Tuesday, January 10, 2012




Description: 080 



بعد عرضنا لمفهوم المنهج قديماً وحديثاً، ولأساس المنهج ودعائمه، وبعد أن تناولنا عناصره بشيء من التفصيل، سنعرض الآن أنواع المناهج. وسنكتفي بذكر أهمّ ما يميز كل نوع، ذلك أنّه في معرض كلامنا عن المدارس التربوية، في الفصل الثالث توسعنا في الكلام عن الفلسفات والرؤى والأهداف التي تتعلّق بها تلك المدارس. وهذه هي أهمّ الأمور التي تكمن وراء تعدد أنواع المناهج، فلا داعي لإعادتها في هذا المبحث.
المبحث الأول: أسباب تعدّد أنواع المناهج :
إضافة إلى أثر اختلاف الفلسفات التربوية، بمنطلقاتها وأهدافها، وما يلحق ذلك من اختلاف في الطرائق والأساليب، فإنّ هناك أموراً أخرى لها نصيب في تعدّد أنواع المناهج، من مثل: النظرة التربوية إلى مركز الاهتمام التربوي، أهو العلوم والمعارف التي تسعى المناهج ليحصّلها المتعلّم؟ أم هو المتعلّم نفسه بحاجاته وفق مراحل نموه؟ أم هو المجتمع بما يحمل من تغيرات وعلاقات؟؟ وإضافة إلى هذا وذاك، فهناك تجارب التربويين، وطبيعة البيئة وخصائصها. فهذا كلّه جعلنا نقف على أنواع من المناهج، سنذكر أهمّها، ومنها :
المبحث الثاني: أنواع المناهج:
1- المنهج المتمركز حول المواد الدراسية : وهو من أقدم المناهج المعروفة، وأساسه المعارف المتصلة بالمواد الدراسية التي تقدَّم للمتعلمين، بهدف المحافظة على التراث الإنساني، ونقل المعرفة من جيل إلى جيل. ويوجه عنايتهم لحفظ الحقائق واسترجاعها عند الحاجة إليها. وهذا يفضي إلى تنظيم هذا المنهج وفق خصائص المادة، ولا يأخذ بالحسبان خصائص المتعلّم وميوله واهتماماته، ولا يعير علاقة المتعلّم بالحياة الاجتماعية عامّة ولا بحاجة السوق خاصة الاهتمام اللازم. وهذه أهمّ سماته([1]):
أ- الترابط الأفقي بين أجزاء المادة الواحدة. فالمفاهيم والحقائق                                                       والنظريات... إلخ يجب أن تكون منظَّمة ومترابطة، والعلاقات فيما بينها واضحة.
ب- الترابط العمودي أو الرأسي، حيث توزع موضوعات كل مادة على السنوات الدراسية المتتابعة، بشكل يُبقي خصائص المادة عبر موضوعاتها حاضرةً في كل سنة دراسية، ويحول دون انفصالها. وهذا الترابط لا بدّ أن يأخذ بعين الاعتبار التسلسل المنطقي، وتقديم المحسوس على المجرد والمعلوم على المجهول.
ج- لا بدّ من اشتمال كل مادة على طرائق التفكير المختلفة، وتتنوّع النشاطات المصاحبة لها.
د- الكتاب المدرسي والمدرس هما المصدران الأساسيان للمعرفة. لذا تجب العناية بالكتاب من حيث الدقّة، وصحة المفاهيم وسلامة اللغة. وبالمدرس استيعاباً له وللمفاهيم والحقائق التي يشتمل الكتاب عليها، وتدريباً ليلم بالطرائق والأساليب التربوية.
