Tuesday, January 10, 2012


المبحث الرابع: المفهوم الحديث للمنهج التربوي
     لا بدّ من تطور المنهج التربوي، ذلك أنّ التربية ترتبط بحياة الناس بمفهومها الواسع الذي يشمل الحياة الدنيا والإعداد للحياة الآخرة.
    وكلما توسّعت دائرة العلوم والمعارف، كانت المتطلبات الثقافيّة أوسع حضوراً في شخصيّة الإنسان ، وصارت التربية على المستويين التنظيري والعملي مطالبة باللحاق بالمستجدات العلميّة تلك، والمنهج التربوي أكثر عناصر التربيّة تأثراً بهذه التطورات، فظل مفهوم المنهج وما يتصّل به، في تطور حتى صار يحفل بشموليّة تحاكي شموليّة الحياة، ويُعنى بالخبرات التي يحتاج إليها الإنسان في مختلف مناشط حياته، واستمرَّ مفهوم المنهج يتطور بتطور مفاهيم التربية، حتى برزت التربية الحديثة مع إطلالة القرن العشرين، وصارت المدرسة مَعَها مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى، تُعِدُّ متعلميها للحياة، بما فيها من متطلبات وتعقيدات.
     وإذا استقرينا وتتبّعنا مفهوم المنهج في الأدبيات التربوية، نجد أنّ البداية الفعْليّة للدراسات في هذا المجال ترجع إلى مطلع القرن العشرين، حيث شهد انفجاراتٍ معرفيّةً متتابعةً، وخاصة في ميدان علم النفس، الذي أثرى بدوره البحوث التربوية، وصولاً إلى العام ألف وتسعمائة وخمسين ( 1950م) حيث عقد أول مؤتمر تربوي لنظريّة المنهج وما يتصل به في جامعة( شيكاغو) في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وبُعيد تاريخ عقد هذا المؤتمر، صدر كتاب نظريّة المنهج لـ( بوشامب) والذي كان صدوره خطوة أساسيّة في مسيرة بلورة مفهوم المنهج ونظريته، وغير ذلك من المفاهيم المتصلة به. كما تُعَدُّ - عند كثير من التربويين - ورقتا العمل المقدمتان من التربوي نفسه(بوشامب) للمؤتمر القومي لجمعيّة الإشراف وتطوير المناهج في الولايات المتحدة الأمريكيّة عام (1963م) خطوة رائدة ومتقدمة، خاصّة في مجال بناء نظرية المنهج. وكان هذا موضوع الورقة الأولى، أمّا الثانية فناقش فيها دور الفلسفة في تطوير نظرية المنهج. ([1])
ويمكن أن نقف على العديد من التعريفات للمنهج الحديث، والتي تعبر عن اختلاف وجهات نظر التربويين. وهذا الاختلاف تكمن وراءه أسباب كثيرة منها:
1- تباين المنظومة المعرفية للتربويين الذين يحملون اختصاصات متنوعة.
2- تنوع خبراتهم المكتسبة من ممارساتهم اليومية الخاصة أو من وظائفهم العامة.
3- التسارع غير الملحوق في الكشوف العلميّة في شتّى الميادين، والتراكم المعرفي الهائل في العلوم الإنسانيّة.
4- التوسع في مطالب الحياة الاجتماعية، بما فيها من تغيرات تؤثر فيها تلك الكشوف العلميّة، وما يتبعها من اختراعات.
5- اختلاف نظريات المنهج والتي تُعنى بتصميم المنهج، فالنظرية المنهجيّة بما هي طريقة لتنظيم التفكير في القضايا كلّها التي تخص المنهج من مثل: مكونات المنهج وعناصره، وكيفيّة اختيارها، وتحديد مصادر الأدبيات التربوية والقراءات المنهجية، وكذلك الخطوات العملية لتحويل خلاصة هذه القراءات، والتي تشكل معاييرَ وأساسياتٍ نابعةً من الرؤية التربوية الكلية، إلى قرارات منهجية محسوسة، يمكن اعتمادها منهجاً.([2])


المبحث الخامس: تعريفات المنهج  وفقاً للمفهوم التربوي الحديث
    استناداً إلى ما تقدم كلِّه ، تعدّدت تعريفات المنهج، وصار كل فريق ينظر إليه من زاوية، وسنثبت أشهر هذه التعريفات متوقفين عندما تدعو الحاجة لنقاش مضامينها في ضوء الفكر الإسلامي.

