Sunday, January 8, 2012

السّلعة في الاقتصاد الإسلامي:
    أما في الاقتصاد الإسلامي، فقيمة السلعة محكومة ٌ بالنظام الكلي والنظرة الشمولية الإسلامية، من حيث الحِلّ أو الحرمة، أو الإباحة المطلقة أو المقيدة  بأوصاف وأحكام شرعية، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الطارئة. فالخمر في المذهب الاقتصادي الإسلامي مال غير مقوَّم إذا ملكه مسلمٌ، ومقوّم إذا ملكه نصراني ّ. وعلى هذا فإن المحتسب([1])  يريق الخمر إذا أظهرها مسلم ٌ ويؤدّبه، بينما يؤدَّب النصراني على إظهارها ولا يريقها عليه، عند أبي حنيفة. لأنّ الخمر عنده من أموالهم أي "النصارى" المضمونة([2]).
    وباب تقسيم الأموال في الفقه الإسلامي إلى مال مقوَّم ومال غير مقوَّم خيرُ شاهد على ارتباط القيمة في المصطلح الاقتصادي الإسلامي أو في" فقه الأموال  بالعقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية بغض النظر عن قيمتها عند الآخرين " فمن الأمور التي تكاد تكون مسلّمة ً عند المسلم الذي يمتلك الحد الأدنى من المعرفة الإسلامية – وهو ما يجب أنْ يُعلم من الدين بالضرورة _أنّ النظام الإقتصادي أَو سياسة المال في الإسلام،  جزءٌ لا يتجزّأ من عقيدته، وأنه ينبثق منها ويرتبط بها،  وأنّ الحركة الاقتصادية ابتداء ً من نيّة الإنسان " تشكيل الفكرة والعزم على الفعل"، وصولا" إلى كسبه العملي وممارساته المختلفة، خاضعة ٌ لفكرة الثواب والعقاب"([3]).
    ففي حال قامت دولةٌ إسلامية في بقعة ما على أَنقاض نظام من الأنظمة، وكانت دولة ُ ذلك النظام ومؤسساته تملك بملايين الدنانير خمورا ً،  أو صورا ً لموضوعاتٍ  تخالف الشرع الإسلامي، فهل تنظر إلى هذا المال بقيمته الماديّة أم بقيمته الشرعية؟ وهل يمكنها الاستفادة من هذه الأموال مهما بلغت ما دامت عينا ً حراما ً؟ وهل تنظر إلى الجهد البشري المبذول في صنعها؟ أو هل تنظر إلى صنعة الفنان وإنتاج أنامله ومخيلته؟؟ بالتأكيد لا يمكنها إلا أن تلتزم الحكم الشرعي وتترك الإجابة عن هذه التساؤلات للعلماء والمجتهدين المسلمين.

أشكال القيمة وفق النظرة المادِّية التاريخية:
  والقيمة اقتصاديا ً مختلـَف في تحديدها ومفهومها حاضرا ً وماضيا ً. وكذلك يختلف علماء الاقتصاد في النظر إلى تطور مفهومها وأشكالها. فأصحاب النظرة المادية التاريخية يرون أن هناك أربعة َ أشكال ٍ أساسية ٍ للتعبير عن القيمة التبادلية وقد تطورت خلال التاريخ. إن هذا الاتجاه التاريخي في تطور الرأسمالية قد تولّد من أزمات وتناقضات النظام الرأسمالي.  إنها أي الرأسمالية نتاج عمل القانون التاريخي لهذا النظام، وهو قانون ميل معدل الربح للانخفاض، فالإمبريالية ما هي في النهاية إلا مواجهة هذا القانون والتغلب على الأزمات والتناقضات عن طريق السيطرة على المنافسة والأسواق والأسعار والإنتاج والعرض والطلب والتقدم التقني ومع توسع الانتاج وازدياد نفوذ الرأسماليين وقوتهم وهيمنتهم على الاقتصاد والمجتمع يتطور مفهوم الربح الذي يولِّد فائض القيمة. وهذه الأشكال الأربعة للقيمة هي:
1- الشكل الأولي العرضي للقيمة: حيث كان الهدف من العمل والإنتاج الحصولَ على القيم الاستعمالية مباشرة ً. وفي تلك المرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية، نادراًً ما كان الإنسان يبادل إنتاجه بإنتاج الآخرين. ذلك – بنظرهم – أنّ الجهود كانت جماعيةًً، والملكية جماعية، فلا ملكيةَ َ فردية ٌ، إذا ً لا حاجة َ للتبادل([4]) ونحن نسأل هنا،  فلو سلّمنا جدلاً بأنْ لا ملكيةَ َ فردية ٌ في تلك المراحل، فهل يستغني قوم عن قوم وقبيلة عن قبيلة؟! إن في هذا نسفا ً للواقع الذي نراه، فليست موارد كوكبنا موزعة ً بالتساوي على سطحه، وبالتالي فإن أهل السهول والسواحل سيحتاجون شيئا ً أو أشياءَ من أهل الجبال والوديان. ولا يردُّ قولنا ما يدّعيه أصحابُ هذا الاتجاه عندما يقولون :فالامكانات البدائية لتلك المجتمعات لم تكن لتسمح لها بإنتاج فائض تبادله، كما أن الجموع كانت متباعدة ً قليلة َ الاتصال فيما بينها.
       
ولن نردَّ على هذا القول بواقع تمازج النوع البشري منذ فجر التاريخ، ولكن بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.. [الحجرات: 49/13].
2- الشكل الممتد أو الموسع للقيمة([5]):  "وهذا الشكل قد تطور بتطور التبادل الذي رافق تطور القوى الانتاجية وتقدمها، وكذلك قيام أشكال جديدة من علاقات الانتاج التي تحفز نحو تكوُّن ِ فائض ٍ. وهنا لا تنعكس القيمة التبادلية لبضاعة ما في القيمة الاستعمالية لبضاعة واحدة،  بل لعدد ممتد ومتسع من البضائع المعادلة. فمثلا ً:
    "20 متراً من القماش = 10 كلغ من القمح = 5 كلغ من الحليب.. إلخ " ويعللون وجود هذا الشكل بتطور قوى الانتاج، وقيام تقسيم اجتماعي للعمل، لا يعتمد على الإنتاج الجماعي، بل على التخصص المتزايد والمستند أكثر فأكثر إلى الملكية الفردية. وإنْ كنا نوافق على وجود هذا الشكل المعتمد على التبادل مصداقا ً لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [سورة البقرة: 2/61]. فإننا لا نوافق على التعليل الذي يهمل كلَّ نزعات النفس الإنسانية وتأثرها باللون والشكل والطعم أحياناًً كثيرةًً،  ضاربين بعرض الحائط كلَّ النزعات الإنسانية على حساب نزعة التملك الفردي وحدها. فبماذا يردُّ هؤلاء عندما يتخلى الإنسان عن كل ما يملك لله ولرسوله كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه([6]).
    ثم إن هؤلاء يعودون بالإنسان إلى رفض التملك الفردي وسيره مسرورا ً ساعياً للتخلي عن ياء المتكلم وبالتالي عن أنا الفرد ليستبدل بها نون المتكلمين ونحن الجماعة.

3- الشكل العام للقيمة: وهو أنْ تكتسب سلعةٌ معينة ٌ تعبيرا ً عاما ً وبالتدرج عن قيمتها في جميع السلع الأخرى. وهكذا فإن السلعة التي تؤدي دور المعادل العام  لجميع  السلع يجب أن تكون مقبولة ً من الجميع([7]).

