Monday, January 9, 2012


المبحث الثالث: أساس التربية الإسلامية- سماتها وخصائصها:
     بعد أن فرغنا من تعريف التربية الإسلامية، سنذكر أساسها وأبرز سماتها. إذ من الضروري أن نلحظ ارتباط أساس أي مفهوم وسماته بتعريفه. ولما كنا قد أشرنا إلى كثير من المفاهيم الإسلامية التربوية في معرض كلامنا عن مفهوم التربية في العديد من الفلسفات، فإننا سنوجز الكلام في عرض أساس التربية الإسلامية و السمات المتعلقة به.
ولقد درج بعض التربويين الإسلاميين في الكلام عن أسس التربية الإسلامية، أن يقسموها إلى أسس فكرية وإيمانية وأخرى تعبدية وغيرها تشريعية([1]). و لكننا نرى أن التربية الإسلامية لها أساس واحد تنبثق عنه سمات أو خصائص.
وهذا الأساس هو:أنها تربية ربانية تنبثق من عقيدة و ترتبط بشريعة.
      فالعقيدة لا تنفك توجهها، فلا تنحرف، والشريعة تغذيها، فلا تضعف ولا تقصر في بلوغ أهدافها.
     والعقيدة والشريعة الإسلاميتان تشكلان معاً الدين الإسلامي المتمثل في الرسالة الخاتمة، للرسالات الإسلامية التي بُعث بها النبيون من لدن آدم عليه السلام.والمستقري آيات الكتاب العزيز، في موضوع الرسالات السماوية، يكتشف أنها _ جميعاً _ تدعو إلى الإسلام،ويلاحظ مدى إنسجامها و تكاملها في تشكيل عقيدة التوحيد و يكفي في مجال وحدة مصدر الرسالات واستقامة خط النبوة و ترابطه في الدعوة إلى التوحيد، أن تعرف أن الله عزّ وجلّ خصَّص سورة كاملة، سميت سورة الأنبياء.وجاء فيها :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوْحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] الأنبياء:21/25[وأن نلاحظ مطلع سورة آل عمران﴿... نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالِإنْجِيْلَ﴾ ﴿ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ..﴾.]آل عمران:3/3-4 [ ﴿ إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ﴾ ]آل عمران:3/19والآيات من (80) حتى (91) من السورة نفسها يكفي أن تقرأها ليتوضح لك أمران:
الأول: وحدة مصدر الرسالات السماوية، ودعوتها جميعاً إلى وحدانية الله عز وجل.
الثاني: وحدة الدين، وهو الإسلام، في الرسالات السماوية كلِّها مع اختلاف شرائع تلك الرسالات.
فقد قال الله تعالى: ﴿ ... أَيَأْمُرُكُم بِالكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيْثَاقَ النَّبِيِينَ لَمَا آَتَيْتُكُم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمً جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ... ﴾ ﴿فمن َتَوَّلى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُوَن﴾ ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُوْنَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ... ﴾﴿ قُلْ آَمَنَّّا بِاللِه وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى اِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بين أحدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ﴾ ]آل عمران: 3/ من 80 إلى 85[.                                                            
    وتؤكد هذه الآيات وغيرها أن الإسلام بعقائده و تشريعاته هو من الخالق الحكيم، العالم بشؤون خلقه، و بما يصلح لهم، وبما يُصْلِحُهم([2]) كما تؤكد آيات أخر أن الأنبياء و الرسل لم يكن لهم إلا النقل الدقيق و التبليغ الأمين عن ربهم. ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾] المائدة: 5/67[. و لكن الشرائع و كتب الرسالات السابقة رسالة محمد عليه الصلاة والسلام كلِّها، قد عبثت بها أيدي الناس تحريفاً و تبديلاً ([3]). فاليهود ﴿...يُحَرِّفُوْنَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ... ]المائدة:5/41 [والنصارى قد أخذ الله تعالى ميثاقهم﴿ ونَسُوا حَظَّاًَ مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ]المائدة:5/14[ و لم يبق محفوظاً من أي تحريف أو تبديل إلا كتاب الرسالة الخاتمة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ]الحجر: 15/9[ .
   هذا فيما يخص المصدر الأول في رسالة محمد عليه الصلاة و السلام. فقد تكفل الله بلفظ صريح بحفظه، فهل السنة الشريفة وهي المصدر الثاني محفوظة أيضاً؟؟
يقول شيخ الإسلام المعلِّمي([4]) : ( فأما السنة فقد تكفل الله تعالى بحفظها أيضاً لأن تكفله بحفظ القرآن الكريم، يستلزم تكفله بحفظ بيانه ((أي السنة)) وحفظ لسانه (( أي العربية)). إذ المقصود بقاء الحجة قائمة، و الهداية باقية، بحيث ينالها من يطلبها،لأن محمداً خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دلّ على ذلك قوله﴿ ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ] القيامة: 75/19[ فحفظَ الله تعالى السنة في صدور الصحابة و التابعين حتى كتبت ودوِّنت([5]) . وفي مجال تأكيد وحدة مصدر الرسالات السماوية قال سيدانا عليُّ وابن عباس: (( ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث الله محمداً و هو حيٌّ ليؤمننَّ به ولينصرنه. وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته))([6])  وفي ظل هذا العهد الساري، يقرر الله تعالى أن الذي يبتغي غير الإسلام ديناً يخرج -في الحقيقة– على نظام الكون كلِّه كما أراده الله تعالى﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعَاً وَكَرْهَاً ] آل عمران: 3/83[ فيبدو هؤلاء الذين يخرجون عن إسلام أمرهم كلّه لله، والطاعة والاتباع لمنهج الله في خضوع واستسلامٍ: يبدو هؤلاء شذّاذاً خارجين على نظام الوجود الكبير([7]).
وهذا لا يعني أن الأنبياء و المرسلين أُرسلوا بشريعة واحدة، من حيث الأوامر والنواهي، والحلال والحرام، وإنما يدل على وحدة مصدر التشريع.ومعلوم أن نسخَ ما كان شرعاً لما قبلنا، من أتباع الرسالات السابقة بشرع آخر الرسالات واقع([8]) بل إن جمهور المسلمين يرون أن الدلائل دلت على صحة شرع من قبله([9]). وذكر ابن العربي([10]) أن الصحيح هو لزوم شرعِ من قبلنا لنا، مما أخبرنا به نبينا صلى الله عيه وسلم عنهم دون ما وصل إلينا من غيره.لفساد الطريق إليهم.وهذا صريح مذهب مالك. وذكر أن ابن عباس رضي الله عنه قال في قوله تعالى﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ]الأنعام:6/90[: إن نبينا ممن أُمروا بالإقتداء بهم ([11]).
     ولقد ظلت الرسالات في تتابع مستمسكة بكل معاني الوحدانية والتوحيد حتى صار في مقدور الإنسان أن يتلقى رسالة جامعة شاملة عالمية تصلح لكل زمان ومكان، فابتُعث محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيْناً ﴾] المائدة:5/3[ ذلك أن عملية الإكمال والإتمام جاءت استجابة لتطور قدرات الناس، ولاختلاف طبائعهم. ولما كان الأنبياء صلوات الله عليهم قد أُرسلوا لإصلاح النفوس في أزمنة وأمكنة مختلفة فقد جاءت شرائعهم مختلفة. آخذة بسنة التدرج في الأحكام في الرسالة الواحدة وفي الرسالات المتتالية.
سمات التربية الإسلامية: 
    ينبني على أساس التربية الإسلامية هذا - أي أنها ربانية- تنبثق من عقيدة وَترتبط بشريعة سمات أهمها:
أ- سمة الجمع بين الثبات والمرونة: وهذه تفيد أن التفاعل بين الثبات والمرونة في مفاهيم التربية الإسلامية، الأساسية ومستجداتها قائم، وأن التمييز بين ما هو ثابتٌ وما هو مرن متغير واجب. وأن المتغيرات يجب أن ترتبط بالثوابت وتبنى عليها، فلا يفتح الباب على مصراعيه لعوامل التغيير. والثابت في ديننا الإسلامي هو كلُّ ما لا يطاله التغيير بفعل عاملي الزمان والمكان والمستحدثات من الوقائع، ولا يمكن أن يكون محل اجتهاد. وأحكامه موصوفة بالثبات والبقاء مهما تطورت ظروف الحياة ومعطياتها، ذلك لأن المصالح التي روعيت في تشريعها ثابتة، وما كان مبنياً على ثابت، فلا بد أن يكتسب صفة الثبات([12]) وهذا الثبات توسم به كليات الشريعة الإسلامية وأصولها العامة، فلا ينبغي أن توضع في مواجهتها أي متطلبات تعارضها لأن ما يتعارض معها لا يكون شرعياً، لأنها تفي بمتطلبات كل زمان ومكان. وتتركز صفة الثبات في: العقائد وحقائق التصور الإسلامي للغيبيات، وأصول الشريعة ومقاصدها، والعبادات، والحدود. أما المرن الذي يمكن أن يتغير فهو في الأحكام التي ربطها الشارع بعللها وأسبابها، فإذا تغيرت العلة والسبب يعني أن الوقائع قد تغيرت و بالتالي يتغير الحكم تبعاً لذلك. وفي التفصيلات التي ترتبط بحكم عام مثل: وسائل تطبيق مبدأ الشورى، ووسائل الإعداد العسكري([13]).في قوله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ﴾            ] الشورى:42/38[ .﴿وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ ﴾]الانفال:8/60[.
وهذه السمة يجب ان نحتكم إليها، ونراعي حقيقتها ومفهومها، في المواقف والمفاهيم التربوية المستجدة كلِّها وخاصة ومفاد هذه السمة، أن التربية الإسلامية، تتطلب طويل زمنٍ ومداومة([14])،في بناء المناهج التعليمية.                       
ب- سمة الاستدامة والتواصل؛ وبناء القائم على السابق: من المربِّي والمربَّى معاً. كما تتطلب تواصلاً فيما بينهما من جهة، وبينهما وبين موضوعات التربية من جهة أخرى.وكذلك تعني هذه السمة أن التربية الإسلامية، تراكمت مفاهيمها عبر عصور وعصور. فلم تكن رسالة الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام، بداية طريق التوحيد كما أنها ليست رسالة وحيدة، وإنما هي الخاتمة، وهذا يعني أن قبلها رسالات ورسالات، تواصلت في حمل المفاهيم والتصورات والحقائق، عن الإنسان والكون والحياة، والحلال والحرام، وتبليغها تدريجياً. ويعني أيضاً أن كل رسول يبنى على ما جاء به إخوته الأنبياء والمرسلون من قبله. وهذا متحقق وماثل في خط الرسالات السماوية، منذ خلق آدم عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةَ إِنِّيْ جَاعِلٌ فِيْ الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾ وتعليمه﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّها﴾]البقرة: 2/30-31[.
وبيان أنه بشر يزل ويعصى﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾   ]طه:20/121[.
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا... ﴾ ] البقرة: 2/36[  فيستغفر فيغفر الله تعالى له ويتوب عليه﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ ]البقرة: 2/37[ . وصولاً إلى الرسالة الخاتمة التي تمت نعمة الله علينا بها، وأسبغ علينا رضاه بهذا الدين الحنيف.
مروراً بأكثر من مائة ألف نبي وأكثر من ثلاثمائة رسول([15]). قال تعالى ﴿ ... وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ... ﴾ ]النساء:4/165[.                                                
 وهكذا قد جمع الله تعالى ما أعطاه للرسل جميعاً متفرقين في محمد صلّى الله عبه وسلّم، وجعل ما تفرق من مكارم الأخلاق في الرسل مجتمعاً فيه وحده صلى الله عليه وسلم. وقد روى الخطيب البغدادي([16]) في تاريخه أن نداءً سُمِعَ يومَ مولد النبي صلى الله عليه وسلم أن طوفوا بمحمد جميع البلاد، ثم اذهبوا به إلى جميع الإنس وأعطوه من خُلق آدم ومعرفة شيت وشجاعة نوح وخِلَّّة إبراهيم ولسان إسماعيل ورضا إسحاق وبلاغة صالح وحكمة لوط وشدة موسى، وصبر أيوب، وطاعة يونس، وجهاد يوسف، ولحن داود، وحب دانيال، ووقار إلياس، وعفة يحي، وزهد عيسى، واغمسوه في بحر أخلاق الرسل كلِّهم ([17]). وإن كانت هذه السمة – التتابع و التواصل- حاضرة في كثير من المدارس أو المذاهب التربوية وفلسفاتها. فحاضر الإنسان مبني على التراث الإنساني عامة، والتواصل بين الأجيال حاصل، إلا أن ما يميزها في التربية الإسلامية، هو أصالة المصدر، وصحة الخبر، وصدقية المفاهيم والتصورات. فهذه السمة في التربية الإسلامية تفيد أن الإنسان منذ يومه الأول وحتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، مدعو للالتزام بالمنهج الرباني توحيداً وإسلاما ًباختياره. وهكذا يشعر الإنسان بهذا البناء المتواصل، المحكم الأصول المتقن البنيان، الذي تتابعت جهود صفوة البشر في بنائه، حتى كان محمد عليه الصلاة والسلام، فوضع آخر لبناته برعاية الله وحفظه فتم أمره. فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مثلي ومثل الأنبياء، كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنةٍ، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون لولا موضع اللبنة))([18]).
وهذا لا يتناقض مع ما ذكرناه: أي نسخ شرع من كان قبلنا بشرع رسالة محمد صلى الله عيه وسلم. فالتشريع يتبدل من رسالة إلى رسالة، لكن معاني التوحيد ، والإخلاص لله، ونفي الشرك، والنظرة إلى الكون على أنه مخلوق لله، وخاضع بكل ما فيه لقدرة الله تعالى، إن ذلك كلّه ثابت لا يتغير. وقد سبق ذكر أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم ينسح. بل من الشرع السابق ما أوصى به الله تعالى ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِّنَ الدِّيْنِ مَا وَصَّى بِهِ نُوْحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى...﴾  ]الشورى: 42/13[  .                    
ومع هذا كلِّه فقد جعل الله تعالى لكل نبيٍ شرعة ومنهاجا﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً... ] المائدة: 5/48[ و الأحكام ما شرعت إلا لمصلحة الناس، وهذه المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان. فإذا شُرع حكم في وقت محدد، وكانت الحاجة إليه ملحة، فقد تزول تلك  الحاجة،وتنتفي المصلحة في استمراره، فحينئذٍ يكون من الحكمة نسخه وتبديله بحكم يوافق الوقت الآخر. وكذلك فالأنبياء- وهم مصلحو النفوس- جاءت شرائعهم مختلفة، وجاءت متتابعة متواصلة آخذة بسنة التدرج في الأحكام. إن هي كالأدوية والعقاقير للأبدان فما يصلح منها للبدن في حالة ما، قد يكون غير مناسب له في حالاته الأخرى و ما يناسب أمة قد لا يناسب أخرى ([19]).

