Tuesday, January 10, 2012

المبحث السادس: رصد القيم التربوية في نصوص كتاب القراءة للصف الأول أساسي (تابع
وسنتبع في عملية رصد القيم التربوية الخطوات الاتية:
1-  قراءة الدليل التربوي المعد خصيصاً لهذا الكتاب، والتركيز على الأهداف والقصة المثبتة فيه ليقرأها المدرسون والمدرسات على مسامع المتعلمين.
2-     قراءة نصوص كتاب القراءة، والنشاطات المثبتة فيه.
3-     قراءة دفتر التمارين المرافق لكتاب القراءة.
    أما القراءة المتبعة فهي القراءة الاستقرائية لتتبع ما حددناه من قيم،  وذلك في مجالات معينة، متخذين لذلك جداول واستبانات, وسنقرأ هذه العناصر الثلاثة، وفق مبدأ الوحدة والترابط، أي سنقرأ عن الدرس الواحد، ما في الدليل التربوي عنه أولاً، ثم ننتقل إلى كتاب المتعلم، ثم إلى دفتر النشاطات. وهكذا حتى آخر الكتاب وذلك نظراً لأهمية القيم في بناء شخصية المتعلم في هذه السن. وسنعمد إلى رصد تلك القيم بطريقتين:
الأولى: سنحدد عدداً من مجالات القيم، بحيث يتسم كل مجال بالاتساع ليستوعب تحته الكثير من القيم التي لها علاقة به بوجه من الأوجه. ومن تلك المجالات: القيم التربوية اللغوية، والقيم التربوية التي تساعد في بناء شخصية مؤمنة، والقيم التربوية التي تساهم في نمو اجتماعي سليم، والقيم التربوية التي تدور في فلك العلاقة بين الإنسان وبيئته والكون وغيرها.
الثانية :تنظيم استبانة خاصة لرصد القيم التربوية موزعة تحت عدة عناوين فرعية، وقد حاولنا صياغتها لتأتي معبرة عن قيمة فرعية واحدة. وهذه الاستبانة ستملأ من قبل الباحث ومن قبل عددٍ من المدرسين في مدارس رسمية وخاصة تعتمد سلسلة المركز التربوي والتي هي ميدان بحثنا. وسنقوم بتحليل تلك الاستبانات محاولين إصدار حكم على مدى حضورها في محتوى منهج اللغة العربية في الصف الأول من كل حلقة في التعليم الأساسي.
أولاً: القيم التربوية اللغوية:
أ‌-       الأسماء ودلالاتها القيمية:
    إنَّ أول ما سنقوم برصده هو أسماء أعلام الآدميين، وأسماء الحيوانات والأماكن عامة، محاولين الوقوف على دلالاتها القيمية. فلا يخفى أن أعلام الآدميين لها دلالات. فمحمد وعلي وعمر وعثمان وطلحة، وأبو بكر، وأبو هريرة... وعبد الرحمن وعبد الناصر وعبد العزيز، وصلاح الدين، وعماد الدين... وجورج وشارل، وإميل، والبيروني وابن سينا والخوارزمي، ونيوتن، وبيكون، وكانْت. إن هذه الأسماء كلها لها دلالات قيمية. وهي إلى حدٍ كبير ترتبط بمنظومة فكرية، وبحضارة محددتين. 
      وكذلك أنواع الحيوانات، فالكلب والخنزير لهما دلالة تختلف عن الجَمَلَ والحصان. لذا سنقوم برصد الأسماء في محتوى منهج مادة اللغة العربية في الصف الأول خاصة، وسنكتفي في إثبات الأعلام، على ما ورد في كتاب المتعلّم، وفي حال وجدنا في الدليل التربوي أو في دفتر النشاطات قيمة أخرى ترتبط باسم ما سنعرضها تجنباً للتكرار.
1- أعلام الآدميين، في محتوى منهج الأول أساسي: وسنذكر الاسم مقروناً برقم كسري، ترمز صورته إلى رقم الدرس، والمخرج فيه يرمز إلى رقم الصفحة في كتاب التلميذ :
ساري؛ وداد: 1               ياسر:  2
             13                    15
   رشاد؛ رشيد؛ شادي؛ رشا :  3
                             17
  وجدي؛ راجي: 4  و  5 ، دلال:  3                        سمر: 6 :  23
                 19    21        21                            23   71
  فادي؛ فارس: 7          حامد؛ حليم:  8             تامر؛ جودت: 9                   أمجد:  10
               27                       29                          31                         33
طارق؛ رفيق؛ طلال:11         خليل: 12            سعاد:13  24            كريم:15
                     35               39                  41   75                 45
 رياض:19               نبيل؛ هند: 21
          57                         63
عصام:22                 نديم:31           هالة:23 : 24 : 28
        66                     71                71   75   93
 

  رامي:24 ،31                          حسان؛ بهية؛ بسام :  29
        75   107                                             97
 

  غادة؛ رندة : 30                زياد: 32
              101                     111
    فهذه الأعلام، كما ترى للذكور والإناث، يمكن أن يقال فيها: إنها محايدة، أي لا دلالة قيمية لها من حيث البعد التاريخي أو المنظومة الفكرية. وإن كان هناك دلالة متأتية من تركيب الاسم ذاته مثل: وَدَاد من الود، وخليل، الصاحب المختص([1]). ونبيل من النبل...إلخ.
     إلا أننا لا نرى أنّها محايدة إلا على مستوى بعديها الإسلامي والمسيحي، ولكنها في مقابل هذين البعدين معاً، فهي توحي باللاهُوية أو اللاإنتماء، فهي إذاً علمانية، تدور في فلك العولمة. فمن حاول الهروب من إحدى الدلالتين المسيحية أو الإسلامية، قد وقع في فخ خطير، هو فخ العولمة والضياع. وما الضير في أن تكون الأعلام موزعة على البعدين الإسلامي والمسيحي، وأن يعرف المتعلِّم المسلم أعلاماً مسيحيين ومسلمين وكذلك المتعلِّم النصراني؟؟!! فتاريخ الأمم هو تاريخ أَعلامها. وإغفالهم من قاموس المتعلِّم، وعدم السماح لهؤلاء الأعلام أن يحتلوا مكانتهم في ذاكرة أبناء الأمّة، خللٌ تربوي كبير، وتنكرٌ لقيمة تربوية مهمة، بل نعد ذلك من النقائص التربوية.
2- دلالة أسماء أنواع الحيوانات.
    وبتتبعنا لأسماء الحيوانات في كتاب القراءة للأول أساسي وقعنا على أسماء الحيوانات الاتية:
  البط : 1 :  3 :  32           طيور؛  زِيز: 2                 دجاج:  4 :  5
        13   17  111                       15                       19   21

البلبل: 7          الدود:  9           خروف: 12            قط: 13 :  15:  16
       27                31                   39                 41    45  47
 

  أرنب: 14            سُلَحْفاة:  14                   الكلب:  15 : 16 : 21
        43                     43                            45    47   63
  سمكة: 15           العصافير:16 :  25              الببغاء:  18
         45                      47    18                        54
   النحل: 26          مهر: عجل: جدي: فرس: بقرة: عنزة:  27
          84                                                     88
    واللافت في هذه الأسماء، هو عدم التوازن المعرفي الذي سيحصّله المتعلّم عنها، فليس هناك من حيوان مائي إلا السمكة. وليس من الحشرات إلا الزيز والنحل. أما القط والكلب والبط فقد وردت أسماؤها ثلاث مرات. والغريب هو غياب أي نشاط معرفي عن هذه الحيوانات، أو عن البيئة التي تَعيش فيها، أو عن طريقة الحصول على غذائها. والأغرب أنك لا تقف على هدف علمي معرفي واحدٍ عن حيوان من هذه الحيوانات باستثناء ما ورد في بعض بنود الأهداف التربوية عن الدجاج:(اكتشاف فوائد الدجاج) وعن شَبَهِ الواوي بالكلب. وأنه يحب أكل الدجاج، ويخرج مساءً.[ الدليل التربوي: ص: 146] ما أثبتوه في الدرسين الخاصين بالنحل في  كتاب المتعلم: (النحلة النشيطة:ص: 84) و ( نحلة وزهرة وعسل:ص:85). وفي درس ( ثلاثة رفاق:ص:88) وقد تكلفوا فيه وكلفوا الأطفال ما لا يطيقونه فعرضوا أسماء أمّات الحيوانات دفعةً واحدة: الجدي، والمهر والعجل وأصواتها. علماً أن هذه المفردات تشغل بها ذاكرة المتعلّم، ولا وظيفة لها في حياته في مثل هذه السن. وهذا يُعد مجانبة لقيمة تربوية صارت عماداً في تدريس اللغات، ألا وهي الوظيفية. وهذا يؤكد الخلل في اعتماد منهجية النص المقلوب، حيث يؤتى باسم الحيوان ليخدم الحرف الذي يكون هدفاً تعليمياً للدرس فحسب. وهذا يشير أيضاً، إلى غياب قائمة المعارف التي تعتمد غالباً، لتحديد المعارف العلمية المناسبة لمحتوى منهاج معين في صف محدد. وهذا أيضاً يُعد من الخلل التربوي في مجال القيم المعرفية.