      1- المنهج المدرسي بمعناه الشامل هو كل نشاط هادف تقدمه المدرسة وتنظِّمه وتشرف عليه وتكون مسؤولة عنه، سواء تمّ داخل المدرسة أو خارجها([3]).وقد شاع هذا التعريف من بداية ثلاثينيات القرن الماضي حتى بداية الستينيات.
    2- وفي أواسط العقد السادس من القرن الماضي بدأ تعريف آخر يحتل مكانه، فصار المنهج عند الكثيرين من التربويين يُعرَّف بأنّه " الخبرات التعلُّمية التي تمّ التخطيط لها مسبقاً " ([4])
    ج- وبعد هذه الفترة، كان لا بدّ من توظيف معطيات علم النفس في بناء المناهج، وبالتالي ألقت الكشوف العلميّة في مجال التفكير بظلالها على المهتميّن بعلم المناهج المدرسيّة، فاعتبروا أنّ المنهج المدرسيّ: " هو أنماطٌ من التفكير " . ثم توجهت عناية التربية إلى الحياة العمليّة وتمكين المتعلّم من المهارات التي يواجهها في مختلف الوظائف العامّة، فتبنّى العديد من التربويين وجهة النظر التي ترى أنّ المنهاج هو " الكفايات الوظيفيّة " أو " المهارات العمليّة " أو " الأهداف السلوكيّة " أو " أنّه الغايات النهائيّة ". ([5])
وبعد دراسة هذه التعريفات دراسة وافية، صار بإمكاننا نقدها في ضوء:
1- دلالات الجذر( ن _ هـ _ ج) المعجمية ومستلزماته. من مثل: الوضوح _ الهدف  المنطلق _  الصحبة ... إلخ وكذلك مفهوم مصطلحات مثل : الخبرات _ النشاطات ... إلخ .
2-    الفهم الإسلامي للتربية والذي طرحناه في الفصل الثالث: التربية هي إعداد الإنسان لسعادة الدارين.
3-    واقع العمليّة التعليميّة التعلّمية في التجارب العمليّة المتنوعة في مختلف أنحاء العالم.
 فهذه التعريفات جميعاً، جانبت الوضوح. والوضوح في الفكرة، والهدف، ودلالات المعاني مطلب إنسانيٌّ عامٌّ، وهو في الإسلام، أشدّ إلحاحاً. فلا بدّ من الوضوح في الدعوة﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف:12/108 ] والعلم والحكمة ﴿هوالَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾[ الجمعة 62/2 ]. فتعلّم الكتاب والحكمة نقيض الضلال. ويقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام(قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).([6]) ولم تعِر هذه التعريفات اهتماماً للأهداف، باستثناء التعريف الذي اعتبر أنَّ المنهج هو الغايات النهائيّة. ولم تشر هذه التعريفات إلى المنطلقات، التي لا يمكن لعمليّة تربويّة ناجحة أن تستغني عنها، ووضوح الهدف، فضلاً عن وجوده يُحدث في النفس نشاطاً مصحوباً بالطمأنينة التي تجعل السير إليه حثيثاً. ويفعِّل قدرات الدماغ ليرسم الخطط المؤدية إليه. فالذي لا هدف له، أو الذي يكون هدفه مشوشاً غير واضح، فكأنّه أعمى﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: 11/24] ومثلها أمر المنطلقات، فشأنها عظيم، وهي بمثابة المدرج للطائرة النفاثة.
