى معانٍ محددة ينبغي الالتزام بها ، أو الاستفادة منها ، حتى يبقى الكلام على سمت العربية ، فيفهم السامع أو القارىء من غير شديد عناء. ويجب أن تبقى المعاني المعجميةُ الأصلية حاضرة في كل الاستخدامات المجازية، إنما يتم نقلها أو التجاوز بها إلى استخدامات جديدة .

المبحث الثاني: المنهج اصطلاحاً : 
      نظراً لاتساع استخدامات مصطلح (المنهج ) فإننا سنقف عند مفهومه في التربية . فالمناهج اليوم تحتل أوسع مساحة في العملية التربوية ، وتشكل الوعاءَ الذي تُفرَّغ فيه الأهداف ،والمعينَ الذي يصدر عنه محتوى مادة دراسية ما ، والمحددَ لكثير من النشاطات بوسائلها واتجاهاتها ، إضافة الى اشتمالها على منطلقات التقويم وأنواعه بناءً على أهدافه. ولن نعرِّج على مفهوم المنهج في العلوم الاجتماعية ، أو في مدارس علم النفس المختلفة ، أو في العلوم التجريبية ، أو غيرها،  لتبقى بوصلة بحثنا باتجاه التربية، توخياً للدقة والتزاماً بحدود البحث.
    جاء في معجم المصطلحات التربوية تحت مادة: ( منهج ) - و(منهاج)  والتي تقابلهما مفردة (Curriculum) في الإنكليزية ، وهي مأخوذة أصلاً من الكلمة اللاتينية Curricula)) ومعناها ميدان السباق. أربعة تعريفات هي: ([11])
1- مجموعة خطط ووسائل تتبناها مدرسة ( جهة تربوية ) من أجل تحقيق أهداف تربوية.           
2- الخبرات التي يمر بها تلميذ كلّها بصرف النظر من  أين وكيف يتلقاها .
3- تنظيم معين لمقررات دراسية حَسَبَ هدفها ، مثل مناهج الإعداد للحياة أو العمل .
4- كل الخبرات المخطط لها التي تقدمها مدرسة من خلال عملية التدريس .
   والملاحظ في هذه التعريفات كلّها أنها تتبنى المفهوم الحديث للمنهج ، من غير أن يُلتفت فيها إلى تطور مفهوم المنهج ، إذ هناك مفهومٌ تقليدي للمنهج ظل سائداً فترات طويلة.ولا شك أن الوقوف على تطور مفهوم مصطلح ما يجعلنا أكثر استيعاباً لمدلوله، وأدق تحديداً لعناصره ، وبالتالي أعلى قدرة على توظيفه والإستفادة منه ، لذلك لا بد من عرض المفهوم التقليدي للمنهج.


المبحث الثالث: المفهوم التقليدي للمنهج التربوي.
     من المؤكد ارتباط الكثير من المفاهيم والمصطلحات بما يحيط بها أو يعاصرها من مفاهيم وظروف حياتية، خاصة في المجالين المعرفي والثقافي، المرتبطين بدورهما بالمستجدات العلمية البحتة ، من جهة، وبالتطورات السياسية والاجتماعية من جهة أخرى . فعندما كان دور المدرسة غير مرتبط بالسلطة السياسية ، لم يكن هناك نظام تربوي واحد شاملٌ جميعَ المؤسسات التربوية، على أرض دولة ما. وبالتالي لم يكن هناك قرارات تربوية مركزية عامة، فكانت المدارس تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية في أكثر من اتجاه، وعلى أكثر من صعيد. وهذا بدوره قد يغني فكرة معينة، أو موضوعاً محدداً. ويستجيب لخصائص بيئة اجتماعية أو ظروف أخرى. فما ساد في القرون الوسطى من هيمنة الكنيسة في الغرب على وسائل البحث في المجال العلمي ، أضعف نشاط العقل البشري، وقيّده بما تجيزه الكنيسة من أفكار وقواعد تسعى لتفسير ظواهر الطبيعة ذاتها،وكذلك مظاهر السلوك البشري، فـَ( ديكارت) ([12]) نفسه، والذي نادى بضرورة فصل العقل عن المادة، كان لا بد له أن يقرر أن منهج البحث العلمي، لا يمكن الدعوة إليه إلا إن حاز رضى الله، المتمثل في رضى رجال الكنيسة وكذلك تبدو النزعة المسيحية عند (نيوتن ) ([13]) في بحوثه جميعاً ونتائجها التي خلفها لنا .