     ورغم قدم هذا النوع من تنظيم المنهج، فإنّه ورغم كل ما يوجَّه إليه من انتقادات، ما زال يحتل مساحة واسعة في النظم التربوية، وفي واقع العمليّة التعليميّة التعلّمية. وهذا المنهج، في الواقع، ما زال معتمَداً في لبنان. وحتى في إطار المادة الواحدة، كالعلوم، بدءاً من الصف السابع، فإنّنا نرى كتاباً للفيزياء وآخر للكيمياء وثالثاً للأحياء، وكاللغة العربية، فهناك كتاب للقراءة والتحليل، وآخر للقواعد نحواً وصرفاً وللإملاء. مع ملاحظة التوجه إلى مفهوم الوحدة والتكامل في مادة اللغة العربية، حيث تتم معالجة الفروع كافة، من خلال النص الواحد.
       وإنّ أخطر ما يعاني منه هذا النوع من المناهج، هو اعتماده نظاماً تقويمياً يتخذ العلامات والمعدل العام المطلوب منها للنجاح والانتقال من صف إلى صف. فلو أنّ تلميذاً حلّق في اللغة العربية أو في الرياضيات مثلا، ولكن معدّله العام ظل دون المستوى المطلوب، بسبب انخفاض علاماته في المواد الأخرى فإنّه يعيد صفّه بما فيه المواد التي حلّق فيها. ولنا أن نسأل في مثل هذه الحالة، والمنهج المعتمد هو منهج المواد المنفصلة، لماذا لا تعتمد المواد العمودية، فقد يتفوق تلميذ في الرياضيات ويستطيع استيعاب المنهج المخصص لسنتين أو أكثر في سنة واحدة؟ ولماذا يُحمَّل المتعلِّم في مادة ما، وقد نجح فيها، وزر مادة أخرى رسب فيها؟؟
2 _المنهج المعتمد على الكفايات: نتوقف قبل عرض هذا المنهج، عند مشكلة عانى منها المعلّمون والمتعلمون على حدٍ سواء، في لبنان، مع ظهور المناهج الجديدة، ألا وهي مشكلة تحديد مفهوم الكفاية، والخلط بينها وبين الكفاءة. ولو كلَّف المعنيون أنفسهم عناءً قليلاً من البحث في معاجمنا العربية، لكفَوا هؤلاء وغيرَهم من المهتمين، التخبط ونتائجه المضرة. لكنهم كالعادة أخذوا الدلالة بما تحمل من التباس من اللغات الأوروبية (الفرنسية والإنكليزية) وأرادوا أن يُلبسوها لباساً عربياً. وليس من مجال هنا لعرض هذه القضية ونقاشها. ولكني أحيل المتابع إلى لسان العرب ([2])وإلى كتاب كفايات التدريس فقد حاولت المؤلفة توضيح مفهوم كل من الكفاءة والكفاية بالعودة إلى المعاجم والقرآن الكريم والحديث النبوي، وأراها قد وُفِّقت وكفتنا العناء. فالكفاية عندها: " هي القدرة على تحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج المرغوبة، بأقلّ التكاليف من جهدٍ ومالٍ ووقتٍ. كما تعني النسبة بين المخرجات إلى المدخلات، وبذلك فهي تقيس الجانب الكمّي والكيفي معاً في مجال التعليم"([3]) .وقد اعتمد هذا المنهج، من اعتمده لأنّه يضمن تحقيق الأهداف، لوضوح صياغتها، ويتوجّه التقويم فيه إلى الأداء ، ولأنّ ارتباط الأهداف بالتقويم جاء فيه وثيقاً. فالأهداف واضحة للمعلّم والمتعلّم. وذلك يحسِّن من العملية التعليميّة التعلّميّة كماً وكيفاً. وقد استُخدم هذا المنهج بأسماء منها : منهج الكفايات الوظيفيّة، ومنهج الأهداف السّلوكيَّة، أو منهج المهارات العملية. ([4])  
      فالذين ركّزوا على الكفايات الوظيفيّة توجّهوا بالعناية إلى المدرّسين، ورفع كفاياتهم الوظيفيّة، وتحسين أدائهم التربوي عامة والصّفي خاصة. وهذا ما حصل في لبنان، فلقد أعدّ المركز التربويّ عشرات الدّورات التدريبيّة. وقد شاركت في العديد منها. وكان يشوبها غموض واضطراب في الأهداف والمصطلحات والمفاهيم .