وإن كان هذا التصور يبدو للوهلة الأولى مقبولا ً،  فإننا ندفعه بالاحتكام إلى السلع في الواقع المشاهَد والذي هو استمرار للسلع في الواقع مهما عدنا به إلى الوراء.  فهل يعقل أن يتفق الناس على أن يكون التمر أو التين أو الحمص أو الخراف والنعاج... إلخ مرجعا ً ومعيارا ًَ واحدا ً عند كل الناس؟! وهم يرون اختلاف السلعة في النوع الواحد وكذلك اختلاف قيمتها؟ 
فالثمر أنواع، والشجرة الواحدة تحمل حباتِها متفاوتةًً في الحجم والشكل والطعم. وكذلك الحمص والفول والبرتقال...إلخ.
    ولذلك نرى أن التراضي على قيمة سلعة عند تبادلها مع آخر بسلعةٍ أخرى وحسب حاجة المتبادلين كان هو السائد والمرجع.  ولذلك جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر، فعن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الورِق بالذَّهب رباًً إلا هاء وهاء([8])،
 والبر بالبر رباًً إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا ً إلاّ هاء وهاء و التمر بالتمر ربا ً إلاّ هاء وهاء"([9]).
4- الشكل النقدي للقيمة: وفي هذه المرحلة أخذت القيمة الشكل النقدي للقيمة وذلك بحسب العادات الاجتماعية، ولخواص معينة في بعض المعادن مثل النحاس والفضة والذهب، نظرا ً لقابليتها للتجزئة وإمكانية حفظها و سهولة نقلها، واحتفاظها بنوعها وأصبح الذهب بالذات العادلَ الشاملَ العامَّ  لكل عالم البضاعة والخدمات. حيث تجد كلُّ البضائع الأخرى قيمتها فيه، ثم أصبح بعد ذلك بضاعة نقدية، وأصبحت القيمة تعبـِّر عن نفسها بالشكل النقدي، والذي أخذ يتطور عبر مراحلَ عديدة ٍ حتى أخذ شكلاً قانونيا ً يتمثل في طرح أوراق نقدية للتداول تكتسب قيمتها من القوة الإلزامية للسلطة المشرِّعة([10]).
    ونقول: ومع موافقتنا على أهمية العادات الاجتماعية في تشكّل هذه المرحلة، ومع إقرارنا بأهمية خواص بعض المعادن التي كان لها دور في هذه المرحلة النهائية والتي أصبحت السيادةُ فيها للذهب، فإننا نرى أن كلَّ ذلك خاضعٌ لعامل واحد أساسي هو سنن الله في خلقه. والعادات محكومة دائما ً بالحلِّ والحرمة أيضا ً. فالمصاهرة مثلاً هي من الحاجات الإنسانية ولها أثر كبير في تثبيت عادة أو تحوُّلها. ولو ذهبنا متراجعين إلى منشأ العادات لوجدناها شرعا" أو هديا" أو وحيا" ربانيا". وخير دليل ما حدث لولـد آدم عليه السلام القاتل وكيف بعث الله عز وجل غرابا ً يعلمه دفن أخيه. أما من حيث قيمة السلعة فإننا نرى أن العاداتِ  والظروفَ والاعتباراتِ الإنسانية َ محكومة ٌ أيضا ً بسنن الله عزَّ وجلَّ الكونية.  فقيمة "كلغ" برتقال في سواحل البحر الأبيض المتوسط، من يحددها؟ وكلغ من القمح في سهل البقاع أو في سهول  كندا، وغير ذلك من السلع التي تخطر ببالك،  من يحدد سعرها أو قيمتها؟ وهل العوامل الإنسانية وحدها هي العامل الوحيد في ذلك؟ إننا نفهم أنّ الظروفَ التي تحيط بالسلعة من ظواهرَ طبيعية ٍ وسنن ٍ كونية ٍ هي الأساسُ في تحديد قيمة سلعة ما. فكلغ البرتقال أو القمح يختلف من موسم لموسم،  ومن مكان إلى آخر. فهل يُعقل أن نُهْمِلَ في أصل القيمة قلة الأمطار والجفاف، أو الآفات الزراعية والكوارث الطبيعية...إلخ؟؟ ومن هذا المنطلق نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاص بالتسعير: فعن أنس رضي الله عنه، قال: "غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله سَعِّرْ لنا. فقال: إن الله هو المُسَعِّر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مالٍ([11]).
    ونفهم من قوله إنَّ الله هو المسعِّر، أي أن الله هو خالق السلعة وما يحيط بها من ظروف، وخالق الإنسان هو الذي حدَّ له الحدود وبيَّن له أسس التعامل في كل ما يتعلق بإنسانيته. فلم يجعلْ سبيلا ً للمحتكر ليتحكَّمَ بالسعر.

    فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من احتكر طعاماً أربعين ليلةً فقد برئ الله منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤٌ جائع فقد برأتْ منه ذمّة ُ الله تعالى"([12])، وورد أيضا ً " بئس العبد المحتكر، إذا رخَّص الله الأسعارَ حزن،  وإذا غلّى فرح"([13]). وقال صلى الله عليه وسلم: " من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس([14]) .
    وإن نظرة ً إلى مفهوم الملكية التي أجازها الإسلام تثبت أنها مقيدة بقيود، ويُراعى في إدارتها وتنميتها خيرُ الناس جميعاً، أو هي وظيفة اجتماعية يقوم بها شخص لخيره ونفعه، ولخير الجماعة ونفعها. فإذا لم يقمْ بها على النحو المبيَّن كان لولي الأمر أن يكلها سواه، وذلك لمخالفته تعاليم شرع الله عز وجل ونُظُمَ المالك الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى. ومن هذا المنطلق جاز الحِجْر على من أسرف أو أساء استعمال ماله. وكذلك منعـَنا الله عزَّ وجلَّ أن ندفع بالأموال إلى السفهاء،  وذلك في قوله تعالى:  ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [ النساء: 4/5].  وكل ذلك يؤكد تبعية مفهوم القيمة اقتصاديا ً لله عزَّ وجلَّ وذلك من خلال أنه:
1- المالك الحقيقي: ﴿لِِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة: 2/284] ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون: 23/84]. وهناك آيات كثيرة تؤكد معنى "أن الأرض والسماوات لله" ومنها: 
1) ﴿وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 3/180].
2) ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 3/189].
3) ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ                     [المائدة: 5/17].
4) ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ [الأعراف: 7/10].
2- المبيّن وجهة استعمال المال: الكسب الحلال – الانفاق فيما أمر،عدم كنز الأموال  – عدم الاحتكار.
3- المُسعِّر: باعتبار أن سعر السلعة يتأثر بما خلق الله من عوامل طبيعية وغيرها.
4- خالق: الإنسان وكلِّ ما في هذا الكون. فالجسد الإنساني الذي يحتاج إلى سلع في نموه واستمراره، والنفس الإنسانية المتأثرة بالتزكية والتدسية، والأرض بما حمل ظهرُها وبما اشتملت عليه بطونُها، والسماء بما أقلّت من خيراتٍٍ وويلاتٍ. إن كل ما تقدم يدخل في مفهوم القيمة اقتصادياً عند المسلم، وهو بذلك يخالف أسس مفهوم القيمة عند الرأسمالي " البراـماتي" النفعي والذي أساس مذهبه الاقتصادي وعلم الاقتصاد السياسي عنده الديمقراطية والحرّية. ويخالف أيضا ً المذهب الاشتراكي الماركسي الذي جعل الصراع الطبقيَّ وتطورَ الحركة الاجتماعية تاريخيا ً أساساً في تفسير الواقع، وأضفى عليها صفة العلمية([15]). وكان ماركس مؤمناً جداً بأن هذه الحركة التاريخية (الديالكتيكية)([16]) هي التي سيجد العالم خلاصه بها،وأنّ كلَّ ما على أتباعه هو أن يساهموا في هذا الصراع القائم. وكان يطرد، بناءً على ذلك، من حزبه كل من يذكر في كتاباته كلمات مثل: الحب، العدالة، الإنسانية، والأخلاقية. ثم تراه في تحديد مفهوم القيمة يهمل كل شيء في السلعة ويحصر القيمة بالجهد الإنساني المبذول في سلعةٍ ما([17])  وكأنه هنا يريد أن يرضي الإنسان والمفاهيم الإنسانية إذ أهملها كعنصر من عناصر المادية التاريخية.
    ونلفت النظر إلى خطورة اعتماد النقد الورقي للتبادل في قيمة السلع والجهود وغير ذلك، حيث يمكن للسلطات المشرِّعة نهبَ ثرواتِ الشعوبِ عبر تحديدهاالقيمة النقدية لعملةٍ ما. فالمواطن ينام ومعه مبلغ من المال يشتري له سيارةً معينةً مثلاً، ثم يصحو وقد أصبحت قيمة ُ ما معه من أموال نقدية ورقية لا يشتري به دراجة ً نارية ً. وكذلك تكمن الخطورة في النظام الربوي العالمي وصندوق النقد الدولي وغير ذلك من مؤسسات يستغلُّ بها القويُّ الضعيفَ فيجعل أوراقه النقدية أوراقا ًمطبوعة ً بالألوان الزاهية والصور الجميلة. أليس هذا ما حصل في لبنان والعراق ومصر والكويت ويحصل الآن في تركيا وأندونيسيا؟!