    بينما نرى أن المنهجية الاسلامية مختلفة وقد سارت منذ البداية مختلفة عن المنهجية الغربية. فهي نشأت في جوٍّ علمي متحرر، غير مقيد إلا من بعض القواعد الكلية التي تشبه البديهيّات التي تستغني عن البراهين والتي يحتاجها كل تفكير منطقي. وبالطبع كان هذا مستمداً من هدي الله قرآناً وسنةً([14]) .
    وهذا بدوره يؤثر على المنهج ، إذ لا يعقل أن تكون أهداف منهج تربوي لأمَّة ما، وكذلك مضمونه ووسائله، منفصلة عن منهجية تلك الأمة والنابعة من تصورها وعقيدتها.
   وبالنظر إلى المدرسة القديمة، بخصائصها المتحصلة  من الظروف المحيطة بها، نرى أن جل جهدها كان يتركز على المعلومات والحقائق التي تمثل المعرفة بمعانيها المترامية، من حقائق أو نظريات علمية، عن البدن والطبيعة، إلى علوم اللسانيات وقواعد اللغات، إلى الحساب، والعلوم الدينية الشرعية، مستثمرة في ذلك كلِّه ما يصل إليها، أو كل ما ثبت عبر السنين والقرون من خبرات الانسان وتجاربه، فتحمل الطالب على اكتساب ما يمكنه من هذه المعارف المتراكمة. ولذلك كان المنهج بمفهومه التقليدي: "عبارة عن مجموعة من المعلومات والحقائق والمفاهيم، التي تعمل المدرسة على إِكسابها التلامذة بهدف إعدادهم للحياة، وتنمية قدراتهم، عن طريق الإلمام بخبرات الآخرين للاستفادة منها "([15]) أو أنه "مجموعة المواد الدراسية ومحتوى المقررات الدراسية"([16]) أو هو "مجموعة من المعلومات، والحقائق المحددة التي تُنقل إلى أذهان المتعلمين، من أجل حفظها واستظهارها. ولا تخرج عن إطار المقررات الدراسية التي يتلقاها المتعلمون من المعلمين، في مرحلة دراسية معينة، ولفترة زمنية محددة ، وفق نظام تعليمي محدد يسعى المتعلّم، من خلاله للارتقاء من مرحلة إلى أخرى، وصولاً، لنيل رتبة أكاديمية في حقل من حقول التخصص"([17]). ونتوقف بعد هذه التعريفات لنشير إلى مفاهيم تربوية وأمور تتصل بها، أي بالتعريفات، يمكن ملاحظتها فيها ومنها:
1- إنّ هذا المفهوم للمنهج يقصر هِمَّةَ المتعلّم وقدراته على مضمون المادة الدراسيّة فحسب.
2- يجعل المتعلِّمين يهتمون بتربية ملكة الحفظ دون غيرها من الملكات، مثل التفكير والقياس، وطرائق الاستدلال وغير ذلك من العمليات العقليّة التي اهتم الإسلام بتنميتها أيما اهتمام . فما أكثر الآيات التي تحض على استخدام العقل وإعمال الحواس، والتفكير، وطلب العلم والدراسة، والاستنباط ﴿ ....وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة :2/151 ]﴿....لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ...﴾ [النساء:4/3]﴿وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران:3/79].
3-إنّ هذا المفهوم يحيط المعلِّمين، والمادة أو المقررات المدرسيّة، بهالة من المكانة المعرفية توحي للمتعلِّمين أنّهما ، المدرّسين والمقررات، المصدران المعرفيان الأهم أو الوحيدان. وبهما فحسب، نضيّق واسعاً.
 والله عزّ وجلّ يقول:﴿.قل سيروا في الأرض ثمّ انظروا... ﴾[الأنعام 6 /11 ]
﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ﴾[الغاشية :88 /17 ] .