     واتجه الذين ركّزوا على المهارات العمليَّة إلى المتعلّمين لتزويدهم بما يلزم منها، من مثل : الدّقة في الملاحظة، والقدرة على الاستقراء، والتصنيف، وربط النتائج بالأسباب، والتجريب ومحاولة الإعادة والتكرار والتأكّد من الثبات والتعميم .... إلخ.
     ثمّ يسعى المتعلّمون وبإرشاد المدرّسين وتوجيههم، لنقل أثر التّعلّم وتوظيفه في حياتهم الخاصّة في مختلف الاتجاهات والمستويات العملية والفكرية والآدائيّة والقيمية .
    أما الذين أعلَوا شأن الأهداف السّلوكيّة، فقد اهتمّوا اهتماماً خاصاً، بتحديد المهارات التفكيريّة والبحثيّة، وتفعيل الأداء الحركي، وذلك باستخدام عبارات تصف الأهداف وصفاً سلوكيّاً دقيقاً، بحيث يمكن معها الوقوف على التغيير المطلوب إحداثه في سلوك المتعلّم، تجنباً للعوميّة والغموض. ويساعد على ذلك تحديد الظروف وشروط التنفيذ، والوقت اللازم، واعتماد محكّات معيارية واضحة، ممّا يُكسب المتعلّمين قدراتٍ سلوكيّة إجرائيّة محسوسة يمكن قياسها، من قبل المعلّم المقوّم، بالمتابعة المستمرّة التي تُعنى بالتعرف على السّلوك وتحليله باستمرار، للوقوف على مدى تحقّق المهارات والقدرات في الأداء المطلوب من المتعلّم تنفيذه.([5])
     ويمكننا أن نقول : إنّ هذا النّوع من المناهج يتوجّه بشكل أساسي إلى عنصرين من عناصر المنهج بشكل قاصد، هما: الأهداف والتقويم. كما يتوجّه بشكل عَرضي إلى العنصرين الآخرين: المضامين، والطرائق والأساليب. فقد اهتمّ بتحديد الهدف وتجزئته إلى وحدات تشكّل في النهاية كفاية أدائيّة، ثمّ اهتم بتقويم المتعلّم بالإستناد إلى هذه الأهداف، متّخذاً معايير تطبيقيّةً لوصف أدائه. وهذا ينتج عنه إقبال على التعلّم وتحسين العمليّة التعليميّة التعلميّة كماً وكيفاً، كما يشجّع على التعلّم الذاتي والمراقبة الذاتيّة. إلاّ أنّ تطبيقه في المنهجية الجديدة، في لبنان، شابه الكثير من الإضطرابات. ويكفي أن نشير إلى ضرورة أن تصاغ الأهداف وتحدّد آليات التقويم معاً في وقت واحد. لكن واقع الأمر في لبنان، أنّ التقويم بمفهومه وآلياته جاء متأخّراً، فبعد تحديد الأهداف، ووضع المضامين وصدور الكتب المدرسيّة، فَطِنَ المسؤولون إلى التقويم وأسسه وآلياته. فأصدروا لذلك المذكرات([6]) وأقاموا ورش التدريب. فكانوا بذلك كمن يُخيط ثوباً ثمّ يذهب باحثاً عن جسم يناسب هذا الثوب.