ج- سمة الطمأنينة: وهذه الطمأنينة التي تمنحها التربية الإسلامية للمسلم، تتحصّل له من شعوره بوحدة المرتبطين بوحدانية الله عز وجل، فتُقبل النفسُ وتلتزم عقيدة وشريعة من غير حرج، ولا قلق. فالمسلم اليوم يشعر بوحدةٍ معَ من سبقه من المؤمنين، ومع من يعاصرهم منهم، ومع من سيأتي منهم بعده ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُوْنَا بِالإِيمَانِ...﴾]الحشر: 59/10[  : (اغفر لنا) تفيد المؤمنين في الحاضر ( الذين سبقونا) تفيد المؤمنين في الماضي: ﴿وَآَخَريِنَ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ...﴾ ]الجمعة: 62/3[ تفيد المؤمنين في المستقبل.           
والمسلم كذلك مطمئن حيث لا ينتابه تصارعٌ من جراء دعوات الأنبياء فهو يؤمن بهم جميعاً و لا يفرق بين أحد منهم ﴿ آَمَنَ الرَّسُوْلُ بِمَا اُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَّبِّهِ وَالمُؤْمِنُوْنَ كُلٌّ آَمَنَ باللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْ رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْرُ﴾] البقرة: 2/285[.
فلا يفرق بين أحد من الرسل من حيث الإيمانُ بهم، لا من حيث منزلةُ كلٍّ منهم. فمحمد صلى الله عليه وسلم،خاتم الأنبياء وأرفعهم درجةً، وأقربهم منزلةً. وهوخير ولد آدم (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع))([20]) وَمما يدل على علو رتبته أن جبريل عليه السلام قدمه فصلى بالأنبياء عليهم السلام ليلة الإسراء في بيت المقدس ([21]).
    والطمأنينة من السمات النفسية اللازمة في تكوين الشخصية السوية. فالنفسية هي الكيفية التي يتم بمقتضاها إشباع الغرائز والحاجات العضوية. ويتحتم أن يكون هذا الاشباع وفق قاعدة، أو استناداً إلى قاعدة يؤمن بها الإنسان ويطمئن إليها. فإذا تم هذا الاشباع بناء على العقيدة والشريعة الإسلاميتينن تتحصَّل له نفسية إسلامية، و إلا كانت نفسيته شيئاً آخر ([22]). فإذا اطمأنّ قلب المسلم وهدأت نفسه أُطلقت قدراته من عقالها وتوجهت إلى الخير. وأطاعت جوارحُه أوامر عقله – المتشكل بناءً على العقيدة و الشريعة- فالتزمت الحلال الطيب وابتعدت عن الحرام. وهذه صفة المؤمن الذي يتقرب من الله تعالى بالفرائض والنوافل حتى يحبّه. (( ... وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يرى به، ويده التي يبطش بها...)) ([23]). فإذا فتحت الحواجز أمام الحواس، وامتدت آفاقها، اتسعت قدرات العقل عاد ذلك اطمئناناً على القلب والنفس، فأذعنت لخالقها و أسلمت طائعة. ومن جانب تربوي آخر، نشير إلى علاقة طمأنينة القلب، وهدوء النفس بقدرات العقل فقد قال الله تعالى﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ] الكهف: 18/24[  ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوْبُ﴾ ] الرعد: 13/28[ فإذا ذكرت ربك اطمأن قلبك فانطلق عقلك. وهذا مبدأ تربوي عظيم. فالقلق والخوف والاضطراب وغير ذلك من الحالات المشابهة تذهب بقدرات المتعلِّم العقلية.