ب‌-   التزام الفصيح وتحري الصحيح:
    يُعد الالتزام بالعربية الفصحى من القيم التربوية، بل هو عند البعض في أعلى سلَّم القيم التربوية التي يجب أن تتمثَّلها مناهج تعليم العربية. والأهداف العامة للمناهج الجديدة، بنيت على أساس أن العربية الفصحى هي المعتمدة في مناهج العربية، وفي مناهج المواد التي تدرَّس بالعربية، مثل التاريخ والجغرافيا..إلخ. إلا أنني أنظر، ومع حرصي على الالتزام بالفصحى، إلى الأخطاء اللغوية على أنها أقل خطورة من الأمور التربوية الأخرى، كالقضايا العقدية، أو القضايا الفكرية، وخاصة تلك التي لها دور في بناء شخصية المتعلم، ذلك أن الخطأ اللغوي يمكن السيطرة عليه، والإسراع في معالجته. فالمعاجم بمرجعيتها، وبما تمثل من سلطة لغوية، يقبلها المؤلِّفون والمدرِّسون وغيرهم من المتابعين حَكَماً. وإلى ذلك، فإن العودة إليها سهلة. ويمكن لمدقق لغوي أمين أن يقوم بتصحيح الأخطاء اللغوية التي وردت في النصوص، أو في النشاطات خلال أيام إن لم نقل خلال ساعات. فالعناية الكبرى التي يجب أن تحظى بها مناهج العربية هي القضايا الفكرية في كل اتجاه وفي كل مجال، وخاصة ما كان متصلاً منها بهُوية الأمة وانتماء أبنائها إليها. والغريب أننا لم نقع على دراسة واحدة درست مناهج العربية دراسة فكرية، و ما اطلعنا عليه كلُّه، يقع تحت مجال نقد الشكل، أو النقد اللغوي. وبعض ما وقعنا عليه من أبحاث ودراسات عن مناهج العربية، كان هَمُّ أصحابها عرض  مضمون المنهج، وتبيان الطرائق المعتمدة...إلخ وصولاً إلى اللغة. ومن هؤلاء الدكتور جوزيف الياس الذي نشر في الصحف مقالات عديدة، وجاءت لغوية بمنطلقاتها وأهدافها. وجمعها في كتاب سمّاه ( نقاط على الحروف في منهج اللغة العربية وآدابها). وقد أثبت عشرات الأخطاء اللغوية وناقش المؤلفين فيها، وقد شهدت الصحف اللبنانية سجالات لغوية بينه وبين بعض المؤلفين، ومنهم الدكتور عصام قازان. ومن قائمة المفردات الخطأ التي أثبتها([2]) : (يَدُبُّ، والصحيح يَدِبُّ) ( جَلٌّ، عامية) ( أبذلُ جَهدي،والصواب جُهدي) (اليومُ يومُ المساعدة، والصواب: اليومَ) (يرْهَن، والصواب: يرهُن) وقد وقع غيره على أخطاء أخرى ومنها([3]):
( يحط الطائر) والصواب ( يقع الطائر) ( تكبُر، والصحيح تكبَر) (سروال، والصحيح سراويل للمفرد أما الجمع: سروالات) (يَروي، بمعنى يسقي: والصحيح يُروي، لأن يَروي معناه يحكي، يحدِّث..).
ويمكن لآخرين أن يجدوا أخطاء أخرى. وقد نظم بعض الذين درسوا المحتوى قائمة بالأخطاء التي وقعوا عليها. وما لم أجده فيها: أليس اليومُ عيدَ ميلادي؟ تسأل البنت أمّها [كتاب القراءة : ص:71] وهي تسأل عن موعد عيد ميلادها. فاليوم ظرف زمان يقع العيد فيه. ولا يمكن أن يكون المقصود هو الاخبار عن اليوم بأنّه عيدُ ميلاد الفتاة. ويكون بذلك مسنداً إليه ويصبح ( عيد ميلادي ) هو المسند. ولو كلف المؤلفون أنفسهم عناء الإجابة عن السؤال لجاء الجواب بلى : اليومَ عيدُ ميلادك. وعرفوا أن الذي تسأل عنه الفتاة هو موعد عيد ميلادها. وتقول البطة: عندي شرط [ كتاب القراءة للأول أساسي: ص: 111] وعند ظرف لا تفيد معنى ( لديَّ) أو (لِ).
    وفي مجال تعليم العربية والضبط اللغوي نقترح أن تضُمَّ المجامع اللغوية المنتشرة في العالم العربي لجنتين:
أ‌-      تكون مهمة الأولى العناية بتطوير تدريس العربية لأبنائها الناطقين بها لغة أولى، ولأبناء المسلمين من غير العرب لغة ثانية مرحلياً، لتصبح مستقبلاً لغتهم الأولى أو موازيةً للغتهم الأم، أو لغة أجنبية لمن يرغب في أقطار الأرض.
ب-    وتكون مهمة اللجنة الثانية مراجعة الكتب المدرسية كلِّها لغوية كانت أم اجتماعية أم علمية، إذا كانت هذه المواد تدرَّس بالعربية، فلا تترك فيها مفردة أو أسلوباً أو عبارة من غير الفصيح، ويوقَّع كلُّ كتاب مدرسي يعتمد العربية، من قبل هذه اللجنة.
     وإن كان لنا الكثير من الملاحظات اللغوية على كتب القراءة والقواعد، فإننا نرى أن القيمة الأساسية هي إصرار المناهج على التزام الفصيح، وإن كان بعض ما ورد فيها ليس فصيحاً على مستوى المفردات أو الأساليب أو التركيب النحوي. وكان من الممكن أن يبذل المؤلفون جهداً أكبر في محاولة لتخليص النصوص من الأخطاء، أو على الأقل لتخفيفها. وإن كان هناك من خلل قيمي في هذا المجال فهو في غياب الإصرار على إتقان العمل، والنظر إليه على أنّه أمانة، ويجب التحقق من سلامة ما يثبت مكتوباً، سواء في الدليل التربوي أو في كتاب المتعلِّم أو في دفتر النشاطات. ذلك أن ما يستقر خطأًً في القسم المختص باللغة في دماغ المتعلم، قد يستمر في استعماله كما كسبه لسنوات وسنوات.
ج-الاستجابة لخصائص العربية في الكسب اللغوي.
    قد رصد علماء العربية السابقون، وكثيرٌ من التربويين الذين تصدرو لتعليم العربية الكثير من خصائصها([4]) التي تساعد في تعلُّمها بسرعة، ويُسرٍ، كما تساعد في ثبات المادة مفرداتٍ وعباراتٍ وأساليبَ، وخاصة العناية بالأوزان والقياس عليها([5]) وتُعدُّ الاستجابة لخصائص العربية عامة، ولخصائص مثل: الهجائية وأنها لغة اشتقاقية قياسية، تحديداً، من أهم القيم التربوية التي يجب الاستفادة منها وتوظيفها في تعليم العربية، وفي بناء نمو لغوي سليم، بشكل عام، وتحديداً في الأول أساسي والحلقة الأولى جميعاً. فهل استجاب معدو المحتوى لهذه الخصائص؟
- لقد تمثل معدو المحتوى الخصيصة الهجائية للعربية بشكل جيد ومنسجم، فأكثروا من التمارين التي تعتمد الحرف مع الحركات، أو مع أحرف المد. وقد أفردوا نشاطات للتفريق بين  حالتي الواو والياء، أي عندما تكونان مدِّيَّتين أو غير مدِّيَّتين واعتمدوا في ذلك أساليب عدة، مع الصور، وكلمات متقاطعة، وزيادة حرف أو حذف حرف...إلخ.
- أما في مجال توظيف خصيصة الاشتقاق، فلم نجد نشاطاً واحداً، سواء في كتاب المتعلّم، أو في دفتر التمارين. كما إننا لم نقع على أي إشارة توجه المدرِّسة أو المدرِّس لإجراء نشاطات تُوظَّف فيها خصيصة الاشتقاق.
_ وفي مجال القياس وجدنا عدّة تمرينات قليلة، بدأ أولها في الصفحة (71) وأخذت صورتين لا ثالث لهما، واقتصرت على التحويل من المفرد إلى المثنى فالجمع، ومن الماضي إلى المضارع، وجاءت هذه النشاطات في الصفحات: (71) – (76) – (81) – ( 82) – (109) – (110) – (137) – 147). [من دفتر التمارين].
 والصورة التربوية الأمثل، هي أن نُقرن في النشاطات بين الاشتقاق والقياس، موظفين قدرة الطفل على المحاكاة والتقليد. وإننا نرى أن إهمال مثل هذه النشاطات، يحرم المتعلِّم من نموه نمواً لغوياً سليماً. ويورثه خللاً في قدرته على الكسب اللغوي، كما يحرمه من ضرورة ملاحظة العلاقة بين معنى الجذر والمفردات المشتقة منه، فيصبح فهمه للنصوص متدنياً. وكذلك نرى أن بناء القوالب اللغوية أو الأنماط([6]) في الدماغ وارتباطها بمعانٍ محدّدة، مرتبط بأوزان المفردات من جهة، وبطريقة اشتقاقها من جهة أخرى. لذلك كلِّه نؤكد ونوصي بضرورة توظيف هاتين الخاصيتين ودراسة أشكال النشاطات التي يمكن أن تقدَّم من خلالها.
ثانياً: القيم في المجالات التربوية المختلفة
أ- قيم المنظومة العقَدية والمفاهيم المتصلة بها.
    إننا لا نطمع أن يتمثّل محتوى منهج مادة اللغة العربية الصادر عن المركز التربوي منظومة عقدية محدّدة، ولكن من حقوقنا، التي كفلها الدستور اللبناني، أن نربِّي أبناءنا وفق المنظومة العقدية التي نرتضيها، وألاّ يتعرض أحدٌ لكرامة أحد الأديان أو المذاهب([7]). وفي المبادىء العامة للمناهج الجديدة، جاء أنها تتوخى تكوين المواطن المتمثل تراثه الروحي النابع من الرسالات السماوية([8]). فهل يمكن تكوين مواطن بإدارة الظهر لكل الرسالات السماوية ولمنظومتها العقدية؟؟ أليس من واجب واضعي المحتوى أن يستجيبوا، وعلى الأقل، للمفاهيم العقدية المشتركة والعامة، لأتباع الرسالتين الإسلامية والمسيحية؟! ومنها:
_ أنّ الله تعالى خالق الكون.
_ أنّ الله تعالى هو الرزاق،الشافي، الكافي...
_ أن الله تعالى إذا أراد شيئاً، يقول له كن فيكون.
_ أنّ هناك حياة بعد حياتنا هذه، وهناك حساب وجنة ونار.