3- المناهج المحوريّة : وهي المناهج التي تعتمد على نقطة ارتكاز معيّنة ترتبط بها جميع عناصر المنهج. وتشكّل هذه النّقطة المحور الذي تدور حوله الأهداف والمضامين والطرائق والتقويم. وتكون المهارات والخبرات التربويّة فيها منطلقة من نواة أساسية، تدور حولها العملية التعليميّة. وقد اتّخذت هذه المناهج أشكالاً منها :
أ_ المنهج الذي محوره المتعلّم : وينطلق هذا النوع من سؤال المتعلّم ماذا يريد؟ وما ميوله ؟ وما استعداداته ؟ وما خصائص نموه الجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعيّة، في كلّ مرحلة؟. واستجابة لهذا الاتجاه فقد عمدت بعض المدارس التربويّة الحديثة في أرجاء مختلفة من العالم وخاصّة في أمريكا وأوروبا، إلى عدم وضع منهج مسبق، بل لجأوا إلى انتظار التلامذة في كلّ عام دراسي، ثمّ يسألونهم عن ميولهم واهتماماتهم ورغباتهم، وبعد أن يتعرّفوا على قدراتهم ينظّمون لهم منهجاً يلبّي تلك الميول والاهتمامات، ويستجيب لتلك القدرات. لكن هذا أحدث اضطراباً وفوضى وتفاوتاً كبيراً في المستويات([7]) . وقد اعتاد الكثيرون من الباحثين التربويّين أن يقفوا عند حدود التجارب الحديثة في هذا المجال فيعرضون لها في امريكا وأوروبا. ولكن من يعد إلى التراث التربوي الإسلامي يجد أنّ هذه المفاهيم التربويّة التي تدور حول مطالب المتعلّم _ حاضرة بقوّة وموضوعيّة في أدبياتنا التربويّة.
     هذه الأدبيات التي انطلق فيها أصحابها من فهمهم لقوله تعالى  ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ سورة البقرة: 2/286 ].
ولقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها: ( أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نُنْزل النّاس منازلهم )([8]) وقوله عن سيدنا علي رضي الله عنه:(اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له...)([9]). فقد جاء في كتاب أدب الدّنيا والدين للإمام الماوردي([10]) : وينبغي أن يكون للعالم فراسة يتوسم بها المتعلّم. ليعرف مبلغ طاقته. وقدر استحقاقه، ليعطيه ما يتحمّله بذكائه أو يخفّف عنه ببلادته، فإنّه أروح للعالم وأنجح للمتعلّم... وإن لم يتوسمهم، وخفيت عليه أحوالهم، ومبلغ استحاقهم كانوا وإيّاه في عناء مكدٍّ، وتعب غير مجد، لأنّه لا يعدم أن يكون فيهم الذكيّ المحتاج إلى الزيادة، والبليد الذي يكتفي بالقليل، فيضجر الذكي منه، ويعجز البليد عنه([11]). فهذا النصّ يستوعب المبادىء الأساسيّة للمنهج الذي محوره المتعلّم. فإذا جمعنا إليه قول الإمام الغزالي:([12])وينبغي أن يؤذن للصبي أن يلعب لعباً جميلاً، يستريح إليه من تعب الكُتَّاب. فإن منع وأرهق بالتّعلّم وقتاً طويلاً مات قلبه، وبطل ذكاؤه، ونُغِّص عليه عيشه،فطلب الحيلة في التّخلّص من الدرس وتوابعه([13]) وفي هذا النصّ نقف على حاجة المتعلّم للَّعب، وعلى ضرورة ألاّ يُرهقَ بالمطالب العلميّة حفاظاً على ذكائه.
 وفي هذا المجال، يوصي أعلام التربية المسلمون، بأن يُعتمد واقع حال المتعلّم وما هو مستعدّ له من الأعمال، ومهيّأ له، فإذا رآه حسنَ الفهم، قويَّ الإدراك، جيّدَ الحفظ، مستوعباً للأصول والفروع، كان ذلك من علامات قَبوله وتقدّمه، فينقش معلّموه في لوح قلبه ما دام خالياً، فعند ذلك يتمكّن من المفاهيم، وتستقرّ في ذهنه، وتذكو مع الأيام. وإن رأى أنّه مستعد للفروسية أو غيرها من الأعمال وجّههه إليها([14])
 وجدير بالذّكر أن اهتمامات المتعلّم وميوله ترتبط بثقافة بيئته الاجتماعية، وبمطالب الحياة كما يراها هذا المجتمع. ومن المبالغ فيه أنّ تعدّ المناهج بناءً على حاجات كلّ متعلّم وميوله، لكن السّليم أن يُعدّ أهل الاختصاص، وبناءً على دراسات وبحوث متنوّعة، قوائم تشمل الحاجات العامّة والميول المشتركة. كذلك يُعدّون قوائم موازية لبعض الميول والاحتياجات والتّوجهات الخاصّة. ويصبح المعول عليه، هو وعي المعلّم بالمتعلّمين وحالاتهم واختيار المناسب لهم من نشاطات هذا المنهج، آخذاً بعين الاعتبار ما يأتي :
1- ضرورة اكتشاف اهتمامات المتعلّمين عامّة.