د- سمة التكرار الهادف: إن الله عز وجل يعلم طبيعة عبده، من إنس وجن وملائكة وهو علام الغيوب وليس في الكون من ذرة أو أكبر أو أصغرإلا تقع تحت علمه وتتصرف وفقاً لإرادته. والإنسان مخلوق مكرّم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ...﴾]الإسراء: 17/70[ ذو عقل ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنْ﴾] البلد: 90/10[مختار ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾] الكهف: 18/29[ لكنه ضعيف مخفف عنه﴿ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾]النساء:4/28[ومع ذلك فإنه مجادل﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلاً﴾              ] الكهف:18/54[ ولما كان الإنسان موسوماً بهذه السمات في القرآن الكريم وهي حق وتعبر تماماً عن طبيعته، كان من الضروري أن يكرر الله تعالى خطابه ويبين له ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا﴾ ] المؤمنون: 23/44[ و الله عزّ وجلّ قد أرسل الرسل بخصائص وسمات متعددة تتناسب مع اختلاف طبائع الناس وقدراتهم واهتماماتهم. فموسى عليه السلام أُرسل بمعجزات تلقف([24]) سحر قومه، وعيسى عليه السلام كان يبرئ الأكمه ([25]) والأبرص بإذن الله، ونبينا محمد عليه الصلاة و السلام أعطي جوامع الكلم([26]).
وهذه السمة في التربية الاسلامية تفيد أموراً منها:
-       حاجة الناس إلى التكرار، وهذه الحاجة على المستويين الفردي و الجماعي.
-       التكرار يحمل في طياته موضوعاً واحداً بأساليب متعددة.فتنوع الأساليب لازم من لوازم التربية الإسلامية. لكن لا بد أن تكون شرعية.
-       لا بد ان يكون التكرار متعدداً من حيث اختلافُ الزمن، أي يفصل بين المرة والمرة فترات زمنية مختلفة، مدة قصيرة وأخرى بعيدة وثالثة متوسطة. وهذا يستجيب لطبيعة الذاكرة الانسانية بأنواعها البعيدة والمتوسطة والقصيرة.
-       يستخدم التكرار حيث تدعو حاجة المتعلم، أو المتعلمين.
ولا بد أن يكون التكرار منسجماً من حيث الأساليبُ وعددُ المرات، مع اختلاف قدرات المتعلمين، واختلاف ميولهم وطبائعهم، ضمن الحدود الشرعية. وهذه الصفات في التكرار من أبرز ما تطالعنا به اساليب التربية الحديثة في مسألة التكرار.
هـ- سمة التوازن: وهذه السمة نلحظها في صفات الله تعالى وفي أسمائه الحسنى تحديداً فهو: الأول والآخر، والقابض والباسط ، والنافع والضار، والغفور والمنتقم، والخافض والرافع، وفي شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو رؤوف رحيم بالمؤمنين﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِْيْمٌ﴾]التوبة: 9/128[ وهو لا تأخذه رأفةٌ في دين الله. فإن سرقت فاطمة بنته قطع يدها ( لوأنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ([27]). وهذه السمة نلحظها في الكون﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾]القمر: 54/49[﴿ ...وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّاْ يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيْرٌ بَصِيْرٌ﴾] الشورى: 42/27[.
وفي التوازن بين الليل والنهار، والظل والحرور، وفي سلوك الناس﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوْماً مَّحْسُوْراً﴾] الإسراء: 17/29[﴿ ...كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾ ]الأعراف: 7/ 31[. وسمة التوازن هذه، هي نتيجة لسمة أساسية هي الوسطية في الدين الإسلامي.﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُوْنُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...﴾] البقرة:2/143[ فالثبات في الوسطية هو الذي يعطي التوازن بين الطرفين. فمن الملاحظ أن أكثر الناس انحرافاً أو انقلاباً إلى الجهة الأخرى، هم المتشددون المتطرفون. فلو تصورنا المفاهيم على شكل كرة، وكل نصف منها يشكل منظومة من المفاهيم في مواجهة النصف الآخر. فإن أبعد نقطة عن المفاهيم المضادة تكون في الوسط. وأقرب موقع لأفكار الخصم هو الطرف، حيث بخطوة واحدة يصبح على أرض الخصم. وأكثر الناس اتزاناً هم الوسطيون. فالمتمسك بالوسط يحافظ على الأطراف، ويُفهم هذا من قوله تعالى﴿حَافِظُوْا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى  ﴾] البقرة:2/238[.
وتتجلى سمة التوازن في التربية الإسلامية في:

أولاً- التوازن بين جسد المتعلم وعقليته ونفسيته:
       1- رعاية الجسد: فالإسلام قد اهتم بجسد الإنسان جنيناً حيث أباح الفطر للحامل([28])، ثم كفل له غذاءه فور ولادته﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾]البقرة: 2/233[ وفي التشجميع في الإنفاق على الولد والأهل قال تعالى﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ﴾] الإسراء: 17/ 31[
 وقال تعالى﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾] الطلاق: 65/7[.وإن مبدأ الحفاظ على حياة الولد وعدم قتله يستدعي بالضرورة الحفاظ على صحته. وهذا واجب على الولي الملزمَ بالإنفاق عليه. فإذا عَجَزَ الولي عن الانفاق وجب على دولة الخلافة أن تتولى مساعدته، ذلك أن من يعجز عن الانفاق على ولده غذاء ومعالجةً وكساءً ..الخ يُعد فقيراً، وتجب له الصدقة من بيت المال([29]).
    والرعاية الصحية الجسدية هذه، تستمر حتى آخر لحظة من حياة المسلم وغيره من رعايا دولة الخلافة. فقصة سيدنا عمر بن الخطاب مع الذميِّ الذي أصابه الكبرُ والعجز([30])، غاية في الدلالة على وجوب رعاية الدولة لآحاد مواطنيها المسلمين وغيرالمسلمين. ولكن ينبغي أن لا نسرف في تغذية الجسد﴿ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾] الأعراف: 7/31[ حتى لا تطغى شهوة البطن فتؤثر على قدرة العقل فالبطنة تذهب الفطنة كما قيل.   
      2- رعاية العقل: إن أول لازم من لوازم رعاية العقل هو اختيار الزوج. فالرجل يختار ذات الدين. قال عليه الصلاة والسلام :( تُنكح المرأة.. فاظفر بذات الدين تربت يداك)([31]). والمرأة ووليها يحرصان على قبول الزوج ذي الدين والخلق.(إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه...) ([32]). وكذلك أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام مرغباً أن لا يكون الزوج من القرابة المقربن لما في ذلك من أثر على القدرات العقلية:(اغتربوا ولا تضووا ...) ([33]).وثاني خطوات تربية العقل هي رعاية ما له علاقة مباشرة به من الأعضاء بشكل خاص والعناية بها، أي الدماغ والحواس. ثم العناية بالجسد كله بشكل عام. إذ العقل السليم في الجسم السليم، من بعض الوجوه. وقد أثبتت بعض الدراسات علاقة الغذاء، والنوم، وكثرة الماء ونقاء الهواء بقدرة الدماغ على التعلم ([34]). والخطوة الثالثة هي رعاية القدرات والعمليات العقلية لتشكيل عقلية إسلامية. إذ نلاحظ – وعلى كثرة الآيات القرآنية التي تحدثت عن الوعي، والتدبر والنظر والتبصر، والتفقه، وعن أولي النهى وعن أولى الألباب، أن مفردة (عَقل) بذاتها لم ترد. ولعل في ذلك دلالة تربوية مفادها أن الخلايا المكونة للدماغ وأجزائه بما فيها من عمليات كيماوية، ووصلات كهربية ليست هي المقصودة، بل تلك العمليات التي تتم في الدماغ من: تذكر، وتخيل، وتأمل، وملاحظة، وربط وتعميم وتخصيص ... واستنتاج وتعلّم، واستهداء ...الخ ([35])
   إذاً، وعلى أهمية الحواس، والدماغ، وعلاقتهما في إنتاج العمليات العقلية، فإن العناية الأهم – بعد المحافظة عليهما عضوياً – هي الطريقة التي تستخدمان بهما،أي سبل تكوين عقلية إسلامية .فالناس جميعا" المسلم منهم والملحد يستوون في الجانب المادي هذا ، ثم يكون لكلٍّ منهم عقليته أي طريقته في عقل الأشياء وإدراكها . فحين يعقل الإنسان شيئا" ويدركه حسب كيفية معينة تكون له عقلية معينة.ولا تتشكل عقلية سليمة إلا إذا انطلقت من فكرة كلّية عن الكون والحياة والإنسان ، فهذه القاعدة الفكرية هي التي يبنى عليها كلُّ فكر، وتحدد كلُّ وجهة نظر، إذ هي العقيدة _ العقلية الصالحة - وحدها التي ترتبط بها الأفكار عن الحياة في شموليتها تنظيما" وقوانين، ومفاهيم، فتظهر في شخصية الإنسان سلوكا" في جميع مواقف الحياة([36]). فالعقلية الإسلامية يجب أن تتشكل بناء"على العقيدة الإسلامية ، وهكذا يصبح هواه تبعا" لها . وفي هذا الإطار نفهم قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا" لما جئت به ). ([37]) 
    ومن هذه المنطلقات ، وبناء على هذه السمات يجب أن ندرس مناهجنا فكيف يمكن لمناهج لا تأخذ هذه المنطلقات بالحسبان بل  قل : لا تقيم وزنا" للعقيدة والإيمان أن تسهم في بناء عقلية مؤمنة. وبغياب هذا كلِّه نفسّر جانباً من جوانب التخلف الذي تعانيه الأمة اليوم، فالمناهج في أكثر الدول العربية والإسلامية لا تقوم على معارف الغرب فحسب، بل تعتمد منهجهم في التفكير، وذلك يحتاج إلى بيئة مساندة في الاتجاه نفسه وهذا غير متيسر. فتأتي النتيجة، كأنّ المتعلّم مصاب بانفصام، فهو منفتح حضاريا"، يعيش على هامش التجمعات البشرية الفاعلة، قلق، متردد، يشكو عدم تكامل إنسانيته التي يجب أن تطمح المناهج لبنائها. ويرى بعض الباحثين أن لا سبيل لحلّ هذه الإشكالية المعضلة إلا بما أسماه (تسخير السنن الاجتماعية القرآنية ، وبالفقه الحضاري ) ([38]) . ومن هذا المنطلق جئنا نبحث عن القيم الإسلامية في منهج أَلصق المواد التعليمية بالإسلام عنيت منهج اللغة العربية .

3- رعاية النفس:
    جاء في معجم مقاييس اللغة ، في معنى الجذر ( ن - ف - س ) : النون والفاء والسين، أصلٌ واحدٌ يدلُ على خروج النسيم كيف كان، من ريح أو غيرها . والنفس: الدم  ذلك أنه إذا فُقِدَ الدم من بدن الإنسان فقد النفس. ويقال للماء : نَفَسٌ ،لأنّ قوام النفس به ([39]) ويقال : ورثت هذا قبل أن ينفسَ فلان .أي قبل أن يولد. فالولد منفوس. ومفهوم النفس في الإسلام، نال قسطا" وافرا" من البحوث والدراسات ، ذلك أن مفردة (النفس ) اشتملت عليها مئتان وإحدى وسبعون آية ، ومستقري هذه الآيات يجد أنها تدل على الإنسان بكليته ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾]البقرة: 2 / 281 [﴿َيوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ ] النحل :16 /111[.﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾] العنكبوت:29 / 57 [﴿ يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾] آل عمران: 3/ 30 [ .فهذه الآيات وغيرها عبرت عن الإنسان العامل، المكتسب، المجادل ... الخ بالنفس ، إذ هو وحدة جسمية وعقلية ونفسية متكاملة لا تتجزأ. ولا يمكننا أن نلحظ نشاطا" إنسانيا" جسميا" خالصا" وكذلك ليس هناك من نشاط عقليّ أو نفسي خالص مستقل فمواقف الإنسان السليم كلُّها  إنما تصدر عن مكوناته  الثلاث ([40]).وهذا يشير الى وحدة النفس بمعنى الإنسان ، والى وحدة النفس بمعنى وحدة الجنس البشري .﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ...﴾ ] النساء : 4 / 1 [ .