    ولقد تملكني الذهول وانا أقرأ كتاب القراءة المخصص لأطفال الأول أساسي، متتبعاً قيم المنظومة العقدية، وأيَّ مفهوم يتصل بها. حيث لم أعثر على مفهوم واحد يمكن أن يقع تحت أي عنوان من عناوين الإيمان. وكأن لفظ الجلالة (الله) محظورٌ أن تشتمل عليه نصوصُ الكتاب أو نشاطاتُه. وليس هناك أيُّ إشارة لصفة من صفات الله تعالى، أو لاسم من أسمائه الحسنى. هذا في كتاب المتعلّم، أما في الدليل التربوي فالأمر يختلف ولو قليلاً.
    فالإنصاف يقتضي أن نستقري الدليل التربوي بأهدافه، وبالقصة المثبتة فيه لتقرأها المعلمة على مسامع متعلِّميها، وبالنشاطات التربوية، ما كان منها صفياً أو غير صفي. وقد وقعنا على ما يمكن أن يصنّف تحت عنوان المنظومة العقدية، على مواقف ومفاهيم ضئيلة جداً وهي:
1- الله عزّ وجل يمنح العصفور ريشاً والينبوع ماءً، والحمل صوفاً، ويهب المسكين القوت، والمرضى الشفاء،...إلخ.
وذلك كلُّه في مقطوعة شعرية قصيرة عنوانها ( يا إلهي ):من[مجزوء الرمل]:
إمنح العصفور ريشاً
وهـب الينبـوع مـاء
وهب المسكين قـوتاً
وامنـح المرضى الشفاء
 [ الدليل التربوي: ص: 65 وص: 90] والغريب أنك لا تجد هدفاً من الأهداف المرصودة في هذا الدرس يشير من قريب أو من بعيد لأي من هذه المعاني الإيمانية الواردة في الأنشودة. وكأنها جاءت عَرَضاً، فبعد الفراغ من الكلام عن خطوات الدرس، أثبتت، وتحت عنوان ( أغنية ). وأكاد أجزم أن المؤلفين بعد أن وضعوا الأهداف والخطوات والنشاطات...إلخ، وجدوا نصف صفحة بيضاء ( ص: 65 ) فتخلصوا من هذه المساحة البيضاء بإثبات هذه الأنشودة الحافلة بالقيم الايمانية، وما كلفوا أنفسهم العودة إلى الأهداف ليعدلوها فتشمل إبراز مضامين هذه الأنشودة.
2- الله عزّ وجلّ يحفظ من الشر:  ورد هذا المفهوم الإيماني في آخر بيت من أنشودة أخي الصغير [ الدليل التربوي:ص: 74] من[مجزوء الرجز]:
احفظه يا ربّ لنا
من كلٍّ شرٍّ سالما
    ومع أن الدرس عن العائلة، والقصيدة منتمية إلى موضوع الدرس، إلا أننا مرة أخرى لم نعثر على أيِّ إشارة في الأهداف لتوظيف هذه القيمة الإيمانية.
3- شكر الله على قدرته وعطائه. هذا نص الهدف التربوي كما ورد في [الدليل التربوي ص: 86]. كما ورد شكر الله مرتين في ص: 70 وفي ص: 79 منه أيضاً. وعبثاً تحاول أن  تجد سؤالاً أو نشاطاً في خطوات الدرس كلِّها يرتبط بهذا الهدف. والمدهش أن قصة الدرس مناسبة جداً. فهي عن عصفورة تصنع عشاً، وتضع بيضها وتحضنه... وتزقزق الفراخ في العش. وكان من الممكن إثارة الكثير من الأسئلة التي تساهم الإجابة عليها بنمو عقدي سليم، وبتبيُّنِ قدرته تعالى. ففي الدروس السابقة نجد نصوصاً مناسبة ولم يُلتفت إلى مضامينها الإيمانية في رصد الأهداف، وهنا رُصد الهدفُ والنص مناسبٌ، لكنّنا لم نر أيَّ نشاط يرتبط بهذا الهدف. فهل هذا كلّه صدفة؟؟! وأنا أحاول أن أقنع نفسي وأضعه تحت عناوين مثل: قلة الدراية، عدم الإتقان، هفوة...إلخ. أم أنّ هناك أسباباً أخرى؟!
4- إدراك عظمة الخالق في عطائه وخلقه: تقع على الصيغة هذه حرفياً في أحد الأهداف التربوية لدرس ( موسم القطاف ) في [ الدليل التربوي: ص: 94] كما تقع على جملة في القصة تسمح بالعمل على تحقيقه: حيث قال الأب لولده: بل أشكر الله الذي أعطانا هذه الثمار يا عزيزي. وعلى سؤال من أسئلة المحادثة: لماذا شكروا الله؟[ الدليل التربوي: ص: 96] وهذا هو العمل التربوي السليم، فهناك هدف، ونص ينسجم مضمونه مع الهدف، ونشاط يضمن للمتعلِّم أن يحققه. مَعَ الإشارة إلى أن ما في النص والسؤال الوحيد الذي ورد عنه في المحادثة، لا يكفيان لتحقيق هذا الهدف التربوي العظيم. وهذه الصورة نفسها تتكرر في درس عنوانه ( في السوق الكبير) حيث ورد هدفٌ هذا نصه: " شكر الله على نعمه بإعطاء المزروعات والفواكه". وورد في القصة ما نصه " نشكر لله الذي أنعم علينا بكل هذه الخيرات" ثم أنهوا المحادثة بالسؤال الآتي: " ماذا قالت سمر لعمها ماجد؟ ومن شكرت أيضاً؟ [الدليل التربوي:ص: 154 – 155 – 156]
5- ومن المفاهيم التي وردت في المحتوى المخصص للأول أساسي ولا تنسجم مع المنظومة العقدية الإسلامية والمسيحية أيضاً:
أ- تمجيد عمل الفلاح، وشكره على عطائه، وإغفال الزارع الحقيقي وهو الله تعالى:فجاء من[مجزوء الرجز]:  يا زارع التفاح             بوركت من فلاح
[الدليل التربوي:ص: 77] وكان من المفيد أن توجه أسئلة من مثل: يزرع الفلاح شجرة التفاح ويعتني بها، ولكن ألا يحتاج إلى ماء يُرويها؟ من يعطينا الماء؟ تحتاج النباتات إلى تراب، وهواء، وضوء، هل الفلاح يؤمّن هذا كلَّه؟!...إلخ فالله تعالى يقول:﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ﴾ ﴿ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونََ ﴾ ﴿ أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ﴿أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ  ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ ﴿ أأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ[ الواقعة :56/ 63 – 64 – 68 – 69 – 71 – 72].

ب- ويتكرر هذا التوجه، لكن مع إصرار وتأكيد، ويتجلى ذلك في ما ورد في نهاية أنشودة: [من مجزوء الرجز]:
تلالنا الخضراء                                  والخير والعطاء
من صنع الجميع
 [ الدليل التربوي: ص: 60] ولا تجد أيَّ سؤال، أو إشارة يمكن أن تعدَّل بهما أو تواجه هذا المفهوم الخطير. والطفل سيحفظها ويعيش هذا المفهومُ معه.
ج- أبواب الجنة تتفتح للأطفال وهم يرقصون وينشدون طرباً: [من المحدث]:
نلهو نرقص ننشد طربا                 مـا أحلانا ما أحلانـا
أبواب الجنـة تنفـتـح                 والقلب يحـنُّ لنجوانا
[ الدليل التربوي:ص: 69] وهذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها ذكر الجنة.
ثالثاً: القيم المرتبطة بالشعائر الدينية والتعبّديّة:
    لا يتوقع أحدٌ من محتوى منهج مادة اللغة العربية في لبنان، أن يعزّز ممارسة الشعائر الدينية. وجلُّ ما نطمح إليه ألاَّ يعارض ممارسة تلك الشعائر، وألا توحي النصوص والنشاطات المرافقة لها بالسلبية تجاهها، وألا تشير مباشرة أو مداورة، إليها أو إلى ممارسيها بمواقف ومفاهيم غير لائقة. فما صورة الشعائر الدينية والقيم المرتبطة بها في محتوى منهج اللغة العربية في الصف الأول أساسي؟؟
_ هل من ذكر للشعائر الدينية الآتية: صلاة، صوم، حج، زكاة..؟ وهل من ذكر لمسجد أو كنيسة...؟ وما صورة الأعياد وسلوك الناس فيها؟؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة، بعد استقراء المحتوى، تدمي القلب، وتجعل عدداً من الأسئلة تلحّ علينا، أمجتمعنا مجتمعٌ ملحد؟ أم يريدونه كذلك؟ ما دور العملية التربوية في رعاية النمو الديني؟ ألا تنطلق التربية من واقع المجتمع الذي يعيش فيه المتعلّم؟ ألا تستجيب التربية لخصائص ذلك المجتمع، حتى لو استهدفتْ تغييرَ الكثير من مفاهيمه وقيمه أو بعضها؟ إن تجاهل ذلك كلِّّه، في محتوى منهج مادة اللغة العربية، في الصف الأول أساسي تحديداً، يشير إلى تجاوز الكثير من المسلمات التربوية. فبأي حق يجعل معدو المحتوى المتعلّم وبيئته ومنظومة أسرته العقدية وشعائرها خارج هذا المحتوى في أهدافه ونصوصه ونشاطاته؟؟!! أليس من واجب مناهجنا أن تُسمع المتعلّم، وتجعله يألف مفردات وعبارات من مثل: مسجد، كنيسة، صلاة، سحور، إفطار، شهر رمضان، تقوى...إلخ؟ ولماذا إغفال شعائر الأعياد الدينية؟؟ وفي المقابل، ما سر إبراز الأعياد الأخرى؟ من مثل " عيد الأم " " وعيد الميلاد الشخصي([9])؟؟!! إنهم أرادوا الهروب من أعياد المسلمين وأعياد النصارى، نظراً لهُويتها. لكنهم مرة أخرى وقعوا في فخ القيم الغربية " فعيد الأم " بدعة غربية علمانية، وسيدنا عيسى عليه السلام أشد الناس إكراماً لأمه. فقد أنطقه الله تعالى في المهد إكراماً لها، ومعجزة له. والمتأمل في تتابع معاني هذه الآيات يستوحي منها أنه لا يمكنه أن يكون برّاً بوالدته إلا إذا أقام الصلاة وآتى الزكاة. فكيف تتوهم مناهجنا أن يكرِّم المتعلّم أمه، وهي تغفل كلّ ما يتعلق بالصلاة والزكاة وغيرهما. ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾ ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا ﴾﴿َوجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ﴿وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً [مريم: 19 /29 – 30 – 31 – 32] فالأم في مشرقنا عند المسلمين وعند النصارى مكرّمة في كل لحظة. أما الغربي والغربية اللذان يتركانها طوال العام، أو يرميانها في دارٍ للعجزة، أرادا أن يكفرا عن فعلتهما، ففاضت قريحتاهما بهذا اليوم لها. وإمعاناً في نشر ثقافة اللاهُوية، وإغلاقاً لأبواب كلِّ ما له علاقة بالتدين ترى المؤلفين قد أعدوا نشاطاً في دفتر التمارين (ص:108) ذكروا فيه: " عيد الميلاد"، " وعيد الطفل" ،" وعيد الأم " " وعيد العمال" ، " وعيد رأس السنة الميلادية" باعتبارها تقويماً عالمياً... مع ذكر التواريخ. فأيَّ متعلم يريدون؟! وأيَّ شخصية يريدون أن يكوِّنوا؟!! ولكن حتى هؤلاء لا يستطيعون أن ينسلخوا من جلودهم تماماً. فقد أوردوا في [ الدليل التربوي ص: 78] أن من آداب الطعام، غسل اليدين، وهذا عام في سلوك الناس جميعاً. والبدء باسم الله، وقولنا : الحمد لله، إذا أنهينا طعامنا. وهذا كلُّ ما وقعنا عليه في مجال القيم المتصلة بالشعائر الدينية. ويؤيده ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يا غلام، سمّ الله، وكلْ بيمينك وكلْ مما يليك)([10]) وقوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) ([11])
رابعاً: القيم المتصلة بالبيئة.