تعريف القيمة اقتصادياً وفقاً للرؤية الإسلامية:
وفي ضوء ما تقدم، نخلص إلى محاولة تعريف القيمة اقتصاديا ً وفقاً للرؤية الإسلامية فنقول:  (هي البدل المكافئ لسلعةٍٍ ما، أو لجهدٍٍ إنسانيٍّ ما أو لمنفعة عن طريق إنسان، أو حيوان أو آلة، أو مادة، أو مصدر ِ طاقة  بالتراضي.  في إطار ٍ إسلامي كلي ترعاه  دولة إسلامية تحمي كلا ً من المستبدِل والمستبدَل منه والسلعة و الجهد والمنفعة من الطغيان والاحتكار والغش والاستغلال غير الشرعي وغير ذلك من العوامل طبيعيةً كانت أو إنسانيةًً).
    ونشير إلى أننا لجأنا إلى صياغة تعريف ٍ للقيمة في الاقتصاد الإسلامي لأننا لم نجد في الكتب التي دُرِسَ فيها هذا الموضوع من مثل كتاب: إقتصادنا لمحمد باقر الصدر، والمذهب الاقتصادي الاسلامي  للإمام موسى الصدر، والسياسة والاقتصاد للدكتور أحمد شلبي تعريفا ً للقيمة على رغم دراستهم موضوعَها وتعرضهم بالنقد لمفهوم القيمة في المدارس الاقتصادية المختلفة.
والتأكيد في تعريفنا على:
         -            التراضي: إخراجا ً لحالات الغصب والإكراه.
         -            الاطار الإسلامي الكلي: ذلك لِما بيّناه من ارتباط القيمة اقتصاديا ً بالشرع الإسلامي.
   -    رعاية دولة إسلامية: ذلك لأنّ الكثير مما يتعلق بالقيمة اقتصادياً،  يخرجها عن فهمنا الاسلامي لها في حال عَبَثَ العابثون بأحد العوامل المحددة لها. لذلك وجب حماية هذه العوامل.  والجهة الصالحة لذلك دون غيرها هي دولة الإسلام.


([1]) موظف من موظفي الرقابة الشرعية لحفظ السلوك الإسلامي العام،  ويعاين صنعة الصناع من حدادين وخياطين، وطباخين، وكذلك تجارة التجار. (راجع كتاب معالم القُربة في أحكام الحِسبة، للقرشي: ص: 51).
([2])  القرشي، محمد بن محمد؛ معالم القُربة في أحكام الحسبة:  ص: 84. 
([3]) السيد العوضي، رفعت؛ في الاقتصاد الإسلامي: من مقدمة الكتاب، لعمر عبيد حسنة:  ص: 10،  كتاب الأمة عـ 24.
([4])راجع عبد المهدي، عادل؛ التضخم العالمي والتخلف الاقتصادي: ص: 10 وص: 22 و ص: 46.
([5])عبد المهدي، عادل؛ التضخم العالمي والتخلف الاقتصادي: ص: 13.
([6]) الحديث: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: "أبقيت لهم الله ورسوله"، أخرجه الترمذي،( محمد بن عيسى بن سَوْرة)؛ السُّنَن، كتاب:  المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ورقمه( 16 )، ورقم الحديث:( 3675)، ج5/ ص:( 614 )عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
([7])عبد المهدي، عادل؛ التضخم العالمي والتخلف الاقتصادي: ص: 15. 
([8]) هو أن يقول كل واحد من المتبايعين: هاء، فيعطيه ما في يده. وقيل: معناه: هاك وهات، أي: خذ وأعط، مثل الحديث الآخر: «إلا يدًا بيدٍ». قال الخطابي : أصحابُ الحديث يروونه: «ها وها» ساكنة الألف، والصواب مدها وفتحها: لأن أصلها: هَاكَ ، أي: خذ، فحذفت الكاف، وعوضت عنها المدة، يقال للواحد: هاء، وللاثنين: هَاؤُمَا، بزيادة الميم، والجمع: هَاؤم (الجزري، ابن الأثير: جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عند شرح الحديث، رقم: 324 ).
([9]) متفق عليه، أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ الصحيح: في كتاب: البيوع ورقمه(34)، باب:  ما يذكر في بيع الطعام والحكرة ، ورقمه(54)، ورقم الحديث(2134 )، ص: 383، وأخرجه الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح: كتاب: المساقاة ورقمه( 22)، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ورقمه (15)، رقم الحديث: 1586، ص: 980 واللفظ لمسلم عن عمر رضي الله عنه.
([10]) عبد المهدي، عادل؛ التضخم العالمي والتخلف الاقتصادي: ص: 15.
([11]) رواه  الامام الترمذي محمد بن عيسى بن سورة في سننه، وقال:  هذا حديث حسن صحيح.  كتاب: البيوع باب: ما جاء في التسعير ورقمه(73 )ورقم الحديث 1314،ج3/ ص:(605 ).
([12]) ذكره ابن حنبل،الامام أحمد؛ المسند: مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، ورقمه: 4880ج2/ص:(32) وقال ابن حزم في المحلى:ج9/ص:64. لا يصح لأن أصبغ بن زيد، وكثير بن مرة، مجهولان. ويتقوى بحديث أخرجه الإمام مسلم، (... لا يحتكر إلا خاطىء) في كتاب: المساقاة ورقمه(22) باب:تحريم الاحتكار في الأقوات ورقمه(26) ج3/ص: (994).
([13]) ذكره الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين، في شعب الإيمان، فصل :في ترك الاحتكار ج7/525،   ورقمه(  11215 ).
([14]) أخرجه ابن حنبل، الامام أحمد، مسند أبي بكر الصديق، ج1/ص:(21) ورقم الحديث:135.
([15]) راجع: نقد النظرية الاشتراكية والشيوعية في كتاب (إقتصادنا)  لمحمد باقر الصدر؛ ص: 215 وما بعدها. 
([16]) "الديالكتيك" كلمة يونانية ولعلّ اشتقاقها الأصلي من (ديالوج) بمعنى محادثة، مجادلة، أو مجاذبة أطراف الحديث. ولقد أصبحت الكلمة مصطلحاً علميا لأول مرة في أواسط الألف الأول قبل الميلاد. تعبّر بها الفلسفة الإغريقية عن واحد من التصورات الكثيرة للكون والطبيعة. و"هرقليط" من أبرز من ساهم في إيجاد المصطلح العلمي لهذه الكلمة. وهي فلسفة موضوعات جدليّة ابتكرها ماركس وأنجلز وحلفاؤهما من أصحاب النظريات السياسية ويعتقد ماركس بمقتضاها أن جميع الأشياء ترتبط داخلياً من خلال التغيير. وأن المعرفة هي نتيجة دراسات تاريخية في التغيير. (عن عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ؛ ص: 242). وانظر نقد أوهام المادية الجدلية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي؛ ص: 17 وما بعدها، فقد عرض أسسها وفنَّدها بالتفصيل.
([17])  راجع كتاب: المذهب الاقتصادي في الإسلام، للإمام موسى الصدر؛ ص: 32 وما بعدها.
المبحث الثامن: مفهوم القيمة في الفلسفة:
تعريف الفلسفة: لمّا كانت كلمة فلسفة غير عربية، فإننا لم نجد الجذر "ف – ل – س – ف" في أكثر المعاجم القديمة([1]) فقد عمدنا إلى المعجم الوسيط من بين المعاجم الحديثة،  ذلك أنه يتبنى قرارات مجمع اللغة العربية في القاهرة ووجدنا تعريفا ً اصطلاحيا ً لها:  "إنها دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة عقليا ً،وقد كانت تشمل العلوم جميعا ً،  لكنها اقتصرت في هذا العصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة"([2])  كما وجدنا تعريفا ً مشابها ً في معجم المصطلحات التربوية وكأنه أُخذ عن المعجم الوسيط: "دراسة المبادئ والعلل الأولى للأشياء، وتفسير المعرفة تفسيراًً عقلياًً وتشمل الأخلاق والمنطق وعلم الجمال والميتافيزيقيا وتاريخ الفلسفة"([3]).
ويبدو أنه من العسير أن نقع على تعريف واحد للفلسفة، ولكن الباحثين يتفقون على أنها كلمة يونانية مركبة من مقطعين أولهما (Philo) ويعني: (حب) وثانيهما – (Sophia) ويعني: الحكمة،  وتصبح مركبة: Philosophia))أي حب الحكمة وقد عُرِّبت فيما بعد في أوائل العصر العباسي فصارت تعرف بـ (الفلسفة)([4]). وبإعمال النظر في التعريف الاصطلاحي، نرى أن العقل هو سلاح الفلسفة الوحيد.
 فبه وحده يفسر الفلاسفة الظواهر الطبيعية المادية على حد سواء. كما يفسرون ما وراء الطبيعة وما لا يقع تحت الحس.
    ومن هنا يمكن فهم مخالفة الأحكام ونتائج البحوث الفلسفية مع الأحكام الشرعية، ذلك أن الفلاسفة أعملوا عقولهم في حقل لا يخضع للحس أو التجربة، عنيتُ الأمور الغيبية والتي لا بدّ  للحكم فيها من نص شرعي ثابت صحيح.
    لطالما أن هناك مدارسَ فلسفية ًوكذلك مذاهب فلسفية مختلفة، فإننا نتوقع أنّ الأحكام التي تصدر عنها حول موضوعاتٍ كثيرةٍ  ستأتي مختلفة ً أيضا ً.
والقيمة من المفاهيم الفلسفية التي فرضت حضورها ومازالت تفرضه إلى حد كبير في الموضوعات الفلسفية، وعلى الفلاسفة، على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم أو مشاربهم مشكِّلة ً بذلك محوراًً واسعاًً لخلافات أساسية بين أصحاب هذه المدارس والمذاهب. وسنعرض لمفهوم القيمة عند الفلاسفة،  وسنناقش آراءهم محاولين ردَّها إلى الأسس التي تنطلق منها والأهداف التي تصبو إليها. ومعلومٌ أنّ ذلك أمرٌ ليس بالسهل، ذلك أن اختلاف الفلاسفة في موضوع القيم جاء واسعا ً جدا ًً والفلاسفة فيه على طرفي نقيض – يقول جون ديوي([5]):
 " إن الآراء حول موضوع القيم تتفاوت بين الاعتقاد من ناحية بأن ما يُسمّى قيما ليس في الواقع سوى إشاراتٍ أو تعبيراتٍ صوتيةٍٍ، وبين الاعتقاد في الطرف المقابل بأن المعايير القبْلية العقلية ضرورية ويقوم على أساسها كل من الفن والعلم والأخلاق"([6]).
القيمة عند الفلاسفة المثاليين:
إن الفلسفة المثالية لا تردّ السنن والظواهر والقوانين الاجتماعية والثقافية،  والتي تسعى إلى تفسيرها، إلى مصدرٍٍ موضوعيٍّ في حركة المجتمعات البشرية عبر التاريخ.  ولكنها تُسند هذا كله إلى أفكار.  أي إن هذه الفلسفة تفسر الفكر بالفكر باحثة ً عن الأسس الفكرية لكل سلوك أو ظاهرة إنسانية.