 وهناك مفردات مثل القلب ، استخدمت مترادفة في الدلالة على النفس .
   ولا يعنينا مفهوم النفس وتقسيماتها عند الفلاسفة أو المتصوفين ، إنما ما يعنينا منه ما ورد في القرآن الكريم ودلّ على أنها مكون أساسي من مكونات الإنسان وهي كما تشير الكثير من الآيات وتدل على أعمالها: تشعر بالمشقة والتعب، وتذوق الموت، وتهوى، وتتعرض للحساب وتشتهي ([41]) ، فاجرة، تقيّة، تقبل التدسية والتزكية ...الخ. ويرى آخرون أن الإنسان في نظر الإسلام: جسم وعقل وروح، والنفس البشرية تشمل أولئك جميعا" ولا تضيق بشيء منها([42]) والكيفية التي يسلكها الإنسان ليشبع غرائزه وحاجاته العضوية، ويعبر بها عن غضبه، وحبه وكرمه، أو إمساكه، وشجاعته وإقدامه أو عن جبنه وخوفه وإحجامه، هي النفسيّة، فإذا كان في ذلك كلِّه منطلقا" من عقيدة الإسلام ملتزما" بشريعته كانت نفسيته إسلامية .
وهكذا تلتقي نفسيته مع عقليته فيكوِّنان معا" الشخصية الإسلامية، التي يطيع الجسد والجوارح عندئذٍ أوامرها. وكلما استزاد صاحبها المسلم من الثقافة الإسلامية لتنمية عقليته، وكلما استزاد من الطاعات لتقوية نفسيته، سار نحو المرتقى السامي، وثبت عليه، بل يصعّد من عالٍ إلى أعلى، ويحقق أسمى صفاته الإنسانية ألا وهي عبادة الله، أي أنه عبد لله وحده([43]). وهو خالقه الذي يحييه، ويميته، وينشره ويحاسبه ويجزيه.
إنّ الإسلام يرعى هذا الإنسان بقواه الثلاثة، الجسدية والعقليّة والنفسية، مع الوعي الكامل لكل عنصر من هذه العناصر، ولما ينتج عنها مجتمعة، مراعيا" الثبات في فطرته والمرونة في سلوكه. فلا ماديّة تطغى بآلاتها  ووسائل إنتاجها، ولا اجتماعية تفرض بقوانينها وأعرافها علاقات محددة أو مفتوحة. والإنسان في الإسلام مزدوج الطبيعة، مكوّن من قبضة الطين ونفخة الروح، متحدتين ممتزجتين يحمل في تصرفاته كلِّها وجهين متقابلين، في اللحظة الواحدة، وإن كان في طبيعته أن يجنح أحيانا" الى طبيعة دون الأخرى، إلا أنّه يعود _ ما دام سويا" _ إلى الاتزان والتوازن([44]).
فبقاء الإنسان في دائرة الإنسانية يستدعي التوسط والتوازن بين عناصره الثلاثة  ومتطلبات كل منها لإشباعها .
ثانياً- التوازن بين حياته الدنيا وحياته الآخرة :
فالحياة في المفهوم الإسلامي خط طويل فيه محطات: الحياة الدنيا، ثم الحياة البرزخية، ثم الحياة الآخرة، بما فيها من حساب وجزاء ونعيم أو شقاء . والتوازن بين حياتي الانسان: الدنيا والآخرة متحصّل واقع في توازن مراحل نموه في حياته الدنيا . فالواقع أن غالب أعمار الناس هي نهاية العقد السادس ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك) ([45]) أي أنّه يكون منها خمس عشرة سنة تقريبا" قبل التكليف، حيث الاهتمام الأساسي بالنمو الجسدي، وبعد ذلك يأتي التكليف ويبقى الجسد في صعود حتى بُعيد الأربعين أي ضعف فترة المرحلة الأولى تقريبا"، والفترة الثانية هذه يكون الاهتمام فيها بالنفس والعقل معا"، وأما المرحلة الثالثة فيكون الإهتمام الأكبر فيها لراحة النفس من خلال الإقبال على التعبّد. ويمكن بيان ذلك بالجدول الآتي _ مفترضين أنّ الإنسان في عمره هذا يلزمه ستون وحدة اهتمام (60 وحدة...)  موزعة على مراحل عمره الثلاث كما يظهر في الجدول.

من 1          15 سنة
من 16        45 سنة
من 46        60 سنة
جسد +   عقل   +   نفس
10  +   3     +    2
عقل +  نفس   +    جسد
15  +   10   +     5
نفس  +  عقل    +   جسد
8     +     5   +    3




وهذا التوزيع توصلنا إليه، عن طريق احتساب المعدل الوسطي، لثلاثين استبانة(2) تم توزيعها على ثلاثين شخصاً، مختلفي الأعمار، متنوعي الاختصاصات.
 فجاءت النتيجة على الشكل الآتي :
-       الجسد : 18 وحدة اهتمام من 60 .
-       العقل : 22 وحدة اهتمام من 60 .
-       النفس : 20 وحدة اهتمام من 60 .

ونلاحظ في هذه النتيجة أنّ الاهتمام بالعقل تميّز عن الإهتمام بالجسد بفارق بسيط يبلغ واحداً من عشرة (1/10) . وقد يفسر ذلك بتميز الإنسان بالعقل .
وهذا التوازن في مراحل حياته الدنيا، ينعكس في سلوكه خلالها، من حيث توزيع اهتماماته. ومن جهة أخرى نلاحظ التوازن العام بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة في قوله تعالى﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾]القصص: 28 / 77 [ وفي حياة أسوتنا عليه الصلاة والسلام حيث كان: يصوم ويفطر، وينام ويقوم الليل, ويتزوج النساء([46]).

ثالثاً- التوازن بين التعلّم والتعليم :
    إن أهم أسس التعلم هو  العقل  بما يعني آليات التفكير التي تتم في الدماغ ، والأساس الثاني هو الملاحظة باستخدام الحواس . فالذي لا يوظف ما تنقله الحواس إلى الدماغ ليتأمل ويفكر كان معطلا" حواسه ﴿ ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ ﴾] الأعراف : 7 /179] . ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾] الأنفال : 8/22 [ ولكي يُصدر العقل حكما" سليما" يجب أن تُنقلَ إليه الوقائع كما هي فقد ورد في الأثر﴿ اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه..﴾وأن يستند إلى المنظومة الفكرية الإسلامية. فالقرآن الكريم أمر مراراً بإعمال النظر والتدبر والتفكر، وهذا من أكثر صور التعلم إشراقاً. وبعد الملاحظة يلفت القرآن الكريم إلى أساس آخر من أسس التعلم ألا وهو: السؤال . ﴿فاسألوا أَهْلَ الذْكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونْ ﴾]  النحل 16/43[ ويبدو سلوك الصحابة رضي الله عنهم في طلب العلم عن طريق السؤال في كثرة الآيات التي وردت فيها صيغة ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾] البقرة 2/189[﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ﴾ ﴿َيسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ  ﴾] البقرة :2/215-217-219-220[ وكأنّ الحياة بلا تساؤل تتعطل ﴿ َفعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ﴾]القصص :28/66[ وفي مقابل هذا كلِّه يأمرنا الله تعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ ]المائدة 5/101 [ في حال كانت الأسئلة تنطعا وتشوفا"، ولا يقصد منها التعلم . وفي قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح تعليم لنا عن وقت استخدام السؤال وألا نتعجّل. فالتعلّم يلزمه صبر والتعليم لا يكون إلا بسعة الصدر.﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ ﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾ ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾] الكهف:18/66-67-68-70[.

وكذلك تبدو أهميّة السؤال في التعلم في قوله عليه الصلاة والسلام ((... ألم يكن شفاء العي السؤال)([47]). وفي قول سيدنا علي رضي الله عنه (سلوني قبل أن تفقدوني... )([48]) هذا من جهة المتعلّم حيث تحضّه الآيات والأحاديث وسيرة الصحابة على السؤال للتعلم . ومن جهة أخرى حيث من واجب المعلم والعالم أن يعلّم ويجيب السائل فقد جاء حديثٌ عنه عليه الصلاة والسلام يحمل وعيدا" مخيفا" في حال الإعراض عن الإجابة مع العلم ( من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله عز وجل بلجام من نار) ([49]) .

رابعاً - التوازن بين القول والعمل، أو العلم والعمل، في السلوك :
    يُجمع التربويون أنّ التعلّم تغيّر في السلوك. فما لم نلحظ تغيرا" في السلوك نحكم أنّ التعلم لم يحصل([50]). ويعدُّ انتقال أثر التعلم ليظهر في حياة المتعلم سلوكا" ومهارة" من أهم مفاهيم بل معايير التربية الحديثة ([51]) . ونرى أنّ التربية الإسلامية سبقت في هذا المجال طرحا" وفهما" وتطبيقا" حيث قال تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ﴾ ﴿كبر مقتا" عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾] الصف :61 /2-3[ وجعل عزّ وجل الجزاء على الأعمال ، وليس على العلم بها فحسب ﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾]  الجاثية :45/28 [ وعندما أخبر أنه عزّ وجلّ يرفع الذين أوتوا العلم ، أتبع ذلك مباشرة وفي الآية نفسها أنه خبير بما نعمل . وهذا دليل واضحٌ يبيّن أنّ ثمرة العلم هي العمل.﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾]المجادلة :58/11 [ . وفي بيان أهمية العمل قال تعالى ﴿َقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ] التوبة :9/105[ فقد أمرنا بالعمل وأخبرنا أنّه تعالى سينبئنا بما عملنا .                
وقد صحَّ الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أنّ الإيمان أفضل الأعمال ، فقد روى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (سئل أي العمل أفضل ؟ فقال إيمان بالله ورسوله)([52]) ويكفي في توضيح علاقة العمل بالقول ما شهدت به عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن. ([53])     
ولسان حال التربية الإسلامية يقول: علم بلا عمل لا يكون، وعمل من غير علم جنون([54]) .