      إن المواقف التربوية المتصلة بالبيئة، جاء حضورها مكثفاً، وصورها متعدّدة. فتكاد لا تجد درساً تخلو قائمة أهدافه السلوكية المرصودة من هدف على الأقل في إحدى المجالات المعرفية، أو النفسية، أو العضوية. بدءاً من المحافظة على النظافة [ الدليل التربوي ص: 61] إلى العلاقة مع النباتات والمحافظة عليها، وتنمية الميل إلى الزراعة..[ الدليل التربوي ص: 84 ] إلى الرفق بالحيوان وطرق مساعدته وعدم الإساءة إليه [الدليل التربوي:ص: 98 ] إلى تعدّد البيئات من جبل ووادٍ وسهلٍ، واختلاف الأحوال الجوية من مطر وثلج وضباب..إلخ. وكلُّها موضوعات لنصوص في كتاب القراءة، أو لنشاطات في دفتر التمارين، لكن هذه المواقف التربوية  في المجال البيئي، يريد معدو المحتوى من المتعلم أن يتمثَّلها من غير رؤية فكرية، أو من غير أدنى علاقة بين السلوك والمنطلقات الفكرية، التي تشكل الدافع الأساسي للسلوك. فعناصر البيئة بأنواعها من طبيعة وحيوان ونبات..إلخ. كأنها والعياذ بالله، وجدت من غير خالق، والعلوم والمعارف الواردة عنها كلُّها، لا تنتمي إلى أي منظومة عقدية. ومفهوم تسخير ما في الكون للإنسان غائب تماماً. وليس في نصوص كتاب القراءة، أيُّ إشارة إليه. وباختصار يمكننا أن نقول : إن المعارف والمواقف في المجال البيئي تنطلق من نظرة إلحادية. ولولا عبارات وردت في بعض أهداف الدروس في الدليل التربوي، وهي قد لا تزيد على عدد أصابع اليد، من مثل: الشكر لله وتقدير عظمته، لجاء محتوى منهاج اللغة العربية، من حيث مساهمته في تكوين منظومة عقدية إيمانية، خالي الوفاض. والنصوص التي وُضعت خدمة لمفاهيم بيئية وترغيباً في التزام سلوك بيئي تعزل السلوك عن كل ما يحركه من أفكار وقيم. وحتماً إن التزام السلوك من غير أساس فكري معرفي يُبقى صاحبه عرضة للانحراف به، أو للتخلي عنه. فللقيم مصادر، ولا بد في اكتسابها من مكون عقلي، ومكون وجداني وثالث يتجلى في الطبيعة الجبلِّيَّة للفعل ابتداءً أو لرد الفعل، إقبالاً أو إحجاماً أو حياديَّة. ولا بد من ممارسة خبرات متعددة، ليصبح المتعلم قادراً على الاختيار العقلاني مما يراه قيماً صالحة، من مجموعة أبدال ممكنة، وعندئذٍ سيعتز بالقيمة ويعلي من شأنها ويمارسها([12]). ويبدو أن هذا كلّه لم يعِره معدو المحتوى أي اهتمام. وجاءت ترجمة الأهداف القيمية، عامة، وفي المجال البيئي منها، خاصة معتمدة طرائق تقليدية، تقصِّر عن النهوض بمهمة إكساب المتعلمين قيماً تربوية. فإن لم يصدر عمن اكتسب القيمة موقف، فإننا نحكم أن القيمة لم تُكتسب.
    وقد قلنا في مبحث القيمة، إنّه لا بدّ أن يُلحظ فيها القصد من وراء العمل أو السلوك. وهو ما يعبَّر عنه بالنية و(إنما الأعمال بالنيات...) ([13]) كما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فالتزام القيم البيئية يتلخص بالاستخدام الرشيد للأرض، باطنها وظاهرها وغلافها...إلخ. وفي مجال البيئة وقيمها تقول صحفية هولندية: في الوقت الذي نواجه فيه آثار التلوث والإسراف في استخدام موارد الطبيعة والتصحر وشح الماء في بعض الأماكن في العالم مع المعاناة من الفياضانات والعواصف... ربما يكون من الملائم لنا جميعاً : مسلمين ونصارى ويهود وهندوس وبوذيين وملاحدة أن نأخذ ورقة من كتاب محمد صلى الله عليه وسلم لنواجه الأزمة البيئية الحالية بجدٍ وحكمة.([14])


العلاقات الاجتماعية والقيم المرتبطة بها:
    تنظر المناهج إلى المدرسة على أنّها مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى. لذلك فإحدى أهم مهماتها هي إعداد المتعلمين للحياة، في إطار علاقات اجتماعية تلبي حاجتهم الفطرية للعيش في مجتمع إنساني، فالإنسان مخلوق اجتماعي، والمناهج بأهدافها ومحتواها يجب أن تتمثل المبادىء الاجتماعية، وصور النشاطات والعلاقات الاجتماعية، لكن السؤال الذي يجب ألا يغيب عن أذهان مصممي المناهج ومعدي المحتوى هو: من أيِّ مجتمع ننطلق؟ وأيَّ مجتمع نريد؟ فتأتي أهداف المناهج وعناصرها الأخرى وخاصة المحتوى، بناءً على تلك الاجابات. فكيف تبدو صورة العلاقات الاجتماعية في منهاج اللغة العربية للأول أساسي؟ وما القيم التي اشتملت عليها؟
أ- الأسرة والقيم المتعلقة بها: إن صورة الأسرة في محتوى منهاج الأول أساسي هي صورة الأسرة في مجتمع إنساني عام، لا تبدو له هُوية أو انتماء، وقد ركزت الأهداف والنصوص والنشاطات في مجالات التربية الأسرية، على قيم ومفاهيم عامّة، وقد أفردوا للعائلة محوراً خاصاً، جاء تحت عنوان " أنا وعائلتي " [ الدليل التربوي: ص: 70] وقد كثرت في كتاب المتعلم المواقف الأسرية والقيم التي يجب أن تسود الأسرة. وليس في كتاب المتعلّم درس خاص أو محور محدّد عن الأسرة. ومن القيم التي تتصل بالأسرة وقد اشتمل عليها المحتوى:
1- تنمية شعور الطفل بالأمان والطمأنينة في أسرته، واعتزازه بالأهل                          والبيت وإدراكه أنّ البيت السعيد تسوده المحبة والتعاون.
2-  وجود الكبير والصغير بين أفراد الأسرة،. فالكبير يعتني بالصغير ويعطف عليه، والصغير يحترم الكبير ولا يزعجه [ الدليل التربوي ص: 72].
3- التعاون في ترتيب البيت وتنظيفه والمحافظة عليه [ الدليل التربوي ص: 74].
4- علاقة الجدة بالحفدة : " أجمل أيامنا يوم تزورنا جدتي وتنام معنا" [الدليل التربوي ص: 75].
5- التعرف إلى آداب المائدة وممارستها: [ الدليل التربوي ص: 76 – 78 ]. ومما جاء في هذا المجال " الكلام على الطعام غير مستحب " و "على الإنسان ألا يأكل إلا من صحنه " وقيمنا الإسلامية في هذا الموضوع تخالف هذا التوجه([15]).
6- التزاور وحسن استقبال الضيف، والقيام بواجبات الضيافة [ الدليل التربوي ص: 75 وص:81] وقد احتل التزاور مساحة واسعة من كتاب القراءة. وقد بدأت عدة دروس بالفعل زار [ كتاب القراءة : ص: 17 – 19 – 21 – 29 – 33...إلخ] فالتزاور بشكل عام سلوك إسلامي.
وفي حالة المرض والموت تصبح من حق المسلم على المسلم([16]).