فالفلسفة المثالية - في ضوء ما تقدم -  تضطر لعقد علاقة ٍ وهمية ٍ بين ظاهرةٍ وأخرى،  فتسحب ظاهرةً ما - وهي تفسرها- على قانون ظاهرة أخرى.  فيأتي في هذا التفسير الكثيرُ من التعسُّف وليِّ عنق الأولى لتنسحب على قانون الأخرى.

وفي حال عجزها في ذلك،  تلجأ إلى قَطْع الظاهرة عن غيرها، وحتى عمّا قد يشابهها أو يناظرها بشكلٍ عام لتجعلها مسيَّرة ً بقوانينَ ذاتية ٍ. وهنا قد يأتي تفسيرها أحادياً مغلقاً.  كما تنكر المثالية الوجودَ الموضوعيَّ وتجعله تصورا ً ذهنيا ً. وتجعل من المفاهيم المجرَّدة، التي هي انعكاسٌ لواقع ٍ ،أفكارا ً مطلقةً. وهكذا تنتهي إلى المبدإ المثالي القائل بسبق الوعي على الوجود وسبق الفكر على الواقع([7])

    وأساس هذه النظرية ما جاء به أفلاطون وسميت (نظرية الاستذكار الأفلاطونية) حيث قال: إن الإدراك عمليةُ استذكارٍ للمعلومات السابقة. وأقام هذه النظرية على فلسفته الخاصة عن المثل وقِدَم ِ النفس ِ الإنسانية، التي كانت موجودة ً بصورة مستقلة عن البدن قبل وجوده. وقد أتيح  للنفس في عالم المثل أن تتصل بالحقائق المجردة عن المادة وأمكنها العلم بها. ولكنها فقدت كلَّ ذلك بعد أن اضطرت إلى الهبوط من عالمها المجرَّد لتتصلَ  بالبدن وبعالمه المادي. ولكنها – أي النفس – تبدأ باسترجاع  إدراكاتها عن طريق الإحساس بالمعاني الخاصة والأشياء الجزئية. فمتى أحستْ بمعنى خاصٍٍ انتقلت فوراًً إلى الحقيقة المثالية التي كانت تدركها قبل اتصالها بالبدن([8]).
    ومع تسليمنا بأهمية المعلومات السابقة في أي حكم عقلي، فإننا نختلف معه في مصدر هذه المعلومات وفي طريقة وصولها إلينا. ونختلف معه أيضا ً في أنّ الفكرَ أسبقُ من الواقع.

وهذان الأمران فيهما نصٌّ قطعيُّ الثبوتِ قطعيُّ الدلالةِ ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة: 2/30-31-32-33].
فالمعلومات السابقة الأولى علمها الله عز وجل لآدم عليه السلام وليس لكل نفس﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شيئا [النحل: 16/78].  أما الطريقة التي انتقلت إلى الإنسان فهي عن طريق الأخذ الذي يتمثل بسلسلة بشرية طويلة وصولا ً إلى سيدنا آدم عليه السلام.  ثم إن أفلاطون يستخدم كلمة النفس مرادفةًً  للعقل والروح معاًً.
وإن المتأمل بهذه النظرية الأفلاطونية يجد أنها أشبه ما تكون بأسطورةٍٍ خياليةٍٍ أو بأضغاث الأحلام. إذ لم يقدِّمْ أفلاطون دليلاًً عقلياًً واحداًً على صحة مزاعمه وأوهامه([9]). ومن هذه الرؤية أو النظرية ترى الفلسفة المثالية أن القيمَ مستقلة ٌ منعزلة عن الخبراتِ الإنسانية. وترى أنه لا بدَّ من مصدرٍٍ استقى منه الناس هذه المعتقدات التي تؤدي بهم إلى هذا اللون من التفكير أو الحديث والسلوك.  وهو عالم آخر يختلف عن عالمنا.  وترى هذه الفلسفة المثالية العقلية أن مصدر القيم الإنسانية خارج ٌعن الحياة الواقعية والخبرة الحية للإنسان، وأن مصدرها عالمُ المثل، وهوعالم ثابت ومطلق([10]).  وإن كانت الأخلاق ذات أصل إلهي، فإن أوامرها لا تناقش،  فهي أزلية لا تتبدل و ترتفع فوق مستوى التحول والتطور والتباين. 
فالقيم في ضوء ذلك صادقة صدقا ً مطلقا ً،  ومتعالية عن الحس وثابتة وخالدة.  لذلك فهي صالحة لكل زمان ومكان.
    ومهما وقعنا على تناقض بين ما هو أخلاقي إلهي وبين ما يسعى إليه الإنسان من مصالح، فإن هذا الإنسان يبقى ملتزما ً أوامر الحكمة الإلهية التي تفوق إدراكه.  وبذلك يكون عليه أن يبدِّل في طرائق تفكيره وأنماط حياته حتى يقع على توافق مع هذه القيم المطلقة الخالدة([11]).

    ويمكن القول: إن فلسفة أفلاطون ترتكز بكليتها حول مفهوم القيم حتى يمكن اعتبارها بحثا ً عن القيم([12]).
    وإن كنا لا نعارض أفلاطون في ضرورة أن يكون هناك مصدر إلهي للقيم،  فإننا نختلف معه في كيفية وصول هذه القيم من المصدر الإلهي،  إذ إننا نعتقد بضرورة بعث الأنبياء وإرسال الرسل لتبليغ شرع الله،  وليس الاحتكام إلى فلسفة الأخلاق والمنطق وفلسفة الجمال في عالم المثل كما يتصورها أتباع المدرسة الفلسفية المثالية العقلية. وقد تمثل هذا الاتجاه الفلسفي المثالي في العصر الحديث بشكل واضح. وكان في مقدمته ومن رواده([13]) – (ديكارت الفرنسي1650م)([14]) و(سبينوزا الهولندي 1677م)([15]) و(ليبنز الألماني 1716م)([16]).  

هذا ما أنتجته الفلسفة المثالية العقلية في عهد أفلاطون. أما ما وصلت إليه في عهد "كانط"([17])  وهو الذي وقف على رأس هذه المدرسة لدراسة القيم الأخلاقية والجمالية والدينية وكانت قد تزعزعت في أيامه الكثير من المعتقدات بتأثير العلم التجريبي على يد "كوبرنيكس"([18]) و"جاليلو"([19])و "نيوتن"([20]). ووجد "كانط" أن هناك مجموعة من القيم لا يمكن تبريرها عمليا ً، مثل الحرية، لذلك فإن مجالها هو العقل النظري وليس العقل العملي([21]). ويفصل "كانط" بين القيمة وما تحققه، فهو يرى أن الإرادة الخيِّرة لا تكون خيِّرة ً بما تحدثه من أثر ٍ أو نتائجَ  تكلل بالنجاح،  ولا بكونها صالحة ً لبلوغ هذا الهدف أو ذاك، بل لكونها خيرة في ذاتها وبذلك تكون قيمتها عامة ً ومطلقة ً.  ومن ثم يطاع الواجب لأنه واجب ولا ينظر إلى الصلة بين الأخلاقية ومردوداتها([22]).
              