خامساً - التوازن بين المادي والمعنوي ،أو بين المجرد والمحسوس.
    إنّ الكلام عن التوازن بين المادي والمعنوي لا يعني المساواة في مقدار استخدام كلٍّ منهما، بل يشير إلى ضرورة إضافة المادي إلى الفكرة المعنوية كي تتم وتستقر في الذهن فتتوازن الفكرة وتستقر ولا تضطرب . وكثيرا" ما استخدم الله عزّ وجلّ الأمور المادية في القرآن الكريم ومنها :
1- ضرب المثل : وقد يكون لوصف الشيء والكشف عن حقيقته عن طريق المجاز، أو الحقيقة، وأبلغه تمثيل المعاني المعقولة بالصورة الحسية ([55])وقد تعددت اتجاهات الأمثال في القرآن الكريم فمنها الحسّي المشاهد والمعاش،﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾] يونس10/24 [﴿َمثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ ]ابراهيم 14/18 [ ومنها المجازي التصويري﴿...إلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ ]الرعد :13/14[.
     ووظيفة الأمثال في القرآن الكريم كما أخبرت عنها آيات فيه ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَل لعلهم يتذكرون ﴾] الزمر :39/27 [﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾] العنكبوت :29/43 [. هي ليتذكر الناس وليعقلوا. والتذكر المقصود ليس استرجاعا" لحدثٍ، بل الاتعاظ والتدبر، وذلك لا يتأتّى إلا لأولي الألباب﴿إنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ  ﴾ ] الزمر : 39/21 [ .
وعقل الأمثال، أي الانتفاع بها في طريق البحث عن الحقيقة، وادراك حلاوة الإيمان([56]) فسياق الآيات في سورة  الزمر  من الآية (16)  حتى الاية (32) يتجه بالناس قلوبهم وعقولهم الى عقيدة التوحيد .

 2- استخدام الوسائل المحسوسة :  ومن الأمور المادية استخدام الوسائل المحسوسة لتوضيح الأفكار المجردة. فدور الوسائل التعليمية التعلمية في عملية التعلم لا ينبع من طبيعتها فحسب، بل من طبيعة المتعلِّم وحاجته أيضاً،أو قل: من طبيعة العناصر المسؤولة عن إحداث واقع التعلّم  الذي يمر بمراحل عدّة معقدة، من الانتباه فالإدراك الحسّي، إلى استدعاء المعلومات السابقة التي لها علاقة بالموضوع، إلى الإدراك الباطني " عقل الأمر " ، فالتعلم. وإذا علمنا أنّ الكلمة أسرع في النسيان من المعاينة والتفاعل الحسي كاللمس والشم ...الخ. والموقف المعتمد على المعاينة فحسب أسرع في النسيان من الموقف المعتمد على المعايشة والمكابدة، علمنا أهميّة الوسائل وخاصةً تلك التي تستخدم في مواقف بحثيّة. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم أصابعه في مواقف كثيرة: يشبك أصابعه ليقدم للصحابة صورة عن البنيان المرصوص([57]) .ويرفع الشاهدة والوسطى ليبيّن منزلة كافل اليتيم منه([58]). ويسأل عن ألوان قطيعٍ من الإبل ليدلل على أثر الوراثة في اللون والخصائص الجسميّة ([59])ويكفي أن تقرأ قول الله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ﴾ [البقرة :2/260 [. فما قال أحدٌ إنّ سيدنا إِبراهيم عليه السلام كان يشك بقدرة الله تعالى في إحياء الموتى، أو كان ناقص الإيمان، فهذا لا يجوز في حقّ الرسل عليهم السلام. فسيدنا إِبراهيم عليه السلام لم يطلب ما طلب ليحصّل مرتبة إيمان أعلى، أو درجة علمية أرقى ، بل إنه تشوّف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره وليس طلبا" للبرهان أو تقوية للإيمان، إنما هو شيء آخر ، له مذاقٌ مختلف ، إنّه أمر التشوّف الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي ليستروح بها ويتنفس في جوها ويعيش معها.([60]) 
    ولتوضيح ما تقدم نقول : إنّ طالب العلوم قد يعلم أجزاء الخليّة كلَّها ويرى صورا" لها في كتابه أو على شاشة التلفاز أو الحاسوب ، إلا أنّ رؤيته خلية حيّة تحت المجهر- وقد لا تزيد تلك المشاهدة في علمه شيئاً عن الخلية – تحدث له راحة أو لذة هي لذة المشاهدة والمعاينة. فالوسائل قد تكون من هذا القبيل لا تسهم في زيادة العلم بالشيء ولكنها تحدث حالة نفسية طيبة للمتعلّم فتشحذ همته في طلب العلم والصبر عليه ([61])

سادساً - التوازن بين بني الإنسان :
    إنّ نظرة الإسلام لبني الإنسان قائمة  على أساس وحدة الخلق التي هي من نتائج وحدة الربوبية . فالكل مخلوق لله . ومن نفس واحدة ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء﴾] النساء : 4/1 [ .
    فالتوازن قائم بين الذكر والأنثى في :
أ _ وحدة الخلق كما بيّنت الآية السابقة . وقوله تعالى ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ... ﴾ ] غافر : 40/64 [ .
ب _ التعلّم : ( طلب العلم فريضة على كلّ مسلم.)([62]).
ج _ التعبّد : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  ﴾] الذاريات : 51/56 [ .
د _ الجزاء والأجر : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً و... ﴾ ] الملك : 67/2 [
هـ- الحقوق والواجبات: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ] البقرة :2/228[. حتى إنّ سيدنا ابن عباس  كان يقول ([63]) : إنّي أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي. لقوله تعالى ذكره: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾. أمّا ما يثار من قبل بعض المغرضين عن الفروقات بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وخاصة في القوامة والميراث فإنّ سببه الكفر بالله وشريعته والجهل بخصائص كل من الرجل والمرأة ولا يتسع المجال هنا لنقاشهم ([64]).
    والتوازن قائم شامل بين كل من يقع تحت مسمى إنسان ذكرا" كان أو أنثى ويتجلى ذلك في قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ ] الاسراء :17/70 [ هذا من حيث الخلق ، أمّا من حيث الجزاء فلا تنفع إلاّ التقوى، ولا تقوى على الصمود يوم الجزاء الخصائص المصطنعة كلُّها. كالوطنية، والقومية، أو الحزبية والشعوبية والطبقية، أو الخصائص الخلقية، كاللون أو الطول ... الخ. فقد قال تعالى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ] الحجرات :49/13 [ . حتى إنّ الإنسان يفرّ من أقرب المقربين إليه ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾﴿وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴾ ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾]عبس:80/34 -35-36-37[.
    فالتربية الإسلامية متمثلة بالمربي لا بد أن تستجيب لهذه المفاهيم. ولا تنحاز الى متعلم على أساس جنسه، أو انتمائه لقوم، أو طبقة أو منطقة ... الخ .فهذا ظلم وانتقاص من حق المتعلم. والظلم ظلمات يوم القيامة. لكن هذا لا يمنع أن نتوجه بالعناية والمتابعة اللازمتين لحالات محددة. كالتفوق أو بطء التعلم، أو لما بات يعرف اليوم بالحاجات الخاصة.
سابعاً - التوازن بين الفرد والجماعة :
      ومفاد هذه السمة أن الاهتمام بالإنسان فرداً ثم عضواً في جماعة يستجيب لخصائص هذا المخلوق بكليته. ومن خصائصه أنّه يحتاج إلى أطول فترة ، رعائية بين المخلوقات، تمتد إلى  قرابة ثلاث عشرة سنة. ولا يمكن أن يكون في أوّلها مستقلا".  فينشأ في أسرة وهي أول وحدة اجتماعية يحيا فيها الطفل. وللأسرة أنظمة وقيم ومفاهيم وأعراف. وتسعى الأسرة إلى نقل ذلك كلِّه لطفلها ليعيش معها متكيّفا" متفهما" يألف ويؤلف. فمن البسملة والدعاء إذا أتى الرجل امرأته([65]) ، إلى الأذان والإقامة عند ولادته وتحنيكه([66]) إلى تلقينه لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلى جواز إبداء زينة المرأة أمامه ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ... َوِالطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء.. ﴾ ] النور : 24/31 [ . ثم إذا بلغ الطفل الحلم فعليه أن يستأذن ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا... ﴾ ] النور :24/59[ والرسول صلى الله عليه وسلم يعلِّم الغلام آداب الطعام مع الجماعة (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )([67])والإسلام على المستوى الفردي يعلمنا كيف نستنجي ([68])وكيف يطرق أحدنا باب الدار ([69])... الخ .
    وفي مجال التربية الإجتماعية يرشدنا الله عزّ وجلّ بقوله﴿... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...﴾]الحجرات :49/13 [. والتعارف يستدعي العيش المشترك والتعامل بكثير من مجالات الحياة تعليما" ومصاهرة " وبيعا" وشراء" وعبادة وجهادا" في سبيل الله ... الخ.  ويمكن أن نقول: إنّ الإسلام دين الجماعة من حيث العبادةُ، فالصلاة جماعة أفضل ، والحج، والصوم ولكنّه في الوقت نفسه دين التفرد والتأمل الذاتي ليرتقي الفرد وترتقي به الجماعة  فقيام الليل _ غالباً _ يكون فردياً مناجاة في  جوف الليل. والصدقة تخرج سراً ، تبقى في دائرة الفرد وعلانية تشجيعاً للجماعة .
وقيل: إنّ الإمام إذا خص نفسه بالدعاء دون الجماعة فقد خانهم. ويؤكد الجانب الجماعي في التربية الإسلامية ورود أكثر الأدعية بصيغة الجمع﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾] البقرة :2/201[. ويلخص هذا المفهوم ورود الأفعال في  سورة الفاتحة ﴿ نعبد _ إهدنا﴾ فهي بصيغة جمع المتكلمين. وكذلك هنالك أبواب في السنة قائمة على التربية الاجتماعية الجماعية من مثل : حقوق الجار _ وابن السبيل _ وآداب الصحبة في السفر ...الخ. وتطالعنا التربية الحديثة بمفاهيم من مثل تحقيق الذات ، والتكيّف مع الجماعة ، والعمل الجماعي في مجموعات ضيّقة او موسعة، والتعليم بالتفريد ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا...﴾ ] البقرة :2/286 [ . فلا يجوز أنّ يحمّل المتعلم ما لا يطيق فهماً أو حفظاً أو مهارات أدائيةً . بل يطلب منه ما تتسع له قدراته وإمكاناته ، فهذا كلُّه مارسه الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في تربيته إياهم فخطابه عام شامل في الغالب ( من قال : سبحان الله وبحمده في يومٍ مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)([70]). لكّنه كان يراعي في خطابه  الشرائح الاجتماعية المتعددة فمرةً يوجّه خطابه للأنصار وأخرى للمهاجرين([71]).وعلمنا أدب العمل في جماعة:فقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام كان في بعض أسفاره  فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها ، وقال آخر: علي سلخها، وقال آخر: علي طبخها فقال صلى الله عليه وسلم : وعلي جمع الحطب. فقالوا يا رسول الله نحن نكفيك فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه. وقام صلى الله عليه وسلم وجمع الحطب([72]).