      كذلك فصلت هذه التعريفات المنهج عن أهمّ ما تحتاج إليه التربية، ألا وهو التصوّر الذي تحمله عن الكون والإنسان. فالمنهج بما يُمثل من مرجعية للمؤسسة التربوية بمقرراتها الدراسيّة، وبمعلِّمها ومتعلِّمها، وَمن حيث المحتوى والطرائق، والأساليب التي تُعتمد بناءً على معرفة تكوينهما وحاجتهما وميولهما وقدراتهما... إضافة إلى الوقوف على الخصائص النمائيَّة لكل مرحلة من مراحل نمو المتعلّم . هذه المناهج لا بدّ أن تنطلق من هذا التصوّر، حاملة هذه المعارف، وموظفة لها في إعداد المقررات وتحديد الطرق، واختيار المناسب من الأساليب، وصولاً إلى اعتماد آليّات للتقويم تحفظ كرامة المتعلّم دائماً مهما جاءت النتائج. فقاعدة(عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان) نراها متوجهة للامتحان الرباني النهائيّ. وليس لإنسان أن يهين الآخر.
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ ﴿كِرَاماً كَاتِبِينَ ﴾﴿يعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [ الانفطار :82/10-11-12 ] ﴿إنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [ الغاشية : 88 / 25-26 ] .
   إن استخدام مصطلحات غير محددة الدلالة من مثل : الخبرات التعلُّميّة _ والنشاطات المدرسية، وتقاطعها مع مفاهيم كثيرة تعيش بين جنبات  الإنسان في حالات نموّه وتعلمه، يجعل التعريفات هذه عرضة للضبابيّة وعدم الوضوح. فهذه التعريفات لا تقدم أية مؤشرات أو أدلة، لأنواع الخبرات التي ينبغي توفيرها من جانب المدرسة، وتلك التي يمكن أن يحصِّلَها المتعلِّمون من مجتمعهم الواسع، بما فيه من مؤسسات. وبناءً على هذه التعريفات، يصبح المنهج فاقداً المعرفة المنظمة([7]). وكذلك لا تستطيع هذه التعريفات أن ترسم حدّاً واضحاً بين الخبرات المرغوب أو غير المرغوب فيها، من قبل كلٍّ من المعلّم والمتعلّم، وما ينتج عن ذلك من تضارب وإرباك . وإلى ما تقدّم كلِّه نرى أنّ هذه التعريفات تُلبس مفهومي الخبرات والنشاطات لبوس الأهداف. ويتجلى هذا اللبس في المفاهيم والخلط في المصطلحات  في بعض المباحث التربوية فتجد مثلاً في كتاب مناهج التربيّة للمربّي ( غي بالماد ) وتحت عنوان عامٍّ أسماه " مناهج التربيّة " قدّم العناوين الفرعيّة الآتية: ( نهوج التعليم ) وتكلم فيه عن النهج الفردي والنهج المشترك. و( مناهج التعليم ) وتناول تحت هذا العنوان، الطريقتين الإلقائية، والاستجوابيّة. وتحت عنوان ( المناهج المتفائلة) قدّم تجارب بعض التربويين. ([8])
     ويمكن توجيه نقد لتعريفات المنهج وفق المفهوم الحديث من خلال اختلاف واقع العمليّة التعلُّيمة، حيث تتعدد المناهج بتعدد الفلسفات، المثاليّة والواقعيّة والفاشيّة والاشتراكيّة والشيوعيّة والبراغماتية...الخ . وكل منهاج ينتج عناصر تشكل وحدات اجتماعية مختلفة عمّا ينتجه المنهاج الآخر. حتى داخل المدرسة الفلسفيّة الواحدة، تجد مناهج تعتمد تجارب أو رؤى مختلفة. مما يجعل المنهج مطاطيّاً فضفاضاً([9]) .