وإكرام الضيف واجب إسلامي ([17])، لكن صورة الأسرة مع أضيافها جاءت أحادية، فالاختلاط قائم، والمرأة حاسرة سافرة...إلخ. وليس في الدليل التربوي أو في نصوص كتاب القراءة شيء عن آداب الزيارة والاختلاط في أثناء الزيارة، بين الرجال البالغين والنساء البالغات الأجنبيات، أي اللائي يحل  للرجل الزواج منهن، يبدو وكأنه الحالة الوحيدة في المجتمع اللبناني. ونحن نسأل: كيف سيفهم الطفل سلوك أسرته الملتزمة آداب الإسلام في الزيارات وفي العلاقات معَ الأصحاب؟؟ وما المشاعر التي ستخالجه عندما يقرأ ويتعلم في المدرسة سلوكاً اجتماعياً أحادياً، ثم يرى في بيئته وبين أفراد أسرته سلوكاً آخر؟!! أليس من حق هذا المتعلم أن تعكس المناهج صورة العلاقات الاجتماعية كما هي؟؟ أليس من حقه أن يرى سلوك أسرته فيما يقرأ؟!! إن التزام أهداف منهج اللغة العربية، وكذلك محتواه صورة واحدة أحادية للأسرة في لبنان، هي صورة الأسرة غير المتدينة، يُعد مجانبة للقيم التربوية عامة، ولتلك التي تنادي بها المدرسة الاجتماعية خاصة.
7-  دور الأم والأب في رعاية أبنائهما وحمايتهم [ القراءة العربية: ص: 39 وص: 88] وقد اقتصر دور الأم على نماذج من الحيوانات.
8-  تربية الأم أبناءها على الاستقلالية، في الاختيار والمواقف. ( لم اشترِ لك علبة التلوين لأنني أحب أن تختار العلبة والألوان التي تحب بنفسك). ( فوليد هو الذي سيختار علبة التلوين، يا للروعة!) [ الدليل التربوي ص: 64 ] فأن يختار الطفل بنفسه ولنفسه أمر تربوي جيد، ولكن يجب ألا يتعارض مع قدرات الأهل، وليس هناك أي إشارة إلى وجوب مراعاة قدرة الأهل. ويجب أن تخضع هذه القيمة لقيم أخرى، أو تتوازن معها على الأقل. فإن إطلاق العنان لرغبة الطفل وخياراته، بغض النظر عن المنظومة القيمية، يورث علاقة سيئة، ومخاطر تربوية سلوكية، يصعب علاجها مستقبلاً.
9- تربية المتعلم على حب التعاون معَ أفراد أسرته، وممارسته بعض الأعمال مثل: قطاف الزيتون والعنب...إلخ. [ الدليل التربوي ص: 94] وقد أفردوا لهذه القيمة: " التعاون والمساعدة " درساً خاصاً عنوانه "دوري في المساعدة " [كتاب القراءة ص: 97] وقد قدمت في هذا الدرس فكرة جيدة تدعو إلى اتخاذ يوم في السنة في القرية أو الحي يقوم فيه القادرون بأعمال عامّة ومنها: رعاية الحديقة العامّة وزراعة الورد فيها، صيانة مبنى المدرسة...إلخ.


ب- قيم البيئة المدرسية وما يتعلق بها اجتماعياً:
     إن اول ما يطالعنا في محتوى منهج اللغة العربية للأول أساسي هو البيئة المدرسية. وفي المدرسة لا بدّ للمتعلّم من علاقات اجتماعية مع المدرسين والمدرسات والعمال والأقران ورفاق الصف خاصة. ومما ورد في هذا المجال:
1-  فهم نظام المجتمع المدرسي الجديد على أطفال الأول أساسي. فالوقت صار جزءاً من النظام في هذه البيئة الجديدة، فوقت للدخول، ووقت يحدد بداية الحصة، وآخر يعلن نهايتها عبر قرع الجرس، ونظام الاصطفاف والدخول والخروج، والتوزع على المقاعد في الصف. .[الدليل التربوي: ص: 51 و ص: 52].
2-  التعرف على أصحابٍ جدد، والتآلف معهم، واحترام آرائهم، وآداب الحوار معهم...إلخ. [ الدليل التربوي: ص : 51 و ص: 52 و ص: 58].
3-  احترام ممتلكات المدرسة وأدوات الصف، والمحافظة على نظافتها عامّة، وصف المتعلِّم خاصة. [ الدليل التربوي ص: 61].
4-  التمرس في العمل الفريقي، واحترام أعضاء الفريق، وتقدير آرائهم، والإصغاء إليهم، وحسن التصرف معهم، والتمتع "بالروح" الرياضية. [الدليل التربوي : ص: 63].
5-  حسن التصرف مع الآخرين واستخدام مفردات اللياقة وعباراتها: شكراً – عفواً – من فضلك...إلخ. [ الدليل التربوي: ص: 63].
6-     الاهتمام بالكتاب والمحافظة عليه. [ الدليل التربوي : ص: 63].
7-     استشعار الجمال، وتقدير الألوان من حولنا. [ الدليل التربوي ص: 64].
8-  تربية المتعلِّم على السلوك الديموقراطي، وعلى مفاهيم الديموقراطية، وحرية الرأي...إلخ. فالمسؤوليات في الصف تتوزع عن طريق الانتخابات الديموقراطية [ الدليل التربوي: ص: 62].
    والجدير ذكره أن هذه القيم جميعاً وردت في الدليل التربوي ولا تجد شيئاً منها في كتاب القراءة. فالنشاطات التعليمية ما زالت محصورة في الدليل التربوي، ولم يوضع كتاب القراءة، والذي يبدأ بمحور البيئة والغذاء، بعد بين يدي الأطفال.

ج- قيم تربوية تتعلق بسلوك المتعلم في الشارع. إنّ الشارعَ مكان من الأمكنة التي يعيش فيها الإنسان جزءاً من وقته. ذلك أنّه بحاجة إلى التنقل من بيته إلى مكان عمله، أو إلى الأسواق أو إلى المسجد، أو إلى المدرسة...إلخ. وبعض النّاس قد يُنفقون من أوقاتهم في الشارع الوقت الكثير، ولا شك أنّ للشارع آداباً تنظِّم العلاقات بين النّاس عليه، من مكان الجلوس فيه، إلى طريقة السير، إلى إفشاء السلام وغضّ البصر وذكر الله تعالى([18]) ومما ورد من قيم تربوية تتعلق بسلوك المتعلم في الشارع:
1-    احترام إشارات السير، وقوانينه. [الدليل التربوي: ص: 54].
2-  اتباع قواعد السلامة في الانتباه إلى إشارات السير، والتوقف قبل اجتياز الشارع للنظر يَمنة ويَسرة. [ الدليل التربوي: ص: 56].
3-    انتظار حافلة المدرسة وكيفية الصعود إليها والنزول منها [ الدليل التربوي: ص: 55].
4-  مساعدة العجزة وكبار السن الذين يصادفهم الطفل في الشارع، فيحمل لأحدهم كيس أغراضه ويوصله إلى البيت [ الدليل التربوي: ص: 64].

د- القيم التربوية في مجال الصداقة:
    تبدو صورة الصداقة في كتاب القراءة والدليل التربوي للأول أساسي محاكاة للصداقة بين الحيوانات، وقد جاءت متكلَّفة تضاد طبيعة الحيوان، وتريد منه أن يعاديَ غريزته، فيصبح الكلب صديقاً للقط [ كتاب القراءة:ص: 45 وص: 46] والمهر والعجل يلاعبان الفراشات [ كتاب القراءة: ص: 88]. واللافت أنّ دروساً ثلاثة في كتاب القراءة، جاءت في مجال الصداقة، هي كلّها عن الحيوانات، ومما ورد في هذا المجال:
1-     الكلب يأخذ قوته ( السمكة ) ويقدمها للهر الذي كان يرتجف من البرد في كوخه [ كتاب القراءة : ص: 45].
2-  الكلب يأكل مع القط في صحن واحد، تقدمه لهما الطفلة صباح، فتنعقد بينهما أواصر الصداقة. ثم يصيران معاً صديقين للعصافير [كتاب القراءة: ص: 47].
3-  وتحت عنوان ( ثلاثة رفاق) يحدثنا النص عن مهر وعجل وجدي يلاعبون الفراشات؟!! ولا أعرف من أين جاء المؤلِّفون الكرام بكل هذه الصور الغريبة عن الصداقة، وما حاجتهم لصداقة الحيوانات فيما بينها لنقدمها نموذجاً للصداقة بين أبناء البشر؟! وكأن التراث الإنساني كلَّه، ليس فيه صداقة بشرية. ثم إن صفات الصديق غائبة في أكثر النصوص. وحتى على مستوى الكسب اللغوي. أليس المتعلم بحاجة إلى مفردات وعبارات من مثل: مخلص – كريم – ودود – محب. وصديقك من صَدَقَك، ورفيقك من رَفق بك...إلخ.
   وكما نلاحظ، فالعلاقات الاجتماعية، على المستوى الأسري وعلى مستوى الصداقة أو الشارع أو المدرسة، لا تعثر فيها على منطلق، ولا تقف فيها على أصل، وليس لها مرجع، ولا ترتبط بقصد، فهي بتراء من ذلك كلِّه. ولا علاقة لها بدين، ولا نمارسها لوجه الله تعالى، أو امتثالاً لأوامر ربّانيّة، إنّما هي علاقات إنسانية عامّة، لا هُوية لها، والمؤلفون يستجيبون بذلك لثقافة العولمة ومفاهيمها كما تقدم في غيرها من القيم.
هـ- القيم التربوية المرتبطة بالانتماء والهوية.
    تنتشر في المحتوى، سواء في الدليل التربوي، أو في كتاب القراءة، عدّة انتماءات أبرزها:
1-     الانتماء إلى الأسرة والشعور بالأمان معها. [الدليل التربوي ص:177] و[كتاب القراءة ص: 101 ].
2-     الانتماء إلى الفريق، واحترام نظامه. [ الدليل التربوي: ص: 98].
3-     الانتماء إلى القرية أو الحي. [ كتاب القراءة:  ص: 97].