و-التربية الإسلامية تربية تقويمية :
يُعدَّ التقويم أحد أهم عناصر المنهج التربوي الأربعة :الأهداف وَالمحتوى وَالطرائق والاساليب والوسائل وَالتقويم .
ويرتبط ارتباطا" عضويا" بكل عنصر من العناصر الثلاثة الأخرى . إلا أنّ ارتباطه بالأهداف هو الأشد والأوثق ([73]).وعلى اختلاف أنواع التقويم من حيث وقت إجرائه ، أو الوسائل المعتمدة فيه ، إلا انّ التربويين يُجمعون انّ التقويم التكويني المستمر هو أهم أنواع التقويم من حيث زيادة فاعليّة التعلُّم والتعليم ، للوصول إلى تعلُّم إتقاني([74]).ويصرح التربويون أن هناك معيارين مرجعيين للتقويم هما: المعيار الفردي، والمعيار الجماعي، وهو المعيار الرئيس ([75]).
وإنّ منطلقات التقويم في التربية الإسلامية، ماثلة في النظرية الفكرية الإسلامية، فالثوائب والعقاب، لا يكونان إلا نتيجة تقويم. والجنة والنار هما أرقى أشكال الثواب والعقاب .
والحياة مجال العمل ودار الابتلاء، والموت والحياة ما خلقا إلا ليظهر التفاضل بين الناس في الأعمال. وهل التقويم إلا تحديد موقع المتعلِّم بين زملائه ؟! وتحديد موقع المتعلِّم من المنهج والمهارات والمعارف التي ينطوي عليها ؟!﴿ الذي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ] الملك : 67/2 [﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَىْ الأَرْضِ زِيِنَةَ لَهَا لنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلَا﴾] الكهف 18/ 7[ ونلاحظ في الآيتين الكريمتين المفاهيم التقويمية الآتية .
-       الإستمرار في عملية التقويم لتستغرق فترة الحياة .
-       اعتماد المعيار الجماعي في التقويم، حيث جاء بصيغة المخاطبين مرة والغائبين مرة.
- إعتماد معيار مرجعي، وهو الأفضلية، وتحديد الأحسن .وجاءت صيغة (أفعل التفضيل) في الآيتين لتبلورمفهوم التفاضل وتلفت إليه .والأحسنية دائما" هي الأقرب الى شرع الله تعالى، فالحسن ما حسّنه الشرع([76]).
     - ارتباط موضوع التقويم بهدف واضح، وليس أبين من ذلك في التربية الإسلامية، فالهدف الأساس هو تحقيق العبودية لله وحده ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِّنَ وَالإنْسَ إلاَّ ليَعْبُدُونْ ﴾ ] الذاريات: 51/56 [ والهدف الأبعد نيل رضوان الله تعالى.  هذا في الجانب الجماعي حيث يتنافس الناس جماعات متعاونين﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ] التوبة :9/105 [. وفي الجانب الفردي نجد الآيات توجهنا﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ﴾]الزلزلة:99/7-8[ .
-      والسنة توجه الأفراد لإتقان العمل :( إنّ الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)([77]). فالإتقان هو المعيار بعد إخلاص القصد وسلامة النيّة. ونلاحظ اشتمال هذه الآيات والأحاديث على المفاهيم الحديثة للتقويم . وهذا يؤكد لنا مرة أخرى أهميّة أن يُدرس القرآن الكريم والسنة المطهرة دراسة تربوية شاملة، لا تكتفي بذكر الأسس والمنطلقات والسمات العامة. بل تستوعب معطيات التربية الحديثة كلَّها لتحدد ما تقبل  منها في الفكر التربوي الإسلامي فتأخذ به، وما لا ينسجم فتتركه وتحذِّر منه .
ز- التربية الإسلامية تربية تعنى بمقومات الجمال :
    رغم اختلاف منطلقات المدارس والمذاهب الفكرية، ومع تباين مكانة الإنسان فيها، ورغم تباعد التصورات، في كلٍّ منها، عن الكون والإنسان وأهدافه فيه، فإننا نجد الجمال يحتّل مرتبة" في كل مدرسة فكرية أو فلسفية ... واختلاف أولئك في الجمال: مصدره ومفهومه وعناصره ومظانه شائع شائك، وظلّ الناس يقبلون عليه حتى استقلوا به علما" صارت له موضوعاته ومؤلفاته. إلا أنّ الجمال في الإسلام _ كغيره من الموضوعات _ واضح، منسجم مع الفكرة الكليّة الإسلامية عن الكون والإنسان وما يتصل بهما. فليس الجمال في الإسلام للجمال. وليسَ تعبيرا" عن الرغبات المكبوتة  أو اللاشعور كما في المدرسة النفسيّة. وليس ضرباً في جذور التاريخ  بحثاً عن العلل والأسباب الاجتماعية والعوامل الوراثية، أو البيئيّة وخصائص العصور والحضارات، كما في المدرسة التاريخية. وليس الجمال بمقدارتعبيره عن الصراع الطبقي وتنمية انتصار الطبقة العاملة وصولاً إلى المشاعية كما في الماركسية ([78]) وبالتأكيد ليس الجمال ما يتفق الفريق الأكثر من الناس على جماليته كما في الديموقراطية الغربية. إنما الجمال في الإسلام ما جمَّله الشرع. فمصدر الجمال هو الله تعالى الذي خلق كل شيء بقدر﴿وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَّدَرَهُ تَقْدِيرَا ﴾] الفرقان:25/2 [.وجعل الجمال في مخلوقاته﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِيْنَ تُرِيْحُوْنَ وَحينَ تُسْرِحُونْ ﴾  ]النحل :16/6[. وهذه هي الآية الوحيدة التي ذكر فيها الجمال المادي. ونلاحظ أن مفردة جميل وصف بها كل من الأمور المعنوية الآتية:الصبر﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله المسْتَعَانْ﴾]يوسف:12/18[ والصفح﴿فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمْيل﴾]الحجر:15/85[ والسراح﴿ فَتَعَالْينَ أُمَّتعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا﴾]الأحزاب :33/28 [.ولعل في ذلك إشارة إلى أنّ الجمال يُطلب في القيم والمفاهيم والتصرفات من حيث إنها أمور معنوية، أكثر مما يطلب في الماديات  مما يُرى ويُسمع ويُشم ...الخ. وفي هذا المجال يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. (( إن الجمال الذي للخُلُق من: العلم والإيمان والتقوى أعظم من الجمال  الذي للخَلْق، وهو الصورة الظاهرة )) ([79]).
إذاً فالجمال قسمان: ظاهر وباطن، فالباطن منه يطلق لذاته وهو المتمثل في الجود والسماحة والعفّة، والشجاعة، والعقل والحلم والصبر... الخ .
 وهذا الجمال هو محل نظر الله عز وجل من عباده وموضع محبته ، وهذا ما يؤكده الحديث الصحيح ( إنّ الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم )([80]).  ومما يدلّ على رفعة جمال الباطن وأنّه أحسن من الظاهر  أنّ القلوب متعلقة به  فلا تنفك عن تعظيم  أصحابه  والميل إليهم والاحتفاظ بحبهم([81]).
ولكن هذا لا يعني أبداً أن الجمال الظاهري المادي مهملٌّ في الإسلام ، فإتقان العمل مع أنَّة قيمة معنوية، إلا أنه يبدو في ظاهر الأعمال فقوله صلوات الله عليه :(( إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) ([82]). وقوله ( إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء ،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) ([83]).فصورتا الإتقان والإحسان هنا ماديتان تلاحَظان في العمل والأداء .
    لذلك كان على المربي المسلم أن يتوجه الى النوعين معا" ، كلاً في موضعه،  وبمقدار الحاجة إليه في كل مرحلة ، وعند كل موقف . ومهمة المربي كذلك لا تقف عند تربية القدرة  على استشعار الجمال وتقديره  بل تتعدى  إلى تحصيله في جسده من حيث حسن المظهر : شعرا" لباسا" (( من كان له شعر فليكرمه )) ([84]).  وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم ، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس )) ([85]).  ونلاحظ أنّ الصيغة هنا جاءت بالأمر : فليكرمه _ وأصلحوا . فإذا كان الأمرهنا في مجال الزينة والهيئة ، فإنّ ذلك يلتقي مع الأمر الرباني في باب الطهارة وارتباط الصلاة وغيرها من العبادات بها.فقال تعالى :
﴿ وَثِيَابَكَ فَطَّهرْ﴾ ( المدثر:74/4) ﴿َلاَ يَمَسَّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونْ﴾ ( الواقعة:56/79).                                                          ونلحظ مدى ارتباط الطهارة بالإيمان في قوله عليه الصلاة والسلام (( الطهور شطر الإيمان))([86]).فقد ربط الطهور، وهو الأصل في النظافة وحسن المظهر، بالإيمان، والإيمان منظومة متكاملة، والتربية هي إعداد المسلم لسعادة الدارين وفق هذه المنظومة، والجمال لا يمكن أن يخرج عنها ( إنّ الله جميل ٌ يحب الجمال)([87]).فالتربية الإسلامية لايمكن أن تهمل الجمال، وتربية الاستشعار بالجمال من أهداف التربية الإسلامية، وذلك حصيلة التقاء مفهومي التربية والجمال في الإسلام