ونظراً لارتباط الكثير من الفلسفات بنظام ساسي، فإنّ المناهج بمفاهيمها ومضامينها وطرائقها،تصبح خاضعة لرؤية ذلك النظام ومصلحته،ليحاول" إنتاج " بشر يضمن بتشكيل عقليتهم ونفسيتهم، وبالتالي ببناء شخصيتهم بصورة محددة، يضمن بهذا كلِّه استمراره، حيث يفتقد المنهج خاصة والتربية عامة لمرجع تصلح المحاكمة والتقويم على أساسه.

المبحث السادس: مفهوم المنهج في ضوء الفكر الإسلامي.
     لم يكن مصطلح المنهج في الفكر الإسلامي يعني ما يعنيه اليوم، وأكثر ما كان يستدعيه من دلالات هي السنة والطريقة أو الأسلوب فيقال : منهج النحاة في الاستدلال أي طريقتهم المشتملة على قواعد وأسس استدلالية محددة. من مثل : الدراسة الوصفية، والنظرة المعيارية، والسماع، والقياس ([10]). أو يقال : المنهاج الرباني ويقصد به : مصدر العقيدة والتوحيد، ومصدر الفكر والتصورات، وأساليب الدعوة وطرائق الدعاة، وعمليّة التخطيط لبناء الشخصية وتكوينها... الخ وهما القرآن والسنّة  ([11]).
   وقد سعى عدد من الباحثين التربويين المسلمين للوصول إلى تعريف المنهج المدرسيّ ليعبّر عن رؤيتهم التربويّة، وهذه أهمّ التعريفات التي نرى أنّها تستوعب أكثر مفاهيم المنهج التي أخذت تبرز في الربع الأخير من القرن الماضي.
     أ- عرّف محمد عزت عبد الموجود المنهج في نهاية السبعينيات بأنّه: "مجموعة الخبرات والأنشطة التي تقدمها المدرسة تحت إشرافها للتلاميذ بقصد احتكاكهم وتفاعلهم معها. ومن نتائج هذا الاحتكاك والتفاعل، يحدث تطوير أو تعديل في سلوكهم، يؤدي إلى تحقيق نموهم الشامل المتكامل"([12]).
    ب-  وجاء في تعريف معالم الوثيقة الوطنيّة للمناهج في دولة الكويت، المعدّة في مطلع التسعينيات أن المنهج: ( هو الوعاء والبوتقة التي تتجسد وتنصهر فيها المعارف ، والمهارات التي تهدف إليها التربية لبناء الإنسان. وتنشئة أفراد يمتلكون القدرات العقليّة، والكفايات الحياتيّة، والسلوكيّات الروحيّة والقيميّة التي تمكنّهم من التفاعل الذكي المنتج مع معطيات العصر، ومتغيرات المستقبل ). ([13])
  ج-  وعرّفه يعقوب حسين نشوان في كتابه المنشور عام 1992 بأنّه ( جميع الخبرات التعليميّة المخططة التي تُنظَّم داخل المدرسة وخارجها لإحداث تغيرات مرغوبة في سلوك المتعلّم ([14]).
  د-  وورد في كتاب المنهج التربوي في القرن الحادي والعشرين تعريف للمنهج: على أنّه: ( مخطط تربوي يتضمن عناصر مكونة من أهداف ومحتوى وخبرات تعلميّة وتدريس وتقويم، مشتقة من أسس فلسفيّة واجتماعيّة ونفسية ومعرفيّة، مرتبطة بالمتعلّم ومجتمعه. ومطبقة في مواقف تعليميّة داخل المدرسة وخارجها وإشراف منها، بقصد الإسهام في تحقيق النمو المتكامل لشخصيّة المتعلّم بجوانبها العقليّة والوجدانيّة والجسميّة، وتقويم مدى تحقق ذلك كلّه لدى المتعلّم).([15])
    إن دراسة هذه التعريفات الأربعة التي اخترناها لتعبر عن رؤية باحثين مسلمين للمنهج، ونقدها بناءً على المعايير والمحكات المرجعيّة التي اعتمدناها في نقد التعريفات التي عبرت عن المفهوم الحديث للمنهج، توصل إلى حدٍ كبير للنتائج والملاحظات نفسها والتي أبديناها على تلك التعريفات.