 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنّما العلم بالتعلُّم "([18])
4- إننا نرى هذا المفهوم للمنهج لا يهتم بحاجات المتعلِّمين ولا يراعي ميولهم ولا يلتفت إلى الفروقات الفرديّة فيما بينهم. فالكل سواء أمام المقررات المدرسيّة، ويخضع الجميع لخطوات تدريسيّة موحدة، ولآلية تقويم واحدة. وهذا يجعل عناوين التنافس محصورة ومحددة. ولا يسمح بإطلاق العنان للأفكار والإبداعات، ويكون التنافس فردياً وباتجاه واحد. وهذا منافٍ للعدل، إذ لا يجوز أن تطلب من متعلّم لم يؤتَ القدرةَ على الحفظ أو غير ذلك من القدرات، ما تطلبه من الذين أوتوا ذلك.﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾[البقرة: 2/286 ]
5- لا يتيح مفهوم المنهاج هذا للمعلِّمين أن يعايشوا متعلِّميهم خارج حدود المواد المقررة، أو في غير الإطار الزمني المحدد، أو خلف جدران الصف أو قاعات التدريس. وهذا لا يمكِّن المتعلّمين من المهارات الاجتماعيّة وما يلزمها من علاقات وتفاعلات. وبالتالي ستكون صورة المجتمع مطبوعة بهذا المفهوم التقليدي للمنهج. والواقع أنّ مصادر المعرفة لم تعد قابلة للحصر، فالتلفاز والشبكة الالكترونيّة والرحلة والصحبة... والشعوب تتعارف وتتفاعل﴿...وجعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا..﴾[الحجرات:49/13] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل :16/43 ] وقال موسى عليه السلام للعبد الصالح ﴿... هل أتبعك على أن تعلمن مما علّمت رشدا﴾[الكهف : 18/66]
6- هذا المفهوم التقليدي للمنهج يجعل المعلِّمين مرسِلين والمتعلِّمين مجردَ متلقِّين، وهذا بدوره يستوجب أن يتمتَّع المعلِّم بحد كبير من السلطة. وما على المتعلِّم إلا أن يقبلها، ساعياً إلى النظام الذي يستوجب بدوره حالة من الهدوء، تؤدي غالباً إلى غياب التفاعل وتلقيح الأفكار. فالضجة ضريبة الحياة، والأموات وحدهم لا نسمع لهم ركزاً.
7- يستدعي هذا المفهوم للمنهج كثرة عدد المواد الدراسيّة، وضخامة محتوى كل مادة، نظراً لوجوب تغطية المعطيات العلمية. وبالمقابل يغيب بمقتضاه التواصل أو التقاطع بين المواد، حتى بين فروع المادة الواحدة كاللغة العربية. فنرى كتاباً للقواعد، وآخر للإملاء، وثالثاً للقراءة، ورابعاً للبلاغة، وكأنّ كلاً منها لا علاقة له بالآخر. وإنّي لأرى أنّ هذا المفهوم ما زال سائداً في المناهج الجديدة التي اعتُمدت في لبنان عام ألف وتسعمائة وسبع وتسعين. فعلى سبيل المثال نجد في الصف الأول أساسي مقررات المواد الآتية: الجغرافيا، العلوم، التربية الوطنية. تحوي عناوين المحاور نفسها، وكثيراً من عناوين الدروس، وصولاً إلى النشاطات. وأُشير إلى ضرورة أن تُجعل موضوعات هذه المواد الثلاثة كلُّها في مقرّر مادة اللغة العربية. فهي أكيداً تستوعبها، ويحمل ذلك في طيّاته إيحاءً أنّ العربية تحمل المفاهيم العلمية والاجتماعية والبيئية ... الخ. شرط أن تعطى الحصص المخصصة لهذه المواد إلى العربية.
8- يفصل هذا المفهوم التقليدي للمنهج بين العلم والحياة فعليّاً . فتعلُّم القوانين الفيزيائيّة والتفاعلات الكيميائية وغيرهما، نظريّاً وداخل جدران الصف، يميت انتقال التعلم. وبالتالي يغيب الحضور الفعلي لما نتعلمه في حياتنا اليومية. وليس هذا على مستوى النظريات والقوانين العلمية فحسب، بل يتعدى إلى أشكال العلاقة بين المتعلِّم ومجتمعه كلِّها، أو بيئته الاجتماعية، حيث تراه في منأىً عمّا يجري في محيطه، غير متفاعلٍ معه.