ويعود "كانط" بهذا ليلتقي مع زعيم المدرسة الفلسفية أفلاطون.  فهذا الأخير يرى أن الفضيلة قيمة عليا،  والمعرفة بها هي السبيل إليها. وتلميذه - ولو من وراء عصور - يرى أن الواجب يطاع لذاته، ومعرفة الوجوب تتأتّى عن طريق العقل النظري. وإن كان "كانط" لم يلجأ إلى العالم الخارجي كما فعل أفلاطون، واهتدى إلى حل عقلي، لكنه داخلي، عنيت به العقل.

    و"كانط" بهذا الحل،  أكـّد أن العلم والجمال والأخلاق مصدرها جميعا العقل، وليس للأشياء الحسية شكل خاص تفرضه على العقل،  بل العكس – عنده – هو الصحيح، فتركيب العقل هو الذي يعطى للخبرات الحسية شكلها الخاص الذي ندركه([23]).

القيمة عند أصحاب الاتجاه النسبي:
بدأ أصحاب هذا الاتجاه من الفلاسفة بتوجيه النقد للمثالية، أو بإبداء ملاحظات أولية أو مؤاخذات، من مثل:
  1.     إن الحقائق المطلقة والقيم الثابتة تنتمي إلى عالم ميتافيزيقي. وأصبح العالم المثالي بذلك أسمى من العالم المشاهد، والعقل أولى من الجسد،  والروح أعظم من المادة([24]).
  2.     إن هذا الاتجاه الميتافيزيقي يتجاهل دور الفرد في الجماعة وتفاعله معها، وهكذا لم يعد له دور في الحركة الثقافية الاجتماعية التي تتولد فيها القيم والاتجاهات نتيجة التفاعل المستمر بين خبرات الماضي والحاضر([25]).

    وبعد محاولات الكشف عن هذه المؤاخذات وتبيان أثرها، اجتهدوا في إقامة فلسفة مناقضة تماما ً للاتجاه المثالي، إذ قرروا أن القيم لا تقوم في عالم المثل ولا تهبط أيضا ً من خارج الأنا، وإنما يحاول الإنسان أن يضفي على العالم قيماً من صنعه، من ثم فهي نسبية الموقف. فأصحاب هذا الاتجاه يردون القانون الخلقي إلى الذات التجريبية التي تصدر أحكامها الخلقية، وليس إلى الموضوع الذي تصدر عنه، فسموا بأصحاب الاتجاه الذاتي وكانوا من قبل يسمون بأصحاب الاتجاه الطبيعي.  وذلك لأنهم أنكروا ما وراء العالم المحسوس من حقائق وقيم، ورفضوا التسليم أو القول بمقولة الفكر المثالي،  القائم على وجود عالم للحقائق والقيم وراء العالم المحسوس([26]).

القيمة عند الفلاسفة الوجوديين:
   الفلاسفة الوجوديون يؤمنون بخلق الإنسان للقيم،  ولا يقبلون القول أو الاعتراف بوجود نسق قيمي أولي. فالوجود عَدَمٌ أوعبث دون الوجود الإنساني. وفرّقوا بين وجود الإنسان وماهيته، معتبرين أن وجوده يسبق ماهيته، فالإنسان يوجد أولا ً ثم تتبلور وتتحدد ماهيته ابتداءً من وجوده. وهكذا فالوجوديون يقولون أيضا ً بوحدانية مصدر القيم حيث يحصرون هذا المصدر بـ (حرية الفرد) انطلاقا ً من حرية الوجود التي ينتج عنها اختياره لقيمة ما والتزامه بها. فالإنسان عندهم يخلق القيم من العدم، وإن شاء فيما بعد التزم، وإن بدا له أن يرفض ما خلق من قيم،  فذلك شأنه. وقد يخلق قيما ًمضادة. فهو يخلق ويلتزم أو يترك ثم يهدم.
    والمتأمّل يرى أن فلسفتهم تقوم على منطلقات أهمها:
- لا قيمة عندهم إلا للذات. وكل القيم فروع من القيمة الذاتية، سواء أتعارَضتْ مع الموضوعية أم اتفقت معها.  وهكذا تصبح الذاتية هي القيمة الأولى، أو القيمة العليا([27]).
    - تقديس الحرية الفردية،  حتى اعتبرت عندهم الطريق الوحيد الذي يسلكه الفرد،   
       في عملية خلق ماهيته وطبيعته.
- الحياة الأخلاقية -عندهم -عالة على ترفع الفرد عن نفسه، بمجاهدة مستمرة حتى يتجاوز ذاته. ولا بد له في هذا من أن يستشعر القلق والتوتر والتمزق([28]).
   -    تفقد القيمة اعتبارها وذاتها إذا تكررت، لأن على الإنسان أن يخلقها كل مرة، وذلك لكثرة الظروف التي يتعرض لها الفرد واختلافها،  والتي تفرض عليه مواقفَ متجددة ً. والفرد دالة متغيرة بشكل مستمر. فهو ليس هو بمجرد مرور دقيقة بل ثانية،  وكل حالة أو ظرف تتظافر في نشأته واستمراره وإنهائه ما لا يعد ولا يدرك من العوامل([29]).
         -            القيمة عندهم لا تخضع لمعيار سابق، بل هي التي تصنع المعيار ولا تسعى لتطابق أي معيار([30]).
   -    ينظر الوجوديون إلى القوانين والقواعد على أنها أعباء مفروضةٌ على الوجود البشري،  وتجبر الإنسان على نمط من السلوك محدد سلفا ً، وتمنعه من تحقيق ذاته الفردية الأصلية. وبذلك، فهم يرفضون أي خضوع لأي قانون أخلاقي. فهم انطلاقا" من ذلك، يعتبرون أنه لا يمكن صياغة حقيقة خلقية في قوالب عامة مجردة تصلح لكل فرد وتناسب كل حالة،  ذلك لأنه لا يمكن تصور (قانون عام) يصلح لكل المواقف([31]).


   -    وبالنظر إلى هذه المنطلقات،  نرى أنها الوجه الآخر لنظرية الفلسفة المثالية. فهناك أمور كثيرة تصدر عن تصور متشابه، إن لم نقل: إنها تصدر عن تصور واحد. فأفلاطون رغم قوله بعالم المثل،  فإنه لم يجد طريقة واحدة في وصول المعلومات أو القيم إلى الناس جميعا. وهكذا، ما يكون في عالم المثل حقا ً عند فلان، قد يكون في عالم المثل عند آخر، باطلا ً. وهكذا عند الوجوديين، فكل إنسان يخلق قيمته بذاته دون مرجع. وهكذا نجد أن فردية الإنسان وحريته عمليا ً هي المعوّل عليه في الاتجاهين، أما في الإسلام فإننا نرى التوازن قائم بين الفرد والجماعة. فهناك وحدة مصدر، (الله) عزَّ وجل، تستوجب وحدة وسيلة، "الرسل"، عليهم السلام. وهذا يضمن الجانب الجماعي في وحدة النص وثبوته. وإعمال العقل لاستنباط الأحكام من النص الثابت يضمن احترام الفردية في هامش ليس بالقليل. واحتمالات الاختلاف في الأحكام كثيرة، مما يضمن حركة وتفاعلاًً إنسانياًً يأخذ شكل تعاون وجهد جماعي: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 5/2].  أو شكل قتال: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 49/9].  وهذا في قالب سنة الله في خلقه، عنيت سنة التدافع﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة: 2/251]. وتقديس الحرية الفردية عند الوجوديين يعود بالضرر على الجماعة وعلى الفرد نفسه. ذلك لأنها تضع الفرد وحيدا ً في مواجهة الجماعة، فيؤول أمره إلى الخسران. وممارسة حريته في تحصيل ما يفيده فردا ًواحدا ًقد يلحق الضرر بأفراد آخرين منفردين أو بمجموعهم معاً. "إنَّ الوجودية تخطئ مرتين: مرة عندما تقدر الوجود حراًً، فالحرية هنا هي النظام وتخطئ لأنها تبحث عن الحرية في غير مكانها. وتخطئ ثانية عندما تقدم الحرية من دون برهان كبداية لا تحتاج لبرهان،  في الوقت الذي توضح أن النظام قانون،  فبداهة لا حرية فيه إلا قيمة من بين القيم ولا يكون حرا ً إلا عندما يتجاوز الوجود بالفعل الغائي.  بمعنى أن الحرية ليست إمكانا ً لفظيا ً بل هي إمكان فعل قيمي  وغائي([32]).
       