بل إنّ من هذه الأربعة ما جاء أكثر غموضاً. وذلك لاستخدام العديد من العبارات والمفردات من مثل : بوتقة – وعاء – تنصهر فيها المعارف – احتكاكهم.
    والملاحظ أيضاً أنّ سمة الطول، بل الاستطالة تظهر للقارىء في الشكل والمضمون.
    وهناك من الباحثين([16]) من أعرض عن تعريف المنهج، رغم أنه يرى أنّ التعريفات الشائعة ناقصة وغير مناسبة. لكنّه في الوقت نفسه قدّم تصوراً وقال : إذا ما أخذ به يمكن وضع تعريف مناسب. ونلخص هذا التصور بالخطوات الآتية:
أ‌-     تعريفات أجزاء المنهج ومكوناته: الشكل العام _ الأهداف _ المحتوى...الخ.
ب- يتدارس التربويون من مختلف التخصصات ويتفقون على الخطوط العريضة     
     للموضوع.
ج- وجوب مشاركة رجال الصناعة والتجارة والزراعة وغيرهم من مختلف قطاعات الإنتاج في نقاش ما يتوصل إليه التربويون من تعريفات.

    ويرى باحث آخر، أنّ الوصول إلى تعريف جامع مانع واحد للمنهج غير ممكن، وربما كان غير مستحب. مستنداً في ذلك إلى اختلاف التعريفات في ميدان العلوم الطبيعية. فالضوء يُعرَّف علميّاً، تارة بأنّه سيل من الجسيمات وتارة اخرى يُعَّرف بأنّه موجات. والعلماء في هذا المجال يرون أنّ كلا التعريفين مفيدان. ([17])
    إذاً نرى بعض الباحثين ينأَون بأبحاثهم التربوية، بعيداً عن محاولة تعريف المنهج المدرسي في ضوء الفكر الإسلامي، وقد اكتفى بعضهم _ وقد يكونون مصيبين _ بذكر الصفات الأساسية والبارزة التي يجب أن تكون حاضرة ومشمولة في المنهج التربوي الإسلامي. وأعدوا تلك الصفات في قائمة طويلة تزيد على سبعة عشر بنداً([18]). ومع ذلك لا يسعني _ وانسجاماً مع  ما انتهجته في مبحثي القيمة والتربية  إلا أن أحاول ، ولعلي أقارب أو أصيب  .
   وقبل بسط التعريف، يجب أن نصف المنهج وصفاً تحليليّاً، ونحدّد ما يلزم في بنائه وما يتعلق به ولا يستغني عنه... الخ . وعلى ذلك لا بد أن نقدم بين يدي التعريف ما نراه ضرورياً فيه :
أ‌-     الجهة التي تُعِدُّ المنهاج .
ب- المنطلقات التي صيغ على أساسها .
ج- الأهداف التي صيغ من أجلها .
د- العمليّة التعليميّة التعلّمية وموقع كل عنصر من عناصرها فيه : المدرسة ،   
    المعلم ، المتعلّم ، الكتاب ...الخ .                                                    
هـ- علاقة المنهج المدرسي بالتربية ومفاهيمها الأساسيّة .
و- دور التقويم والحاجة إليه .
      والآن أصبح  بإمكاننا أن نبسط تعريفنا فنقول :
 إن المنهج المدرسي هو الخطّة الأساسيّة المكتوبة، والتي تضعها هيئة رسميّة منطلقةً فيها من رؤية الأمة الإسلامية، للكون والإنسان ومجتمعه، مستهدفة سعادته في الدارين، عبر مضامين محددة، ومتوسلة لذلك ما يناسب من وسائل ونشاطات، داخل المدرسة وخارجها، لتحقيق توازن نموه، واضعةً معاييرَ ومحكاتٍ تقويميةً، يُعتمد عليها في تقويم العمليّة التعليميّة التعلميّة بعناصرها كلِّها: المتعلِّم ، المعلِّم والمضمون والوسائل، مما يضمن إثراء المنهج وتطويره .