4-  الانتماء إلى الوطن ( لبنان ) والتحسس بأهمية الوطن، وتقدير القلم رمزاً له. وذلك في النشيد الوطني: (سيفنا والقلم). وتقدير الجيش واحترامه [الدليل التربوي : ص: 138]. وإعلاء شأن العَلَمِ اللبناني، وإنشاد النشيد الوطني [الدليل التربوي: ص: 139].
5-  إعلاء قيمة ذكرى استقلال لبنان، وكل ما على الأرض اللبنانية يشارك بهذه الذكرى، حتى أن الزيز يرسل نغمات زيزية  بهذه المناسبة.[ الدليل التربوي: ص: 140] فنعم الاستقلال، ونعم الاحتفال!
    ولم نقع على قيمة واحدة ترتبط بانتماء المتعلِّم إلى العرب، أو المسلمين، في الأهداف أو في النصوص أو في النشاطات. ولولا أنشودة أُثبتت في [الدليل التربوي: ص: 54] جاء فيها: من[المحدث]:
                  هـذا صـفــي                   هــذي كتبــي
                  تُشـرق فيـهـا                    شمس العــرب
                  هيــا نـقــرأ                   أحـلـى لغــةِ
                  لغتـي الفصحـى                   مـا أجمـلــها
لجاء المحتوى غيرَ مشتمل على كلمة " عرب" وقد لا يعرف المتعلِّم الذي يقرأ كتاب القراءة، من أوله حتى آخره، أنّه عربي، أو مسلم أو غير ذلك. ومرة أخرى عدنا لنبحث في أهداف الدليل التربوي الخاصة بهذا المحور، الذي وردت فيه هذه الأنشودة، علّنا نقع على التفاتة واحدة من خلال مفردة، أو عبارة، عن انتماءٍ لقوم اسمُهم العرب، أو لرسالة اسمها الإسلام، لكننا ما نفعتنا الأمنيات ولا الرجاء. فمُعِدُّو المحتوى يُصرُّون على اللاهُوية في كل القيم، حتى الوطن لبنان في هذا المحتوى لا سمات أساسية له، ولا تاريخ ولا أبطال...إلخ وقد اكتفى معدو المحتوى بهدف واحد جاءت صيغته عامة تصلح لكل وطن.
و- القيم التربوية المرتبطة بالصفات الشخصية:  إنَّ تكوين مواطن صالح، هو اللبنة الأولى في بناء مجتمع صالح. والمواطن الصالح يُبنى وفق صفات وسمات شخصية، يسعى المربُّون إلى إكسابه إيّاها. وقد اشتمل محتوى الأول أساسي على عدّة قيم في هذا المجال ومنها:
1- تنمية الميل للتعلّم الذاتي، ورعاية ملكة البحث والرغبة في الاستطلاع. وذلك عبر مواقف عديدة من مثل: مراقبة تغيرات الطبيعة في الفصول. [الدليل التربوي: ص: 142] مراقبة الأشجار، لتمييز التي تسقط أوراقها عنها من تلك التي توصف بأنّها دائمة الاخضرار، جراء بقاء أوراقها وتجددها بشكل متواصل. [ الدليل التربوي: ص: 146] مراقبة الحيوانات للتعرف على سلوكها، وهذا كثير في كتاب القراءة ومنها [ ص: 19 – 27 – 31] ونشير إلى أننا لم نلحظ أيّ نشاط لتنمية الميل للتعلم الذاتي لغوياً.
2- تنمية القدرة على الإحساس بالجمال: [ الدليل التربوي: ص: 62] من مراقبة رسومات وصور...إلخ. وداد تصنع سواراً من ورد لأمها، فيقول والدها لها: أنا مسرور منك، لأنك تختارين الأشياء الجميلة.[ الدليل التربوي: ص: 136] كما لم تغب عن ذهن معدي المحتوى، علاقة الجمال بحاستين معاً، جمال الزهور وطيب رائحتها.
3- الكرم والإيثار: فقد تضمَّنت إحدى القصص في [ الدليل التربوي: ص: 174] موقفاً في هذا المجال، فقد قدَّم أحد الأطفال المناقيش التي كانوا قد أَعدوها إلى عمال الإطفاء.
4- التواضع وعدم الغرور: وقدموا هذه القيمة من خلال قصة سباق الأرنب والسلحفاة المعروفة. [كتاب القراءة : ص: 43].
5- إعلاء شأن الأمانة: وقد سردوا قصة عن طفل اسمه نبيل تملك أسرته دكاناً، فسافر الوالد، ومرضت الأم، فاستلم نبيلٌ الدكان. وعندما راجع محصول بيعه في ذلك اليوم، اكتشف أنّه أخطأ بليرة واحدة، فذهب إلى المرأة (هالة) رغم المطر والريح في ذلك اليوم العاصف وأعاد لها (الليرة). ومرت الأيام وصار نبيلٌ رئيسَ شركة كبيرة. وصار اسمه: " نبيل الأمين". [ كتاب القراءة: ص: 93-94].
6- التحلي بالروح الرياضية: وأود أن أشير إلى ضبابية مفهوم هذه العبارة، وموقفنا هنا هو نفسه موقفنا من استخدام مصطلح القيم الروحية. ولو قالوا: الأخلاق الرياضية، أو السلوك الرياضي، لكان مطابقاً للواقع، ولمقتضى الحال. ومُعِدُّو المحتوى قدموا صورة لهذا السلوك الرياضي وهي، قبول فريق الخسارة بلا إحباط، واعتزاز الفريق الفائز بلا مباهاة أو غرور (خسارة بلا إحباط وفوز بلا مباهاة). [الدليل التربوي: ص:58]. فالرياضة بنشاطاتها المتعددة، وأنواعها حافلة بعشرات المواقف السلوكية. وَتقديم الصورة الثنائية هذه ضروري، ونراها التفاتةً قيميةً تربوية؛ إذ يركز الكثير من التربويين على الرضى بالهزيمة فحسب؟!
7- تربية النفس على بذل الجهد والتصميم للوصول إلى الأهداف: ويتجلى ذلك في قصة " سر غادة " [ كتاب القراءة: ص: 101] وكيف اعتمدت على نفسها ونظَّمت وقتها، وبذلت جهدها حتى صارت في فريق المدرسة، ومن ثَمَّ في فريق المدينة، وصولاً إلى فريق لبنان لكرة السلة.
8- ومن المواقف التي نَعدها نقائص تربوية في هذا المجال، ما ورد تحت عنوان (تنمية الذوق الفني)، والتفاعل مَعَ الموسيقى والايقاع الجميل [الدليل التربوي : ص: 68]. والرقص الحر على الأنغام [ الدليل التربوي: ص: 69] ولا نعد تنمية الذوق الفني من النقائص،([19]) ولا نعد الاستماع إلى الموسيقى الخاصة بالأطفال من النقائص، وكذلك لا نعد رقص الأطفال من النقائص. ولكن الدليل التربوي أوكل الأمر إلى المعلمة لتختار شريط فيديو. أي ما يسمى " فيديو كليب " وكذلك طلب منها أن تختار معزوفة إيقاعية. وهل كل المعلمات يعرفن ما يجوز وما لا يجوز في هذا المجال؟ وهل تلتزم المعلمة التي تعرف ذلك، بما يجوز منه فحسب؟!
     ولم نقع في المحتوى كلِّه على أي موقف له علاقة بتربية الخوف من الله عزّ وجل ولا بتربية حبه تعالى، وليس هناك موقف فيه طمع بالجنة أو خوفٌ من النار. إذاً فالصفات الشخصية، لم يعتمد معدو المحتوى في تربية المتعلِّمين عليها، أو في العمل على إكسابهم إياها؟؟؟ أيّاً من مفاهيم التربية الإيمانية، فأنَّى لها أن تصبحَ مَلكة، أو صفة لازمة يتحلى بها المتعلِّمون؟

 ز- القيم المتصلة بالصحة والغذاء والنمو السليم.
    إن أَعلى القيم التربوية في هذا المجال هي النظرة المتكاملة إلى الإنسان، من حيث هو جسد وعقل ونفس أو ( روح ). فهل راعى محتوى المنهج ذلك؟! هذا ما سنقف عليه بعد استقرائنا هذا المحتوى. وقد وقعنا على عددٍ من المفاهيم المرتبطة بتلك القيم. ومنها:
1- حاجة الطفل إلى : اللعب، والعمل، والاستراحة.[ الدليل التربوي:ص:58].
2- أهمية النوم، وتنوع الغذاء : لحوم – خضراوات – حبوب – حليب – ومشتقاته...إلخ. وأهمية غسل الخضراوات والفاكهة.[ الدليل التربوي: ص: 70] نطبخ ونأكل وننام.[ الدليل التربوي:ص: 76] وللترغيب بأكل التفاح أوردوا أنشودة جيدة في [ الدليل التربوي: ص: 77] وفيها: من [الرجز]:
وعطـرهـا الزكي                 والطـعـم سكـري
3- معرفة قواعد السلامة للركوب في السيارة، واحترام قوانين السير عند اجتياز الطريق. [ الدليل التربوي: ص: 54].
4- أهمية المحافظة على الأسنان، وحمايتها من السكاكر: [ الدليل التربوي:ص: 168].
5- ومما جاء في كتاب القراءة في مجال الغذاء: مربى المشمش طيب، والموز طيب: [كتاب القراءة ص: 23]. " ما ألذ طعم الذرة " [ كتاب القراءة: ص: 63] " .... أعطت لنا عسلاً طيباً " . [ كتاب القراءة: ص: 85].
6- وما جاء غير منسجم مع القيم في هذا المجال:
أ- الترغيب بالماكولات المعلَّبة: "كل فاكهة لبنان و"خضره "وحبوبه صارت هنا في العلب والأكياس. وكل إنتاج المزارع من ألبان وأجبان ولحوم..."[الدليل التربوي: ص: 155].ونلفت إلى شيوع استخدام كل خطئاً كما في هذه الحالة. وحقها أن تقع بعد الكلام لا قبله. فنقول: إنتاج المزارع كلّه...