([1]) راجع: النحلاوي، عبد الرحمن؛ أصول التربية الإسلامية و أساليبها: ص: 27 و ما بعدها. و كذلك راجع: ناصر، ابراهيم: أسس التربية ص:270 و ما بعدها.
([2]) أمامة، عدنان؛ الإحكام و التقرير لقاعدة: المشقة تجلب التيسير: ص:11.
([3]) قطب، سيد؛ خصائص التصور الإسلامي و مقوماته: ص:51..
([4]) هو عبد الرحمن بن يحي بن علي بن محمد المعلِّمي: فقيه من العلماء، ونسبته إلى بني المعلِّم، بلاد عتمة باليمن. ولد ونشأ فيها. ثم قام برحلة علمية واسعة إلى الهند، حيث عمل مصححاً لكتب الحديث والتاريخ زهاء ربع قرن. تولى رئاسة القضاء بعسير. ولقب بشيخ الإسلام. واستقر به المقام في مكة المكرمة حيث عمل أميناً لمكتبة الحرم المكي. ووافته المنية وهو منكب على بعض الكتب فيها. عام (1386 هـ- 1966 م) )عن الاعلام للزركلي، خير الدين ج3/ ص: 342  ).
([5]) المعلِّمي، عبد الرحمن؛ الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من مجازفة: ص :33.
([6]) ابن كثير، إسماعيل؛ تفسير القرآن العظيم: ج1 /ص: 378.
([7]) قطب، سيد؛ في ظلال القرآن: ج1 /ص: 410.
([8]) السيوطي، جلال الدين؛ عبد الرحمن؛ الاتقان في علوم القرآن: ج2 /ص:21.
([9]) الصابوني، محمد علي؛ تفسير آيات الأحكام: ج1 /ص: 100.
([10])هو محمد بن عبد الله، بن أحمد- المعروف بأبن العربي – المعافري الإشبيلي المالكي. ويكنّى: أبا بكر (468هـ - 543هـ) كان أبوه من فقهاء إشبيلة، فسمع منه وتلقى فيها القراءات ولما انقضت دولتهم خرج مع والده إلى الحج وكان سنّه نحو سبعة عشر عاماً، وكان من أهل التفنن في العلوم والجمع لها متقدما في المعارف كلِّها. ومن مؤلفاته:  ترتيب المسالك في شرح موطأ الإمام  مالك- العواصم و القواصم- الناسخ والمنسوخ. وقد توفي وهو منصرف من مراكش. وحمل إلى مدينة فاس ودفن فيها سنة 543هـ  " عن كتابه: أحكام القرآن بتصرف" ص:3 وما بعدها ).
([11])ابن العربي، أبو بكر؛ محمد بن عبد الله؛ أحكام القرآن: ج1 /ص:24.
([12]) القيسي، مروان؛ معالم الهدى إلى فهم الإسلام:ص:117.
([13]) أمامة، عدنان؛ التجديد في الفكر الإسلامي: ص:26 و ما بعدها.
([14])كان أحب الدين إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ما داومَ عليه صاحبه. وفي هذا المجال راجع في صحيح الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل، كتاب الإيمان  و رقمه 22 باب: أحب الدين إلى الله أدومه: ورقمه (33) ص:23.
([15])ورد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه في البداية و النهاية عن ابن كثير أنه قال:" قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله كم الرسل منهم قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر. جمُّ غفير. قلت يا رسول الله من كان أولهم. قال: آدم. قلت يا رسول الله نبيٌّ مرسل ؟ قال: نعم ..." البداية و النهاية ج2/ ص:140. وورد في إرشاد الفقيه، بإسناد لا بأس به.ج2/ ص:336.
([16])هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب؛ أحد الحفاظ المؤرخين المقدمين توفي سنة 463 هـ. و من أشهر كتبه: تاريخ بغداد، والكفاية في علم الرواية..( عن الأعلام للزركي: ج1/ص172).
([17]) ذكره صاحب الرسالة المحمدية، سيد، سليمان الندوي؛ ص:124. وقال: رواه الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناد ليّن. ووقعت عليه في كتاب الخصائص الكبرى للإمام السيوطي: ج1/ص: 82 . وقال: هذا الأثر فيه نكارة شديدة، ولم تكن نفسي لتطيب بإيراده ، لكني تبعت الحافظ أبا نعيم في ذلك. ونحن أوردناه لأننا نؤمن أن خط رسالة التوحيد وخاتمها محمد صلى الله عليه وسلم تتمثل فيه أخلاق من سبقه من الأنبياء وصفاتهم. ويؤيد ذلك الحديث الصحيح: " بعثت لأتمم صالح الأخلاق".
([18])أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في صحيحه. كتاب المناقب و رقمه (61) باب: خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ورقمه(18). ورقم الحديث(3534). ص:648.
([19]) الصابوني، محمد علي؛ تفسير آيات الأحكام: ج1/ ص:109.
([20]) أخرجه الإمام مسلم، بن الحجاج؛ في صحيحه، في كتاب: الفضائل ورقمه(43) باب: تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق ورقمه (2) ورقم الحديث (2278) ج4/ص:1423.
([21]) الزايد، سميرة؛ مختصر الجامع في السيرة النبوية: ص228. و قد أورد الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، في كتاب: الإيمان ورقمه (1) في باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ورقمه (74) حديثاً عن أنس بن مالك، رقمه (169): ج1/ص:129. جاء فيه أنه، عليه الصلاة والسلام، دخل المسجد فصلى فيه ركعتين. ولم يذكر فيه أنه عليه الصلاة والسلام، صلى بالأنبياء ثم أورد في الكتاب نفسه، وفي باب:ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال رقمه( 75) حديثاً رقمه(172) جاء فيه((... وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء... فحانت الصلاة فأممتهم...)). وقال ابن كثير في تفسيره: ج3/ص:23. ويزعم بعض الناس ، أنه أمهم في السماء. والظاهر أنه أمهم في بيت المقدس، بعد رجوعه إليه.
([22]) راجع في هذا الشأن، كتاب: من مقومات النفسية الإسلامية: من منشورات حزب التحرير: ص: 7 وما بعدها.
 ([23]) أخرجه الإمام البخاري، محمد بن اسماعيل؛ في صحيحه. كتاب الرقاق  ورقمه (81 ) باب التواضع ورقمه(38  ) ورقم الحديث ( 6502) ص:1185       
 ([24]) تلقف:اللقْفُ: سرعة الأخذ بما يرمى إليك باليد أو باللسان. راجع مادة: (ل- ق - ف)في  اللسان:ج9/ص:320.
([25]) الأكمه: الأعمى، وقيل: هو ورم في الجفن وغلِظ، أو؛ أكمانٌ يأخذ في جفن العين والغريب أن تجد  هذه المفردة في مادة (ك – م – ن) وقد أورد في اللسان حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ( يُكمنانِ الأبصار أو يُكمهانِ) أي يُعميان – راجع في اللسان مادة (ك – م – ن) :ج1/ ص:359.
 ([26]) والحديث:"فُضِّلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافةً وخُتم بي النبيون". أخرجه الامام مسلم بن الحجاج، في صحيحه، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة ورقمه(5) وذكر ثمانية أحاديث تحت عنوان الكتاب مباشرة، ثم عنون للباب الأول بعدها. ورقم الحديث(523 ) ج1/ص:(311 ).
([27]) أخرجه الإمام مسلم، بن الحجاج، في صحيحه: في كتاب الحدود ورقمه (29) باب: قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود ورقمه (2) ج3/ص: (1062 ).
([28])الزرقاني، محمد؛ شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك/ ج2 حديث رقم (690)، ص: 192.
([29]) الضاهر، سليم؛ وطي؛ محمد؛ حقوق الطفل في المسيحية والإسلام بالمقارنة مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل: ص:142.
([30]) روى أبو يوسف وأبو عبيد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه(( أنه مر بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس فقال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية، والسنُّ، والحاجة. فقال له: ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك)) وأخذه إلى بيته وأعطاه ما يقيته، ثم أرسله إلى خازن بيت المال وأمره أن يسقط عنه الجزية وأن يعطيه من مال بيت المال.(عن زلُّوم، عبد القديم؛ الأموال في دولة الخلافة. ص:65) وأورده المتقي الهندي في كنز العمال: ورقمه(11477) ج4/ص: (213).
([31] ) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج؛ في صحيحه، في كتاب الرضاع، ورقمه( 17 ) باب: استحباب نكاح ذات الدين، ورقمه ( 15 ) رقم الحديث ( 1466 )، ج2/ ص:880.
([32]) مر تخريجه سابقاً  ص: 53.
([33]) تضووا، أي تأتوا بأولاد ضاوين، أي ضعفاء، مهازيل( راجع اللسان ، مادة( ضوا) ج14/ص: 489 . وقد أورد الحديث وشرحه. وأورده ابن قتيبة في غريب الحديث بدون سند: ج2/ص: 379.
([34])راجع في هذا الشأن، جنسن، إيريك؛ كيف نوظف أبحاث الدماغ في التعليم: ص: 32 وما بعدها.
([35]) السرخي، ابراهيم محمد، السلوك وبناء الشخصية بين النظريات الغربية والمنظور الاسلامي: ص: 157 وما بعدها.
([36]) راجع في هذا الشأن: النبهاني، تقي الدين، الشخصية الاسلامية، ج1/ص:20 وما بعدها.
([37]) أخرجه الامام النووي، يحي بن شرف؛ في الأربعين النووية:ص:41. عن عبد الله بن عمرو بن العاص وقال: حديث صحيح.
([38]) العسلي، باسمة؛ بناء الشخصية الاسلامية المعاصرة، ص:327 وراجع في هذا المجال، ابن نبي، مالك؛ وجهة العالم الاسلامي:ص:32 والغزالي، محمد؛ كيف نتعامل مع القرآن الكريم:ص:39.
([39]) ابن فارس، أبو الحسين، أحمد بن زكريا؛ معجم مقاييس اللغة:ج2/ص:574.
([40]) راجع، أحمد عزت؛ أصول علم النفس التربوي:ص: 26 وما بعدها.
([41]) السرخي، إبراهيم محمد، السلوك وبناء الشخصية بين النظريات الغربية والمنظور الإسلامي: ص: 182 وما بعدها.
([42]) قطب، محمد، الإنسان بين المادية والإسلام : ص: 71 وما بعدها.
([43]) راجع في هذا الشأن: من مقومات النفسية الإسلامية من منشورات حزب التحرير: ص: 9 وما بعدها.
([44]) قطب، محمد؛ الثبات والتطور في حياة البشر:ص:84 وما بعدها.
([45]) أخرجه الإمام الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، في سننه، كتاب: الزهد، باب: ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين ورقمه(13) ورقم الحديث: (2331) ج4/ص:( 566)، وقال هذا حديث حسن غريب.
(2) أنظر نموذج الاستبانة في الصفحة القادمة.
([46]) والحديث( ... أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وقد أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في صحيحه، كتاب: النكاح ورقمه (67) ، باب: الترغيب في النكاح ورقمه (1) ورقم الحديث(5063)ص: (955).
([47]) والحديث عن ابن عباس قال: ( أصاب رجلاً جرحٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم احتلم، فأُمر بالاغتسال فمات. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفاء العي السؤال؟ ) أخرجه ابن ماجه، محمد بن يزيد؛ في سننه. باب: في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل. ورقمه(93) ورقم الحديث(572)ج1/ص: (189). والعي: الكلام الذي لا يهتدى إليه أو الجهل، راجع أساس البلاغة للزمخشري ص: 443.
([48]) أخرجه الحاكم في المستدرك عن سيدنا علي رضي الله عنه ورقم الحديث(3342).
([49]) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسند أبي هريرة: ورقم الحديث: (8623) ج2/ص: (353).
([50]) نشواتي، عبد المجيد؛ علم النفس التربوي: ص:274.
([51]) فريدمان، وغينا، يوكولا؛ دليل المعلم إلى التربية وعلم النفس. ترجمة: أحمد خنسا: ص:340.
([52]) أخرجه الإمام البخاري  في صحيحه في كتاب : الايمان ورقمه(2) باب: من قال: إن الإيمان هو العمل ورقمه(18) . ورقم  الحديث(26) ص:20.
([53]) ورد الحديث سابقاً في ص:110.
([54]) راجع في هذا المجال، في صحيح الإمام البخاري، كتاب: العلم ورقمه(3) ص:28 وما بعدها.وفيه باب: العلم قبل القول والعمل. ورقمه(11) ص: 30 وقد قال محمد بن أبي حاتم، ورَّاق الإمام البخاري : سمعته قبل موته بشهر يقول: كتبت عن الفٍ وثمانين رجلاً، ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص. صحيح البخاري ص:4.
([55])رضا ، رشيد , تفسير القرآن الحكيم : ج1 / ص : 167 .
([56]) راجع تفسير القرآن الكريم للخطيب الشربيني :ج 3 / ص : 142 و ص:444.والظلال للسيد قطب  : ج5 /ص:3048 .
([57]) ونص الحديث: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك بين أصابعه". أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل في صحيحه. كتاب: الأدب، ورقمه(78) باب: تعاون المؤمنين بعضهم بعضا، ورقمه(36) ورقم الحديث(6026) ص: (1109).
([58]) ونص الحديث: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئاً. أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في صحيحه. كتاب: الطلاق، ورقمه(68) باب: اللعان، ورقمه(25) ورقم الحديث: (5305) ص: (997).
([59]) ونص الحديث " جاء رجلٌ من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل لك من إبل؟" قال: نعم قال: " فما ألوانها؟ "قال: حمرٌ قال: " هل فيها من أورق؟" قال: إن فيها لَوُرْقا قال: " فأنى أتاها ذلك؟" قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌٌ قال: " وهذا عسى أن يكون نزعه عرقٌ". متفق عليه وأخرجه الامام مسلم بن الحجاج، في صحيحه. في كتاب: اللعان، ورقمه(19) وليس فيه إلا باب: واحد، ورقم الحديث(1500) ج2/ص:918. واللفظ له.
([60]) قطب، سيد؛ في ظلال القرآن:ج1/ص:441.
([61]) العزنكي، ابراهيم؛ الوسائل التعليمية التعلمية:ص 12 وما بعدها.
([62]) أخرجه الإمام البيهقي ، أحمد بن الحسين؛ في شعب الايمان، باب: في طلب العلم، ورقمه(17) ورقم الحديث(1666) ج2/ص:254.
([63]) الطبري، محمد بن جرير؛ جامع البيان  في تفسير القرآن: ج2/ص: ( 274).
([64]) راجع في هذا المجال: قطب، محمد؛ شبهات حول الاسلام. ص: 112 وما بعدها.
([65]) ونص الحديث" لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدَّرُ بينهما ولد في ذلك ، لم يضره شيطان أبداً". رواه الامام مسلم بن الحجاج في صحيحه في كتاب النكاح، ورقمه(16) باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع، ورقمه(18) ورقم الحديث(1434) ج2/ص: (856). 
([66]) ونص  حديث التحنيك عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنكهم). أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه في كتاب: الآداب ورقمه( 38) باب: تحنيك المولود ورقمه(5) ورقم الحديث(2147) ج3/ص: (1348).
([67])أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل في صحيحه في كتاب الأطعمة ورقمه(70) باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين ورقمه(2) ورقم الحديث(5376) ص: (1010).
([68])والحديث عن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه ( فقد قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول؟ أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه في كتاب: الطهارة، ورقمه(2) باب: الاستطابة ورقمه(17) ورقم الحديث(262 ) ج1/ص : ( 188).
([69])راجع في هذا الشأن في صحيح الامام مسلم، كتاب الآداب ورقمه(38) باب: الاستئذان، ورقمه(7) ج3/ص: (1350) ففيه أحاديث كثيرة.