2- بذل الجهد في توجيههم ليختار كلّ منهم ما يناسبه من هذه الاهتمامات.
3- حمل النّفس على مساعدة المتعلّمين وتعويدهم اختيار النشاطات  المناسبة لهم والتخطيط لها وتعلّمها.
4- اعتماد معايير ومحكّات تقويميّة يُزوّدُ المعلّم بها متعلّميه ليقوموا   بتقويم أدائهم ذاتياً. حيث يقارن كلٌّ منهم أداءه الحالي بأدائه السّابق،  من جهة. ويقارن أداءَه بأداء زملائه من جهة أخرى. ويُصدر حكماً على النتيجة  النهائيّة بناء على تلك المحكّات والمعايير.
ب_ المنهج الذي محوره النشاطات والخبرات: وفي الحقيقة يُعدّ هذا المنهج الوجه العملي للمنهج الذي محوره المتعلّم. فالنشاطات التي يختارها المربّون تُبنى أساساً على معرفتهم لواقع المتعلّمين، من حيث مراحلُ نموّهم وميولُهم واهتماماتُهم في كلٍّ منها. فيقدّمون له نشاطات منظّمة تتمحور حول جانب من جوانب الحياة: كالجانب الاجتماعي، أو الاقتصادي بكلّ أبعاده الزراعية والصناعيّة أو التّجاريّة. والمتعلّم يختار منها ما يناسبه، أو ينسجم معه، أو يشعر أنّه بحاجة إليه، ويكون لكلّ جانب من هذه الجوانب برنامج نشاطات خاص، متتابع وَيكمّل بعض هذه النشاطات بعضها الآخر في كلّ مرحلة من مراحل التعليم.
إذاً فهذا المنهج عبارة عن نشاطات يقوم بها المتعلّمون ويمارسونها فرادى أو في زمر. ومن خلال ممارستهم هذه يتعلّمون الكثير، فيكتشفون حقائق ويكتسبون معلومات، وتتشكّل لديهم الاتجاهات والميول المناسبة لقدراتهم. وتتحدّد معالم شخصياتهم وأدوارهم في الحياة([15]).
ويرى الذين يعتمدون هذا المنهج، أنّه يحقّق إشباع حاجات المتعلّمين وأن النشاطات المعتمدة فيه تكسبهم المعلومات والمهارات معاً. وأن التعلّم عن طريق التجارب والخبرات أنجح، ويُبقي المتعلّمين في حالة نفسية مرتاحة، تجعلهم يُقبلون على النشاط تلو النشاط. ويذكرون أنّ من خصائصه:
   1- الاستجابة المباشرة للحاجات التي يشعر بها المتعلّمون، ولميولهم واهتماماتهم، وليس للحاجات التي يحدّدها التربويون البالغون، والذين غالباً ما يكونون بعيدين عن الميدان التربوي العلمي والحقيقي.
   2- أنّ المدرسين مؤهّلون تأهيلاً تربوياً عالياً يعم جميع شؤون الحياة بحيث يصبح بإمكانهم تحديد النشاطات والخبرات المطلوبة وإعدادها.
   3- تتيح الفرصة للمعلّم المربّي أن يرافق متعلّميه ويراقب قدراتهم وطرائق تفكيرهم في حلّ المشكلات التي تطرحها النشاطات .كما يقف على مدى مقدرتهم توظيف ما يكتسبونه في مواقف حياتيّة تواجههم .