ب- الطبيب يشفي ويزيل الألم. " وما الذي أزال ألمك يا محمد؟ زيارة طبيب الأسنان ". [ الدليل التربوي: ص: 170]. والله تعالى هو الشافي. وكان معدو المحتوى قد أوردوا هذا المفهوم الاعتقادي في أنشودة [الدليل التربوي: ص: 65] جاء فيها: من[ مجزوء الرمل]:
وهـب المسكيـن قوتـاً              وامنـح المرضـى الشفـاء.
  إلا أنّهم لم يلتفتوا لهذا المعنى الجليل في الأهداف.
ج- قُدِّمت المفاهيم المتعلقة بالصحة والغذاء كلِّها من غير ارتباط بالخالق عز وجل، والله تعالى يقول : ﴿ ...وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:2/22].. فالخط العريض في المحتوى، أن ذلك كلّه هبة الطبيعة، ومن تنظيمها. فالنحلة بذكائها تطير وترصد الأزهار، والأزهار بكرمها تعطي النحلة الرحيق فيكون عسلاً طيباً لنا[ كتاب القراءة: ص:85] وكأن الأزهار تنبت من تلقاء نفسها، والنحلة لم يوحِ الله تعالى إليها ﴿وأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ ﴿ُثمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ سورة النحل:16/ 68-69]. فهل معدو المحتوى لا يتفكرون؟! والطبيب يشفي من الألم، وكأن النوم اختراع الإنسان!! والله تعالى يقول: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً [ سورة النبأ: 78 / 9] ﴿َومِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [ الروم:30/23]. وإن في ذلك مجانبةً بل معاداة لقيم المنظومة الإيمانية في الرسالات السماوية عامة، والإسلامية خاصة.
ح- القيم المتصلة بالعلوم والمعارف.
    إنّ من أهمّ القيم المرتبطة بالعلوم والمعارف، أن تكون موصولة بالعليم العلاَّم، وأن تُوظَّف في خدمة الإنسان. وهناك قيم متعلقة بطبيعة المادة العلمية وموضوعاتها، وأخرى ملاصقة لخصائص اكتساب المتعلِّم تلك العلوم. أمّا المهارات العلمية من تنمية القدرة على الملاحظة، والتصنيف، والتعميم والتخصيص...إلخ. والمعارف العلميَّة فتكاد تكون عامّة وغير منتمية، فعمّ أسفر استقراؤنا محتوى منهاج اللغة العربية للأول أساسي في مجال القيم المتصلة بالعلوم والمعارف؟
أ- جاء المحتوى حافلاً بالكثير من المعارف والمعلومات في أكثر من بيئة، وفي أكثر من موضوع أو مجال. ومنها:
1- التفريق بين حالات الجو. واستخدام مفردات محددة للتعبير عنها: غائم، مشمس، بارد، جاف...إلخ [ الدليل التربوي:ص: 58].
2- تَعرّفُ المتعلّم بالجهات، والمواقع: شرق، غرب، شمال، جنوب، قربَ، بين، على، أمام، خلف، وسط...إلخ. [ الدليل التربوي: ص: 62].
3- التعرف بالبيت، أقسامه، والأدوات المستخدمة في كل قسم. [ الدليل التربوي: ص: 74-77-80].
4- معرفة بعض أنواع الورود والزهور، ومعرفة ما تحتاجه النباتات لتنمو. [الدليل التربوي: ص: 83-84].
5- معرفة الضرر من إبقاء الورود والزهور في غرفة النوم ليلاً. [الدليل التربوي:ص: 128].
6- إكتشاف أنواع المياه ومصادرها، ومعرفة ميزات الأجسام في المياه. [الدليل التربوي: ص: 91].
7- معرفة بعض خصائص الحديد وأنّه يلين بالنار. [ الدليل التربوي: ص: 163].
8- معارف زراعية كثيرة: أنواع الأشجار، مثمرة وغير مثمرة، دائمة الاخضرار. أنواع الثمار، معرفة بعض أنواع الأمراض التي تصيب الشجر.[كتاب القراءة: ص: 23 – 27 – 31 – 81 ...وغيرها]
9- معارف مختلفة: صناعة الشوكولا [ كتاب القراءة: ص: 107] تخمير الموز [ الدليل التربوي: ص: 155]. الواوي يشبه الكلب بأشياء ويختلف عنه بذيله الطويل...إلخ. [ الدليل التربوي: ص: 130]. دور عناصر مجتمع النحل، وعلاقة الزهور بالنحل والعسل. [ كتاب القراءة: ص: 84 – 85].
أظهرت الأهداف تقدير أهمية القراءة والكتابة في حياة الناس[ الدليل التربوي: ص: 66]
ب- وَهذه المعارف، رغم كثرتها، لم تأتِ على أساس قائمة معرفية مناسبة لهذا العمر الزمني، ولخصائصه العقلية. فنجد منها معارف قد خبرها أطفال الأول أساسي في سن الرابعة والخامسة. مثل: أطول، أقصر، أكبر،...إلخ.[ الدليل التربوي: ص:63]. وأقسام البيت وتعداد ما فيها. كما نجد مفاهيم أعلى بكثير من مستوى هذا العمر الزمني للأطفال مثل: آخر العالم، الجدول ذاهب إلى البحر الكبير...
ج- اعتنى معدو المحتوى، بحشد المعارف والعلوم،  مكتفين بذكرها. ولم يلتفتوا إلى القيمة التربوية الأهم، وهي تنمية شخصية المتعلّم في جانبها العلمي، فالتوازن بين كمية المعارف، والنشاطات التي تساعد في تكوين شخصية علميَّة، قيمة تربويَّة لا يستغنى عنها. فالتعليم لا يكون ملبياً لأهداف الأمّة، إلا إذا اتصف بالتوازن هذا، واستطاع صياغة شخصية متعلّم متوازنة متكاملة([20]).
د- ليس هناك، في الدليل التربوي، أو في كتاب القراءة، أو في دفتر التمارين، أيُّ صلة بين هذه المعارف والعلوم، والإيمان، فكأنهم يرفعون شعار العلم للعلم، ولا تنتمي هذه العلوم إلى أي منظومة معرفية عقدية. وليس لها أي علاقة بتراث الأمة العلمي، ولا بأي عَلَمٍ من أعلامها في أي مجال علمي.
     إذاً يمكننا القول: إن القيم التربوية في هذا المجال غائبة تماماً، والذي عُوِّل عليه هو كم المعارف ليس إلا باستثناء ما ورد عن أهمية القراءة والكتابة.
ط- القيم المتصلة بالمهن والمهنيين.
     تتعدَّد المهن وتتطوَّر، وتتنوَّع تبعاً لتعدد احتياجات الناس، وطلباً لراحتهم ورفاهيتهم. فحاجة الإنسان إلى الغذاء والكساء، والأمن والترفيه، ظلت تتراكم وترتقي، حتى بتنا نرى من المهن القليل مما نعلم، والكثير مما لا نعلم. إذاً فالمهن والصناعة من الحاجات البشرية. ولم يستغنِ عنها حتى الرسل والأنبياء.فهذا سيدنا نوح يتلقَّى الأمر من ربه تعالى ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ [ هود: 11/37] وهذا سيدنا سليمان يعلِّمه الله تعالى ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُون  [ الأنبياء: 21/80]  فالقيمة الأساسية أن يكون للمرء صنعة حلال، ثم إن هناك قيماً في مجال الصناعة عامة، من مثل: الدقة والإتقان، والنصح وعدم الغش. كما أن لكل صنعة قيمها الخاصة. فهناك مهن تكون السرية فيها قيمة عالية. وصرنا نسمع اليوم بالتزام المواصفات، قيمة من قيم الصناعة. ولا تنفك الصناعات كلُّها مرتبطة بالقيم الشرعية عامة من تقوى، وإخلاص... إلخ. وتدور مع الأحكام الشرعية من حلال  وحرام ومباح ومكروه...إلخ لذلك لم يُترك أمر الصناعة والصناعيين بدون نصح، أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر... وكان منصب المحتسب من أجلّ المناصب الدينية بعد القضاء([21]). واستجابة لأمر الله تعالى، قد تولى الرسول صلى الله عليه وسلم الحسبة بنفسه، وقادها غيرُه في حياته، واتبعها من بعده الخلفاء ([22]) إذاً فالقيم المرتبطة بالصناعة قيم ترتبط بحياة الناس ومصالحهم في الدنيا وبحسابهم في الآخرة، فهل من قيم في هذا المجال في محتوى منهج اللغة العربية للأول أساسي؟!
    إن المطالع لهذا المحتوى، قد لا يقع على قيم وثيقة الاتصال بالصناعة، وقد يكون عذر معدي المحتوى، أنّهم أعدوه لأطفال في سن السادسة إلى السابعة. ولا علاقة لهؤلاء الأطفال بالصناعة. والجواب أننا لن نعلم الأطفال  من خلال المحتوى عدداً من الصناعات، لكننا نعلِّمهم قيماً تتصل بها من مثل: الأمانة وعدم الغش، الانجاز في الوقت المطلوب، بذل الجهد في محاولة إتقان الصنعة...إلخ إلا أننا لم نجد شيئاً من ذلك، وجاءت القيم في مجال الصناعة وأصحاب المهن محصورة بـ:
1- الشعور بفائدة المهنة عامة وتقدير مهنة الحداد. [ الدليل التربوي: ص: 161].
2- تقدير المهندس الزراعي ودوره في تحسين الإنتاج [ الدليل التربوي: ص: 165].
3- تقدير دور الطبيب في المحافظة على الصحة. [ الدليل التربوي: ص: 168].
4- تقدير دور رجال الإطفاء، وشجاعتهم: [ الدليل التربوي: ص: 172].
    والملاحظ أنّ هذه البنود الأربعة جميعاً، هي أهداف تربوية أثبتها معدو المحتوى في الدليل التربوي تحت نوع واحد من أنواع الأهداف السلوكية. عنيت بذلك الأهداف الوجدانية، وذلك واضح في استخدام مفردات: الشعور، تقدير. وهذا، أي حصر موضوع ما في مجال الأهداف الوجدانية، يُعد من العيوب التربوية.