([70]) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ورقمه(48) باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء، ورقمه(10) ورقم الحديث(2691) ج4/ص: ( 1644).
([71]) راجع في صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل؛ كتاب فضائل الصحابة ورقمه(62) باب مناقب المهاجرين وفضلهم، ورقمه(2) ص: (665) وكتاب مناقب الأنصار ورقمه(63)ص(686) وفيه أبوابٌ كثيرة.
([72]) ذكر هذا الأثر، عبد الله الطبري، أبو جعفر؛ في خلاصة سير سيد البشر. ج1/ص: ( 87) . بدون سند.
([73])  نصر الله ، عمر عبد الرحيم ؛ أساسيات في التربية العملية : ص 239 وما بعدها .
([74])الرواشدة، ابراهيم سالم؛ وزملاؤه، مجلة رسالة المعلم. العدد الرابع ،حزيران 2001 ص:7 وما                                                              بعدها.
([75]) فريدمان ؛ يوكولاغينا ، دليل المعلم إلى التربية وعلم النفس ؛ ترجمة أحمد خنسا : ص 340 .
([76])  شلبي ، محمد مصطفى ؛ المدخل إلى التعريف بالفقه الإسلامي ص:196 .
([77]) أخرجه الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين، في شعب الإيمان، باب: في الأمانات ووجوب أدائها إلى أهلها، ورقمه(35) ورقم الحديث(5314) ج4/ص: (335).
([78]) مرزوق، حلمي علي؛ محاضرات في فلسفة البلاغة العربية:ص:12 وما بعدها.
([79]) ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم؛ الاستقامة:ج1/ص:441.
([80]) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، في كتاب: البر والصلة والآداب ورقمه(45) باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، ورقمه(10) ورقم الحديث(2564) ج4/ص: (1577).
([81]) ابن قيم الجوزية، روضة المحبين.ص:220.
([82]) مرّ تخريجه ص: 218.
([83]) رواه الإمام الترمذي ، محمد بن عيسى بن سورة، في سننه كتاب: الديات، باب: ما جاء في النهي عن المثلة ورقمه(14) ورقم الحديث( 1410) ج4/ص: (23).
([84]) أخرجه الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين؛ في شعب الايمان، باب: في الملابس والأواني، ورقمه(40) فصل: في إكرام الشعر وتدهينه وإصلاحه. ورقم الحديث(6455) ج5/ص: (224).
([85]) أخرجه الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين؛ في شعب الإيمان، باب: في الملابس والأواني ورقمه(40) ج5/ص: ( 164) وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب اللباس، ورقمه ( 7371) ج4/ ص: (203). وقال: صحيح الإسناد.
([86]) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج ؛ في صحيحه، في كتاب الطهارة، ورقمه(2) باب: فضل الوضء، ورقمه( 1) ورقم الحديث(223) ج1/ص: (172).
([87]) أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج؛ في صحيحه، في كتاب الإيمان، ورقمه(1) باب: تحريم الكبر وبيانه، ورقمه(39) ورقم الحديث(91)، ج1/ص: (89).

No comments:

Post a Comment