   إن هذا المفهوم للمنهج، لم يعد واقعيّاً، ولا يعبِّر عن واقع حال العملية التعليمية التعلّميّة، فالمدرسة اليوم لا تُعنى بالمقررات الدراسيّة فحسب، بل تَعرض أو تُعنى بكل اهتمام بالكثير من النشاطات التي لا تحفل بها المقررات الدراسية، علماً أن بعض هذه النشاطات يترك أثراً في شخصية المتعلّم، في كل عنصر من عناصرها، العقل والنفس والجسد. لذا نرى قصور المفهوم التقليدي للمنهج عن التعبير عن الواقع العملي .
   وعلى الرغم من هذه الملاحظات كلِّها وغيرها، فإنّنا نرى أنّ هذا المنهج القديم وبمفهومه التقليدي، قد أسهم في نقل الحياة البشرية من حالة إلى حالة، وما زال عدد كبير من التربويين يؤمنون بضرورة بقاء هذا المفهوم، وبوجوب تعديل مضمون المواد الدراسية فحسب من قبل المتخصصين في كل علم وفن، له علاقة بالمواد الدراسية ومقرراتها.


(1) الجوهري،إسماعيل بن حماد؛ الصّحاح مادة ( ن -  - ج): ج1/ص:346.
(2) الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد؛ المفردات في غريب القرآن:ص:506.
(3) قال ابن حجر في المطالب العالية: رواه الطبراني من حديث ابن عينة، عن أيوب عن ابن عباس رضي الله عنهم، فهو متصل صحيح الإسناد ورقمه: 4316 – ج2/    ص: 362.
(4) ابن منظور، محمد بن مكرم؛ لسان العرب مادة (ن -  - ج) : ج2/ص:383.
(5) الأزهري، محمد بن أحمد؛ تهذيب اللغة. ج6/ص:41.
(6) شاعر جاهلي، من بني عبد القيس؛ كان معاصراً لعمرو بن هند ومن شعره أبياتٌ  أولها:[من البسيط]
   هل للفتى من بنات الدهر من واق          أم هل له من حِمام الموت من راقِ؟
   وقيل: هي أول الشعر في ذم الدنيا. ( عن الأعلام للزركلي:ج8/ص:182).
([7]) ابن فارس، أحمد؛ معجم مقاييس اللغة. ج2/ص:528.
(1)  إسماعيل، بن عمر، بن كثير؛ تفسير القرآن العظيم:ج2/ص:66.
(2) السمعاني، أبو المظفر؛ منصور بن محمد، تفسير القرآن:ج2/ص:42.
(3) راجع، نحاس: جورج؛ الوحدة النهاجية في منهاج التعليم العام. بحث من كتاب  المناهج التعليمية الجديدة في لبنان، نظرة تقويمية ص: 16.
(1) جرجس ، ميشيل تكلا؛ وحنا الله رمزي كامل ؛ معجم المصطلحات التربوية: ص: 132 .
(1مر التعريف به ص:35.
(2)  مر التعريف به ص:36.
(3) أبو السعود، محمود؛ المنهجية للعلوم السلوكية الإسلامية. أحد بحوث كتاب: المنهجية الإسلامية والعلوم السلوكية. ج2/ص:40 وما بعدها.
(1) الوكيل، حلمي؛ أسس بناء المنهج وتنظيماتها :ص:6. 
(2)  سعادة، جودت أحمد؛ مناهج الدراسات الاجتماعية: ص: 58.
(3) عبد الله، عبد الرحمن صالح؛ المنهاج الدراسي: أسسه وصلته بالنظرية التربوية  الإسلامية: ص: 3.
(4) قال ابن حجر في الفتح: ج1/ص: 161 ( وإنما العلم بالتعلّم) هو حديث مرفوع أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ: " يا أيّها الناس تعلّموا إنما العلم بالتعلّم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيراً يفقهه بالدين" وإسناده حسن إلا أنّ فيه مبهماً اعتضد بمجيئه من وجهٍ آخر.

No comments:

Post a Comment