   4- يحرّك هذا النّوع من المناهج الدّافعيّة الذاتيّة للتعلّم .
   5- لا يُعدّ مسبقاً وفق تصورات البالغين، وهذا من أكثر الجوانب الخطرة في هذا النوع من المناهج. فإنّه يعتمد على قدرة المدرّس وعلى أخلاقه المهنية.
   6- يراعي الفروق الفردية، ولا يحمل الجميع على تعلّم المناهج نفسها وفي وقت محدّد، ووفق أسلوبٍ موحّد .
   7- ينمّي التعلّم الذّاتي، وذلك عبر الرجوع إلى المراجع والمصادر التي تفيد في حلّ المشكلة التي يعرضها نشاط محدّد. كما يؤمّن نوعاً من الوحدة المعرفية والتكامل المعرفي. إذ يحتاج المتعلّمون إلى توظيف عدد من العلوم والمعارف في الموقف الواحد. 
4- مناهج أخرى: وهناك مناهج أخرى، سنجمل القول فيها لأنّها حقيقة، لا تشكّل منهجاً متكاملاً، وقد توجهت بالتركيز إلى الطريقة التي تعالج فيها الموضوعات. ولم تُعنَ بالمستوى نفسه، بالمضامين أو الأهداف.
وهي بشكل عام أقرب إلى الطرائق منها إلى المناهج: وهذه أهمّها:
ا-  منهج الحقول العامّة أو المتصلة : وهناك من يطلق عليه اسم : المنهج المندمج. ويتصف هذا المنهج بمنهجيّة المعارف، ودمجها معَ المعلومات وفق مبادىء أساسيّة، بحيث تُرفع الحدود العامّة التقليديّة بين الموضوعات والمعارف. ويُصار إلى بذل الجهد في إعادة صياغة مبادئها وعناصرها، وترتيبها في صيغ تربوية، تسهم في تحقيق نمو المتعلّم نمواً معرفيّاً أكثر تنظيماً يمكّنه من توظيف ما تعلّمه عمليّاً. وهناك توجه اليوم لعلماء الرياضيات لتقديم فروع الرياضيات من الحساب والجبر والهندسة في محور واحد ينتظم حوله منهج مادة الرياضيات. وهذا النوع من المناهج يحتاج أول ما يحتاج إلى دراسة الوحدات المعرفيّة وتحديد مستوى كلّ منها، ووضعها في نسق متدرج يبدأ بالحقائق العلميّة الشائعة، ثمّ ينتقل إلى اكتشاف العلاقات بين العناصر والأجزاء في القانون. ثمّ ينطلق إلى تعميم المفاهيم بعد تحديد خصائصها المشتركة، وبعد ذلك يصل إلى اكتشاف النظم الفكريّة، القائمة على طرق بحثية في معالجة المعارف التي تنطوي عليها المواد الدراسيّة، وصولاً إلى العناية بالتفاصيل وتأصيل المصطلحات والمفاهيم، فتستقر الحقائق في ذهنه([16]) . ومن بدهيات إعداد هذا المنهج أن تجرى دراسات في المواد المختلفة لتحديد المفاهيم التي سيُعتمد عليها في المحتوى. ولا بدَّ من ضمّ أصحاب الإختصاصات في مواد متعدّدة في لجنة واحدة.
ب- المناهج المترابطة والمناهج المتكاملة: وقد جعلتها تحت عنوان واحد، لأنّني أرى أنّها واحدة من حيث ضرورة العلاقة بين مواد المنهج، وهي تعود أصلاً إلى مناهج المواد الدراسيّة. لكن مع انفتاح العلوم بعضها على بعض، واستجابة لضرورة حاجة علم لعلوم أخرى، كحاجة الفيزياء إلى الرياضيات، وحاجة التعبير إلى النحو والإملاء والبلاغة، وحاجة التاريخ وأحداثه إلى الجغرافيا، برزت الحاجة إلى العلاقات بين المواد، فمن التربويين من اكتفى بالربط بين الموضوعات التي يحتاج إليها في بناء مفهوم معيّن. أو في استيعاب قانون علميّ ما. فأطلقوا عليها : المناهج المترابطة. بينما وسّع آخرون دائرة المواد لتتداخل أكثر وتتكامل فيما بينها وأطلقوا عليها اسم المناهج المتكاملة .