   ونزعم أن هذا التعريف اشتمل على جميع عناصر المنهج، وأشار إلى أهمية المنطلقات التي تشكِّل رؤية الأمة، وإلى الهدف من العمليّة التعليميّة التعلميّة خاصة، والتربية عامة، كما أشرنا فيه إلى ضرورة التقويم، والهدف منه ودوره في تطوير المنهج وإثرائه. وهذا ما أملاه علينا المنهج الوصفي التحليلي الذي اعتمدناه، حيث نظرنا إلى المنهج وفصلّناه، وحللناه إلى عناصره الأساسيّة، ثم نظرنا إليه متجسداً في العمليّة التعليميَّة التعلُّميّة، ولاحظنا ضرورة ارتباطه بمنطلقات التربية وأهدافها والتي هي في الأساس منطلقات الأمّة الإسلاميّة وأهدافها .


(1) بوشامب، جورج؛ نظرية المنهج، ترجمة محمد سليمان وآخرون. من مقدمة الكتاب.والشمَّري، زينب: والدليمي، عصام: فلسفة المنهج المدرسي : ص: 34 . 
(1) نشوان، يعقوب حسين؛ المنهج التربوي من منظور إسلامي: ص: 77 . 
(2) الشافعي، إبراهيم محمد؛ والكثيري، راشد حمد؛ المنهج المدرسي من منظور جديد: ص:27 
(3) سعادة، جودت أحمد؛ وإِبراهيم، عبد الله محمد؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين :ص: 45.                                   
(1) راجع، عاقل، فاخر؛ علم النفس التربوي: ص: 152 وما بعدها. وحمدان، محمد  زياد؛ المنهج المعاصر، عناصره ومصادره وعمليات بنائه : ص:22 وما بعدها.
(2) أخرجه، الامام، ابن حنبل، احمد؛ في مسنده، ورقمه( 17182) ج4/ص:126.
(1) سعادة؛ جودت أحمد ؛ وإبراهيم؛ عبد الله محمد ؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين: ص: 45 وما بعدها.                                    
(2) بالماد، غي؛ مناهج التربية، ترجمة: جوزف، عبود كبّة: ص: 51 وما بعدها .
(3) راجع ؛ قورة، حسين سليمان؛ الأصول التربوية في بناء المناهج: ص: 170 وما بعدها.
(1) الحلواني، محمد خير؛ المفصّل في تاريخ النحو العربي: ج1/ص:214.
(2) النحوي، عدنان علي رضا؛ دور المنهاج الربّاني في الدعوة الإسلاميّة: ص:12.
(3) عبد الموجود، محمد عزت؛ وآخرون، أساسيات المنهج وتنظيماته: ص: 11.
(4) معالم الوثيقة الوطنيّة للمنهاج في دولة الكويت. عن الشبكة الإلكترونيّة .
(5) نشوان ، يعقوب حسين؛ المنهج التربوي من منظور إسلاميّ : ص: 22
(1)  سعادة، جودت أحمد؛ وإِبراهيم، عبد الله محمد؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي  والعشرين : ص : 75.                                                                                                           
(2) إبراهيم، مجدي عزيز؛ قضايا في المنهج التربوي.ص:94 وص:95 .
(3) السيد ، يسري مصطفى؛ مفهوم المنهج وعناصره.عن الشبكة الالكترونيّة .
(1) راجع في هذا المجال، الأفندي محمد حامد، مبحث: نحو مناهج إسلامية: من كتاب المنهج وإعداد المعلم، سلسلة التعليم الإسلامي: ص: 44 وما بعدها.                                      

No comments:

Post a Comment