    وهم يريدون للفرد أن يترفع عن قِيَمِهِ الذاتية لصالح القيم الجماعية، عبر التوتر والقلق و... و... فإن لم يكن تركه القيم الذاتية لصالح القيم الجماعية يعود بالنفع على ذاته،  فَلِمَ سيتركها؟ ولهذا نرى في بعض المجتمعات الغربية، جنوحاًً نحو الحيوانات،  فهذا يوصي بتركته لكلبه، وتلك لبناء مشفى أو فندق أو منتزه للقطط.  بينما تتكامل القيم الفردية والجماعية في الإسلام،  بدءا ً من العبادة،  فـ "صلاة الجماعة تعدل خمساً وعشرين من صلاة الفذ" ([33]) والفاتحة التي هي شرط لصحة الصلاة أتت بصيغة الجماعة ﴿إياك نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:1/5 -6] وأكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة جاء بصيغة الجمع:  ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة: 2/201]، ﴿... وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ [البقرة: 2/286]،  وعن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو:  "اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا
وهَزْلنا وجدَّنا وعمدنا وكلّ ذلك عندنا "([34])وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فقال:  "اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا" ([35]).
 وتفقد القيمة – عندهم – ذاتها إذا تكررت، وبهذا يدفعون إلى التخلي عن كل القيم السائدة والتي تشكل أساسا ً للعلاقة بين البشر في محاولة بناء قيم جديدة وذلك تفلتا ً من كل نقد أو محاسبة وإطلاقا ً للشهوات والنزاعات. بينما يكرس الإسلام القيمة ويسعى لتثبيتها حتى يصبح السلوك المختار بناءً عليها عادة ً محمودة ً  يُثاب المؤمن عليها. فقد قال عليه الصلاة والسلام (( مَن سنَّ في الإسلام  سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها.. إلخ"))([36])
                                                     
القيمة في الفلسفة البراـماتية:

        البراماتية هي المذهب العملي، والتي ترى أن الحقيقة تُبنى على التجربة الإنسانية، وأن المعرفة وسيلة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما هي كونها مفيدة([37]).
ولعل المقال الذي كتبه "تشارلز بيرس"([38]) سنة 1879،  بعنوان "كيف نجعل أفكارنا واضحة" يشكل البذور الأولى " للبراـماتية ". وقد عرف "بيرس" هذه الكلمة (Pragmatism)  من خلال دراسة للفيلسوف الألماني "كانط". وهذا يعني أن البراـماتية  قد تأثرت إلى جانب تأثرها بالحياة الأمريكية، ببعض المؤثرات الأوروبية. وكان كانط ميز بين ما هو براـماتي وما هو عملي.  أما "وليام جيمس"([39]) فيرى أن الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Pragma)) ومعناها "مزاولة" أو "عملي"([40]).
    والفلسفة البراـماتية هي نتاج أثر البحوث والتجارب العلمية التي أدت إلى صناعة هائلة،  استطاعت تثمير عناصر الطبيعة والتأثير فيها، وقد جاءت ردا ً على عودة عدد من الفلاسفة في أمريكا إلى تبني الفلسفة المثالية، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، من مثل "جوزبا رويس" الذي كان أستاذاً للفلسفة في جامعة "هارفارد"، وذلك بعد أن أعجبت المثاليةُ الألمانيةُ عند "كانط" و "هيجل"([41]) الكثيرَ من الشعراء والكتاب ،وراح هؤلاء يعبِّرون عن هذه المثالية في شعرهم ونثرهم([42]).
                             
وبعد ذلك تشكلت جماعة من خريجي "هارفرد" ،ونادت بضرورة التوجّه نحو "الفعل" و "المستقبل" وأخذوا على عاتقهم تقليص الموجة المثالية، واتخذوا لذلك منهج العلم التجريبي وسيلة، واعتبروه ملهم التفكير الفلسفي السليم والذي يقوم على أساس العمل والخبرة والتجريب([43]).
    ونظرا ً لأثر "العلمية" و"العملية" في هذه الفلسفة فقد أصبح معيارُ الحق والصدق عندها مرتبطا ً بالنتائج.  فليس الحق شيئا ً قائما ً بذاته، بل هو طريقة في الحياة نمشي على هواها([44]).
    وبالتالي أصبح محكُ الصواب والخطأ هو القيمةَ المعوَّلَ عليها في عالم الواقع.  وأصبح الحق كأي سلعة، قيمته بمقدار نفعه. ومن ثم فلكل سلعة ثمن. والأفكار هي وسائل نتوسلها لتخدمنا في حياتنا، فالأفكار التي تؤمِّن لنا خدمة أكبر هي أصح وأصدق. هذا ما يقرره "جون ديوي"([45]) ولا سيما في مجال القيم ،وذلك أملا ً أن يؤدي هذا – عنده – إلى تغيير فيها،  أي في القيم،  لتُلائمَ ظروف الحياة وتنسجم مع مقتضياتها([46]).
    فمعيار القيم الرئيس -بناءً على أسس الفلسفة البراـماتية ومنطلقاتها وخصائص بيئتها التي حضنتها البيئة الأمريكية – هو المنفعة. فالحق والأفكار لا قيمة لها في ذاتها وإنما هي مشروعات للعمل.  فإذا أنتجت الأعمال المنبثقة عن الأفكار والمفاهيم نتائجَ  نافعة ً ومفيدة ً فهي صحيحة، فقيمة الفكرة ليست في الصور والأشكال التي تثيرها في الذهن أو النفس ، وإنما في التغيرات التي تنتجها.  فالقيمة عند البراـماتي هي وسيلة، ومقياس صلاحها هو إحرازُ نتائجَ صالحة ٍ تعود على صاحبها بالنفع واللذة، وبمدى ما يُمْكِنها من إسعاف ظروف حياته، وفائدتها في حل مشكلاته. وهكذا يقرر أحد أهم روّاد البراـماتية "جيمس" أن المقياس الذي يجعل الفعل في دائرة الفضيلة هو النجاح([47]) كما أن مقياس انتماء فعل الخير أو الشر في مجال الأخلاق هو مدى تحقيقه للذة المنفعة عند الإنسان.  كما يعلن "جون ديوي" رفضه الاهتمام بالقيم في ذاتها،  فالقيم عنده أدوات للنجاح في الحياة،  ويعترف بقدرها وبكونها قيمة بمقدار ما تسهم في تحقيق الأهداف الإنسانية عامة" أو أهداف إنسان، خاصة في مطالبته بتحسين أوضاعه وطرائق عيشه في المجتمع الذي يحضنه([48]).

    وبالنظر إلى النبذة السريعة التي قدمنا بها للفلسفة البراـماتية ومفهوم القيمة عند أتباعها،نجد أمورا ً لا بدَّ  أن نتوقف عندها: 
أ.  لم يبحث فلاسفة البراـماتية عن القيم في أي من الأفكار والمفاهيم الماضية، أي " فيما كان" بل " فيما هو كائن" أو سوف يكون.
ب.  الفلسفة البراماتية انبعثت واشتدَّ عودها في أمريكا. وتشكل المجتمع الأمريكي من الوافدين: أجناس، مجموعات وأفراد،  الذين وصلوا إليها طالبين الثراء. فأمريكا بذلك،  أرض لا يخضع من عليها لقيود عالم  قديم من ثقافة وتراث وقيم.. إلخ ذلك لأنه لم يفد إليها شعب بأكمله يحمل معه ثقافة ً وقيما ً ومعتقدات ٍ.
ج.  وبناءً على الواقع الذي رأيناه في الفقرة – ب- نرى أن منطلقات الشخصية الأميركية هي منطلقات فردية (أنوية)، وهذه المنطلقات هي أساس التفكير الأمريكي البراـماتي، ذلك أن المهاجرين إليها أتوا فرادى أو مجموعات ٍ صغيرة ،ً وآمن كل ٌّ منهم بفكرة "أن الأقوى هو صاحب الحق" واستمر الصِّراع فرديا ً بعد أن سحقوا السكان الأصليين، الهنود الحُمُر.
    وأسمح لنفسي أن أفترض لو أن المهاجرين الأوائل إلى أمريكا كانوا من المسلمين، فإنني أتصور – بناءً على ذلك – اليوم عالما ً وقيما ً غير هذا العالم، ولا بدَّ أن يكون محكوما ً بقيم غير تلك القيم، ذلك أن المسلم لا بدَّ له من مرجع في سلوكه وتصرفه مع الأرض ومن عليها،  وبما تحمل من خيرات. وكان التزاوج الحضاري بين الهنود الحمر- السكان الأصليين- وبين المسلمين قد قدَّم للعالم أنموذجا ً آخر ومختلفاً تماماً.
    فالأوروبيون وغيرهم من الوافدين استعبدوا الهنديَّ، وأقاموا زراعتهم الواسعة معلى استخدامه في أشق أنواع العمل. وعندما كان " جفرسون"([49]) يقرأ إعلان حقوق الإنسان الذي انبثق عن الثورة الأمريكية وحرب الاستقلال ضد إنجلترا كانت أمريكا ما تزال غاصَّة ً بملايين السود والأرقّاء في قيد العبوديَّة في أسوأ ظروف([50]).