    إذاً تسعى هذه المناهج لربط المواد المنفصلة عند الحاجة إمّا ربطاً منظّماً قاصداً، أو ربطاً عرضيّاً. وذلك لمعالجة الثغرات القائمة في منهج المواد المنفصلة. فالربط القاصد يكون من خلال المحتوى، أمّا الربط العرضيّ فيشار إلى المدرّسين ليؤمّنوا هذا الربط حيث تدعو الحاجة.
    أمّا منهج التكامل، فإضافة إلى مفهوم التكامل بين المواد، نرى أنّ هناك من نحى به إلى التكامل في شخصيّة المتعلّم، بحيث يستفيد من الخبرات فيما يواجهه من مشكلات، فتكون عوناً له على التكيّف مع محيطه، بعدما تكيّفت المدرسة مع خصائص نموّه، مركّزة على تنمية قدرة ملاحظته، وإطلاق طاقات تفكيره، وتشجيعه على التجريب والتفاعل مع ذاته وقدراته([17]) وهذا ليس إلا أخذا من المنهج المتمركز حول المتعلّم من جهة، والآخر المتمركز حول المواد الدراسيّة  من جهة أخرى في محاولة توفيقيّة.


(1) نشوان، يعقوب حسين؛ المنهج التربوي من منظور إسلامي: ص: 285 وما بعدها.
  (1) راجع ابن منظور، محمد بن مكرم؛ لسان العرب: مادة:( ك – فَ – أ) ج 1/ ص : 139. ومادة: ( ك – ف – ي) ج15/ ص: 225.
    (1) راجع: الفتلاوي، سهيلة حسن كاظم؛ كفايات التدريس، المفهوم، التدريب، الأداء: للوقوف على مسألة الخلط بين مفهومي الكفاية والكفاءة. ص: 26 وما بعدها. وتعريف الكفاية عندها في ص: 29.
(2) عاقل، فاخر؛ علم النفس التربوي : ص: 152 وما بعدها .
(3) نشواتي، عبد المجيد؛ علم النفس التربوي : ص 51 وما بعدها.
(1) راجع في هذا الشأن، أسس" التقييم" ومبادئه، ص:3 وما بعدها. ودليل المعلم" للتقييم" مادة اللغة العربية : ص: 7 من إِصدارات المركز التربوي للبحوث والانماء- وزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة.
(2)  الشافعي، إبراهيم محمد؛ والكثيري، راشد حمد، المنهج المدرسي من منظور تربوي: ص: 264.
(1)  أخرجه الإمام البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين؛ في شعب الإيمان: باب: في رحم الصغير وتوقير كبير ورقمه ( 75) ورقم الحديث ( 10999) ج7/ص:462.
(2)  أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في صحيحه: كتاب تفسير القرآن، ورقمه ( 65 ) باب " فسنيسره للعسرى " ورقمه( 8) ورقم الحديث ( 4949) ص: 932.
(3)  مر التعريف به وبكتابه هذا ص: 75.
(4)  الماوردي، أبو الحسن، علي بن محمد؛ أدب الدنيا والدين: ص: 89.
(5)  مر التعريف به  ص: 79.
(6)  الإمام الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين ج3/ص:79.
(1)  ابن قيم الجوزية، تحفة المودود بأحكام المولود، ص: 190.
(2)  الشافعي، إبراهيم؛ دليل مناقشة المناهج وطرق التدريس العامة: ص: 217.
(1) سعادة، جودت أحمد؛ وإبراهيم؛ عبد الله محمد؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين: ص: 259 وما بعدها.
(2) بالماد، غي؛ مناهج التربية، ترجمة: جوزيف عبود  ص: 93.

No comments:

Post a Comment