    إذا ً أمام الصراع الفردي للوافدين المهاجرين إلى أمريكا، وفي سبيل عقد اجتماعي يضمن أوسع حرية للفرد، من خلال حرية المجتمع، تخلى الوافد عن قيمه، وفي سبيل تفوقه على غيره صارت المنفعة والقوة واللذة هي مصدر القيم السائدة، حتى على مستوى قيم الحكم والنظام السياسي ومؤسساته.

القيمة في الفلسفة المادية التاريخية - الماركسية:
لا تنفكّ القيم في فلسفة ٍ من الفلسفات مرتبطة ً بمنطلقات تلك الفلسفة وبأهدافها. وتحاول الماركسية أن تجعلَ القيم أشدَّ التصاقا ًً بتلك المنطلقات منها في أي فلسفة أخرى.  ذلك أن الفلسفاتِ الأخرى لا تعاني مشكلةَ خواءٍٍ روحي، وأبقت الإنسان متصلا ً بالعالم الآخر.
    فكأنَّ الماركسية أرادتْ للقيم أن تكون بديلاً  وتعويضاً عن حاجة الإنسان إلى الجانب الروحي. حيث أعلنت أن لدى الإنسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معينة عن الحياة واستكناه أسرار الوجود والعالم([51]).فهي بهذا تريد أن تقابلَ اليقين العلميَّ بالإيمانِ الصادق.
    وفي الوقت الذي قطعت الماركسية ُ الإنسان َ عن كل عالم إلا العالم المشاهَد الذي يعيشه، عادت بالقيم إلى ظواهرَ اجتماعيةٍٍ تاريخيةٍ تنظر إليها على أساس النظم الاقتصادية والعلاقات الإنتاجية من منظارٍٍ ماديٍّ  تاريخيٍّ،  مؤمنةًً أنَّ التطور الاجتماعي الخاضع لعلاقات الإنتاج وللنظم الاقتصادية يسير حتما ً وفق مراحل متعاقبةٍ للوصول ِ إلى الشيوعية.
    ولذلك،  فالماركسية ُ ترى أنّ تطورَ الإنسان ِ مرتبط بتطور العوامل والعلاقات الاجتماعية المتعلقة أصلا" بقوى الإنتاج وبالعلاقات الاقتصادية. فالإنسان – عندهم – يتحدد نموُّه البدني والوجداني تبعا ً لدرجة نمو قوى الإنتاج في المجتمع.
    والأخلاق ُ بما هي – عندهم – جانب ٌ من جوانب الوعي الاجتماعي. فهي ظاهرة تاريخية، ونتيجة حتمية لمراحل النمو أو التطور التاريخي للمجتمعات([52]).

    والقيم بذلك وليدة التنظيم الاقتصادي الذي يعيشه المجتمع، لأنها انعكاسات ٌ للعلاقات الإنسانية المتغيرة زمانا" ومكانا". فإذا تغيرت علاقات الإنتاج، تغيرت معها القيم الأخلاقية، إذ ليس هناك مقياس ٌ ثابت ٌ تقاس به الأمور([53]).
    وعندما تؤكد الماركسية أن القيم ظاهرة تاريخية، ونتاج تطور اجتماعي حتمي،  تجعل إطار هذا التغير، الصراع َالطبقي َّ. وتُفسر الظواهر التاريخية على أساس هذا الصراع، وفق المنهج الديالكتيكي "التناقض" الذي ارتضته الماركسية ُ طريقة ً لتفسير الواقع، وقانوناً كونياً ًعاماً، ًحيث ترى التناقض ثابتا ً في صميم كلِّ واقع ٍوحقيقة،  فما من قضية ٍ إلا وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها([54]).
وعلى أساس ما تقدَّم،  نخلص إلى الملاحظات ِ الآتية ِ في موضوع القيمة عند الماركسيين:
    1-            إن القيمَ صناعة ٌ إنسانية بحتة.
    2-            إن القيمَ ظاهرة ٌ تاريخية تراكمية.
    3-            إن القيمَ تتطور وفق تطور النظم والعلاقات الاجتماعية.
    4-            إن تطورَ النظم ِ والعلاقات ِ الاجتماعية ِ رهن ٌ بنوع العلاقات والقوانين الاقتصادية.
    5-            إن التطورَ البشري  يسير وهو محكوم بالمرور بمراحلَ محددةٍ، صولا ً إلى الشيوعية.
    6-            إن هذا التطور البشري محكوم  بصراع  طبقي.
    7-            إن كلَّ قيمة ٍ تحمل في طياتها نقيضها وفقا ً للمنهج الديالكتيكي.
ونلاحظ: إنَّ القيمةَ عند الماركسيين تخالف عناصرَ إنسانية ِ الإنسان التي بيّناها، كما تخالف غاية الإنسان في الوجود. فالإنسان عندهم لا روح َ فيه، وكذلك غايته دنيوية بحتة. كما تخالف مفهومَ صفات ِ النفس ِالإنسانية التي يرى الماركسيون أنها تسير حتما ً إلى المرحلة الشيوعية، متخلية ًعن نزعة التملك الفردية، محطمةً الأنا الذاتية لصالح الجماعة.


([1])  في الصحاح، للجوهري؛ ذكر أنها أعجمية ومعناها: الحكمة:ج9/ص:273 .ولم أجدها في لسان  العرب. ولا في أساس البلاغة للزمخشري.
([2]) إبراهيم، مصطفى وآخرون؛ المعجم الوسيط: مادة فلسف: ص: 700.
([3]) جرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ معجم المصطلحات التربوية ؛ ص: 281.
([4]) معروف، نايف؛ الإنسان والعقل: ص: 11.
([5]) جون ديوي:  (1859 _ 1952 ) فيلسوف وعالم نفس،  أمريكي،  وباعتباره مؤمنا بالبرغماتية،  سعى لإصلاح الممارسات التربوية بتشجيع التعلم من خلال التدريب الفعلي على حل المشكلات.  دعا إلى حرية التعليم ونظام المشروعات: (عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛: ص: 144).
([6]) إسماعيل، محمد عماد الدين؛ وإبراهيم، نجيب اسكندر؛ ومنصور، رشدي  فام؛ كيف نربي أطفالنا: ص: 223. 
([7])  أنور، أحمد؛ الانفتاح وتغيير القيم في مصر: ص: 15.
([8]) الصدر، محمد باقر؛ فلسفتنا: ص: 59.      
([9]) معروف, نايف؛ الإنسان والعقل: ص: 15.
([10]) المحّيا، مساعد بن عبد الله؛ القيم في المسلسلات التلفازية: ص: 33.
([11]) الطويل، توفيق؛ الفلسفة الخلقية إنشاؤها وتطورها:  ص: 271 وما بعدها.
([12]) إسماعيل، محمد عماد الدين؛ قيمنا الاجتماعية وأثرها في تكوين الشخصية:  ص: 8.
([13]) ميه، هنتر؛ الفلسفة أنواعها ومشكلاتها: ترجمة فؤاد زكريا؛ص:291. 
([14]) ديكارت:  (1596م _ 1650م ) فيلسوف فرنسي وعالم رياضي وفيزيائي،  ترتبط فلسفته بنظريته في الرياضيات وعلم نشأة الكون والفيزياء.  وحدد الغاية القصوى من المعرفة بأنها تحكُّم الإنسان بقوى الطبيعة.  ومن أشهر كتبه.  الشك المنهجي،  مبادئ الفلسفة،  تأملات في ما وراء الطبيعة،  أهواء النفس, (منجد اللغة والأعلام: ص: 254).  واشتهر في الفلسفة بتحليله للفطرة السليمة الخالية من التعقب العقدي. (نقلاً عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ص: 142)
([15])  سبينوزا:  (1632م _ 1677 م ) فيلسوف هولندي يهودي.  توجه نحو المثالية والإيمان واعتبر الله تعالى مرادفا للطبيعة الكاملة.  نبذه أهله والجالية اليهودية في العاصمة الهولندية.  درس مؤلفات الفلاسفة المسلمين.  يرى أن أهواء الإنسان الدينية والسياسية هي السبب في بقائه في حالة العبودية والاسترقاق.  وله:  النظام الأخلاقي _ مقالة في إصلاح الإدراك _ إرادة المعرفة والحرية. (نقلاً عن منجد اللغة والأعلام: ص: 295).
([16])  فلهلم ليبنز:  (1646م _ 1716 م ) فيلسوف ألماني وعالم ومخترع ورياضي. اشتهر بالتفاؤل والأمل.  ولد في مدينة لاينبرغ بألمانيا.  واهتم بالأخلاق والقيم والأفكار المثالية،  حاول مع عالم آخر (بوسويه ) دمج الكنيستين " الكاثوليكية والبرتستانتية "ومن مؤلفاته:  الفلسفة المثالية _ المونادولوجيا.  (نقلاً عن منجد اللغة والأعلام: ص: 502). 
([17]) عمانوئيل كانط:  (1724م _ 1804 م) فيلسوف ألماني مثالي أسس مذهب (الأخلاق الميتافيزيقية) وقد وضع العقل في صلب الوجود وجعله محوره،  تأثر إيجابيا بروسو في عمله الموجز في التربية.  فهو يصر على كبح عواطف الطفل الطبيعية وتعليمه قواعد أخلاقية محددة.  من مؤلفاته:  نقد العقل النظري المحض،  نقد العقل العملي،  ونقد الحكم.  (نقلاً عن منجد اللغة والإعلام: ص: 455، وجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ص: 222)
([18])  نقولا كوبرنيكس:  (1473م _1543 م ) عالم بولوني فلكي جغرافي،  برهن على دوران الكرة الأرضية حول ذاتها ودورانها حول الشمس. (نقلاً عن منجد اللغة والأعلام: ص: 471).
([19])  جاليلو:  ( 1564م-1642م ) عالم إيطالي من علماء الفيزياء والفلك المشهورين. اكتشف حركة دوران الأرض حول الشمس. دانته الكنيسة عام 1633م. ثم عادت وبرأته عام 1992م. ومن مخترعاته: ميزان الحرارة والمنظار الفلكي. (نقلاعن منجد اللغة والأعلام: ص: 392). ومعروف أنَّ الكهنة ورجال الإكليروس قاموا باضطهاده وحرقوا جثته.
([20]) اسحق نيوتن (1642 _ 1727 ) عالم بريطاني برع في الرياضيات والفيزياء والفلك،  كان مقصرا في دراسته المدرسية،  نبغ في الرسوم الميكانيكية في الثانية عشرة من عمره،  عين سنة 1699 رئيسا لمركز الاختراعات، توصَّل لاكتشافات ثلاثة هامة:  اكتشاف قوانين الجاذبية وقوانين الحركة - حساب التكامل والتفاضل في الرياضيات - طريقة تكون الضوء الأبيض من ألوان الطيف المختلفة.  (الموسوعة العربية: ج4/ ص: 659 ) .
([21])  بيومي، محمد أحمد؛ علم اجتماع القيم: ص: 60.
([22]) الطويل، توفيق؛ الفلسفة الخلقية إنشاؤها وتطورها: ص: 454.
([23]) عبد اللطيف، محمد خليفة؛ ارتقاء القيم/عالم المعرفة:  عـ160، ص: 38.
([24]) ديوي، جون؛ تجديد الفلسفة:  ترجمة: أمين قنديل؛ ص: 267. 
([25]) أحمد حسن، السيد الشحات؛ الصراع القيمي لدى الشباب ومواجهته من منظور التربية الإسلامية: ص: 60 وَص: 61. 
([26]) بدوي، السيد محمد؛ نظريات ومذاهب اجتماعية: ص: 213 وما بعدها. 
([27]) بدوي، عبد الرحمن؛ دراسات في الفلسفة الوجودية: ص: 12 وما بعدها.
([28])  كامل، فؤاد؛ فلاسفة وجوديون: ص: 40 وما بعدها. 
([29]) أنور، أحمد؛ الانفتاح وتغيير القِيَم في مصر: ص: 19. 
([30]) قانصوه، صلاح؛ القيمة في الفكر المعاصر: ص: 180. 
([31]) ماكوري، جون؛ الوجودية:  ترجمة إمام عبد الفتاح/عالم المعرفة عـ 58/س 1982/ص: 14 وما بعدها. 
([32]) خرطبيل، سامي؛ الوجود والقيمة:  ص: 116 وَ ص: 126.
([33]) رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب: المساجد ومواضع الصلاة ورقمه(5)،  باب: فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها ورقمه(42). ورقم الحديث: 649،ج1/ ص: 376.
([34]) أثبته ابن حبان، محمد بن أحمد، في صحيحه،باب: ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا الدين على ما ذكرناه .ج3/ص: 303. ورقم الحديث(1027).
([35]) أثبته أبو داود، سليمان بن الأشعث؛ السنن:  كتاب: الجنائز، باب: الدعاء للميت، ورقم الحديث: 3201،ج3/ ص: 211. عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([36]) رواه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة ورقمه(12)،  باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ورقمه(20)، ورقم الحديث: 1017،ج2/ ص: 583.
([37]) جرجس، ميشيل تكلا، وحنا الله، رمزي كامل؛  معجم المصطلحات التربوية: ص285.
([38])  تشارلز ساندرز بيرس:  (1839م _ 1914 م ) فيلسوف أميركي من رواد المنطق الرياضي،  ومن مؤسسي المدرسة البراـماتية  النفعية الذرائعية مع وليام جيمس، وجون ديوي، ومن أهم نظرياته ربط الفكر بالممارسة. له أبحاث في نظرية التطور الداروينية ودور المصادفة في نشأة الكون، والعقل البشري وحقيقة الوجود الإلهي. صدرت أعماله بعد وفاته على يد زملائه في ثمانية مجلدات تحت عنوان مجموعة أوراق تشارلز ساندرز بيرس.  (نقلاً عن الموسوعة العربية العالمية: ج/5 ص: 400 )
([39])  وليام جيمس (1842م _  1910 م ) فيلسوف أميركي أحد مؤسسي مذهب البراـماتية.  يسمى بأب علم النفس التجريبي، أقام معملاً سيكولوجياً يُعتبر الأول في العالم. عرف بمساهمته النظرية الأساسية في علم النفس فيما يخص رمزية الذات.  ومن مؤلفاته:  مبادئ علم النفس وأسسه،  إرادة الاعتقاد والإيمان،  معنى الصدق والحق.  (نقلاً عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ص: 219)
([40]) إسماعيل علي، سعيد؛ فلسفات تربوية معاصرة: عالم المعرفة: عـ198،ص:59.
([41]) هيغل (1770_1831م) فيلسوف مثالي موضوعي له أثر كبير في الفكر السياسي الحديث،  تولى كرسي الأستاذية في جامعة برلين وأصبح الفيلسوف الرسمي للدولة البروسية وهو صاحب النظرية المادية والجدلية.  يرى أن التطور الجدلي هو تطور الفكرة.  بينما ماركس وإنجلز يريان أنه تطور المادة. (نقلاً عن تاريخ الفكر الأوروبي الحديث: ص: 774)
([42]) محمود، زكي نجيب؛ برتراند رسل،  سلسلة نوابغ الفكر الغربي: ص: 32 وما بعدها. 
([43]) إسماعيل علي، سعيد؛ فلسفات تربوية معاصرة، عالم المعرفة: عـ 198، ص: 60.
([44]) جيمس، وليام: البراﭼـماتية أو مذهب الذرائع: ص: 3.
([45]) مر التعريف به سابقاً ص:32.
([46]) أحمد حسن، السيد الشحات؛ الصراع القيمي لدى الشباب ومواجهته من منظور إسلامي: ص: .3
([47]) نجيب محمود، زكي؛ حياة الفكر في العالم الجديد: ص: 148.
([48]) الطويل، توفيق؛ مذهب المنفعة العامة في فلسفة الأخلاق: ص: 271 وما بعدها.
([49]) جفرسون، توماس [1743-1826م]، سياسي أمريكي، وضع إعلان استقلال أمريكا سنة 1776م. ثالث رئيس جمهورية لها [1801-1809م]، أسس جامعة فرجينيا. (عن منجد اللغة والأعلام: ص: 202).
([50]) بهاء الدين، أحمد؛ حضارة المسدس والدولار: مجلة العربي، عـ 261، سنة 1980، ص: 10.
([51]) الصدر، محمد باقر؛ فلسفتنا: ص: 218.
([52]) جيرافتش، جورج؛ علم الاجتماع عند ماركس: ترجمة صلاح مخيبر وعبيدة ميخائيل: ص: 38.
([53]) أحمد حسن، السيد الشحات؛ الصِّراع القيمي لدى الشباب ومواجهته من منظور إسلامي: ص: 62.
([54]) الصدر، محمد باقر؛ فلسفتنا: ص: 221.


No comments:

Post a Comment