وبالعودة إلى كتاب القراءة، نجد أنّ معدي المحتوى قد أفردوا محوراً خاصاً تحت عنوان (أشخاص أحبهم ومهن أحبها) والعنوان" أحبهم، أحبها"، أيضاً جاء تحت المجال الوجداني. وفي نصوص الدروس في [ كتاب القراءة: ص: 27 - 29 - 33 - 35] لا تجد إلا إخباراً عن عمل صاحب المهنة، مثل:
1-    ( حوّل الحداد لوح الحديد إلى باب جميل. ص: 29).
2-    ( رش جودت شجر التفاح بالمبيدات. ص: 31).
3-    ( رش الطبيب دواءً في فم أمجد. أزال الطبيب السوس. ص: 33).
4-    ( أطفأ رجال الإطفاء الحريق في وقت قليل. ص: 35).
ويمكننا أن نقول: باستثناء الهدف الوجداني المتكرر وهو تقدير صاحب المهنة وحبه، ليس هناك من قيم تتصل بالمهن وأصحابها.


ي- القيم المتعلقة بالصور والرسوم ودلالاتها
     لن  نتوقف عند الخلافات الفقهية في مسألتي التصوير والرسوم. وسنكتفي بالإشارة إلى أنّ علماء الشريعة والفقهاء اختلفوا في حكمهما، والنوعان، التصوير الفوتوغرافي والرسم اليدوي أو باستخدام الحاسوب، مستخدمان في الكتب المدرسية، ونحيل الراغبين في الوقوف على الحكم الشرعي وأدلته في هذا الموضوع إلى الكتب المختصة([23]). ثمّ إنّ قيمة الصورة أو الرسم الأساسية هي أنهما من الوسائل المعينة في العمليَّة التعليميَّة التعلّمية، وتقدَّر الحاجة إليهما بناءً على معايير تربوية، وهما ضروريتان في الصف الأول أساسي وخاصة في تعليم الأطفال الحروف والمهارات المتعلقة بها. وكذلك في تعليم دقة الملاحظة من خلال إفساح المجال لهم أن يتأملوا الصور والرسوم، وإثارة اهتمامهم ومحادثتهم أو محاورتهم في مضمونها عامة. وقد صار ما يُعرف بـ(قراءة الصورة) من المهارات التربوية في المنهجية الجديدة، حيث يتم التركيز على علم دلالات الصورة من إشارات ومؤشرات ورموز، ومن ذلك : نظام الألوان، ودلالات الخطوط، ولغة الإشارات، ودلالات الزمان والمكان، والدلالات الاجتماعية من لباس وثياب...إلى الحركات وتعابير الجسد عامّة والوجه خاصة([24]).وقد قمنا باستعراض جميع صور الكتاب ورسومه، للوقوف على دلالاتهما القيمية. وقد تجمعت لدينا الملاحظات الآتية:
أ‌-  أكثروا من الرسوم، بحيث تجاوزت الحاجة. ففي بعض الأماكن تتابعت الرسوم في ثلاث صفحات: [ كتاب القراءة : الصفحات: 36-37-38] و [48 - 49 - 50] و [ 68 - 69 - 70 ] وهذا قد يَُضر بقيمة الصورة تربوياً.
ب‌-استُخدمتِ الرسوم بشكل أساسي، وليس في الكتاب إلا صورة فوتوغرافية واحدة لفرقة من الجيش اللبناني. [ كتاب القراءة: ص: 14] ولو أنّهم وازنوا بين الرسوم والصور لكان أفضل ، فالصورة يمكن أن تكون أصدق في تصوير الواقع. فرسوم الأسر كلُّها في الكتاب: في البيت أو السوق  أو في الحقل في أثناء النزهة، جاءت أحادية، أي تعرض شريحة من المجتمع اللبناني. وليس في الرسوم فتاة أو امرأة محجبة. ولو أنّهم جالوا بآلات التصوير في يوم من أيام النزهات، لجاءت الدلالات مختلفة. ولكانت أقرب إلى حقيقة الواقع الاجتماعي.
ج‌-   جاءت أكثر الرسوم المرافقة للدرس الواحد متسلسلة. وقد تصل إلى أربعة رسوم، كلٌّ منها في إطار، لتعبّر عن محتوى النص، وترافق نُموَّه، فيسهل فهم الأطفال له، وبالتالي تصبح قراءته أيسر عليهم، وهذا من القيم التربوية اللازمة.
د‌-      أكثرُ الرسوم تُظهر الاختلاط غير المحتشم. والنساءُ فيها سافرات يرتدين ثياباً قصيرة جداً، تكشف عن أكثر الساقين. [ كتاب القراءة: ص: 12 - 16 -20] .كما تكشف تماماً عن الساعدين حتى الكتفين. [كتاب القراءة:ص :22]. وهناك صورة للاعبات في ملعب كرة السلة لا يسترن إلا مساحة ضيقة من أجسادهن. [كتاب القراءة: ص: 100] وهذا فيه إيحاءات كثيرة. فهل الألعاب الرياضية، وكرة السلة منها، حكر على هذا الفريق من الإناث؟ ألا يمكن للفتاة المحتشمة، الملتزمة الحجاب الشرعي أن تمارس الرياضة؟!!
هـ- ليس في الكتاب رسم واحد يظهر فيه رجل بثياب عربية، أو مشرقية، فلا "طربوش"، ولا " حطة وعقال " ولا " لبادة " ولا " شروال " ولا " عباءة"... وكأن الذين يلبسون هذه الأنواع من الثياب ليسوا لبنانيين، والمناطق التي يعيشون فيها مثل الشوف، أو الهرمل... ليست من لبنان. وهذا كيد ثقافي، حضاري عقدي يريد حمل أجيالنا والذهاب بهم باتجاه معادٍ لقيمنا وتراثنا. وأقل ما يقال فيه: إنه ليس أميناً علمياً .حيث ينقل جانباً محدداًمن الواقع الاجتماعي، كذلك ليس تربوياً حيث يُهمل بيئة المتعلم، ولا ينطلق منها، ويتوسل غيرها. ثم إنني أسأل أليس من حق المتعلِّمين أن يتعرَّفوا على أسماء هذه الثياب؟!! أليس ذلك من الكسب اللغوي؟!.


(1) راجع ابن منظور، محمد بن مكرم؛ اللسان: مادة( خ – ل – ل) ج11/ص:218.
(1) راجع: الياس، جوزيف؛ نقاط على الحروف في منهج اللغة العربية  وآدابها ص: 13 وما بعدها. 
(2) مناهج التعليم العام الجديدة في الميزان، المؤتمر التربوي الإسلامي الخامس. الأيوبي، خليل؛ كتاب اللغة العربية للصفين الأول والرابع من التعليم الأساسي. ص: 151 وما بعدها.

(1) راجع: معروف، نايف؛ العربية خصائصها وطرائق تدريسها ص: 38 وما بعدها. 
(2) راجع في هذا المجال، السيوطي، عبد الرحمن، جلال الدين، المزهر في علوم اللغة وأنواعها باب( ذكر ضوابط واستثناءات في الأبنية وغيرها) ج2/ص:49 وما بعدها. 
 (1) راجع: جنسن، إيريك؛كيف نوظف أبحاث الدماغ في التعليم؟ ترجمة مدارس الظهران الأهلية في المملكة العربية السعودية: ص: 121 وما بعدها. 
  (2) راجع: مقدمة الدستور اللبناني، الفقرة: ج، والمادة العاشرة منه.
  (3) مناهج التعليم العام وأهدافها،1997 وزارة التربية الوطنية ، لبنان ص:4.
(1) راجع كتاب القراءة للأول أساسي. والعجيب أن عنوان المحور ( أعيادنا )  وليس فيه إلا درسان أحدهما هدية عيد ميلادي، ص: 70 والآخر ( عيد أمي) ص: 74 .ولو أن عنوان المحور كان (أعيادهم ) وتحدث عن هذين " العيدين" في الغرب لكان واقعاً صحيحاً.
  (1) أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل في صحيحه، كتاب: الأطعمة، ورقمه ( 70 ) باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين ورقمه ( 2) ورقم الحديث: ( 5376) ص:1010.
(2) أخرجه الإمام مسلم، بن الحجاج النيسابوري في صحيحه،  في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ورقمه( 48) باب: استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب. ورقمه ( 24) ورقم الحديث: ( 2734) ج4/ ص:1664.
   (1) راجع، القيم وطرائق تعليمها وتعلمها. دائرة التربية والتعليم، الأونروا – اليونسكو: E –p – 13 ص: 15 وما بعدها.
  (2) مر تخريجه سابقاً. ص: 63.
  (1) دو شارتل، فرانسيسكا؛ محمد صلى الله عليه وسلم، رائد الحفاظ على البيئة. موازين سلسلة كتب تحديات معاصرة. ص: 57.
   (1) في موقف الإسلام من الكلام على الطعام ومن تشابك الأيدي والأكل من إناء واحد أخرج الإمام البخاري محمد بن إسماعيل في صحيحه: كتاب الأنبياء ورقمه( 65) باب: ذريّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبداً شكورا، ورقمه(5) حديثاً طويلاً عن أبي هريرة يُستدلّ به على جواز الكلام بخير على الطعام ورقمه( 4712)ص: 861 . أُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة  ثمّ قال: أنا سيّد الناس يوم القيامة..." .
(2) راجع صحيح الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ كتاب الجنائز ورقمه ( 23) باب: الأمر باتباع الجنائز، ورقمه(2) الحديث رقم(1239) ص: 231.
  (3) راجع صحيح الإمام البخاري؛ كتاب الأدب. ورقمه( 78) باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ  جاره ورقمه(31) والحديث رقمه( 6018) ص: 1108.
(1) راجع: سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام: للإمام محمد بن إسماعيل الكحلاني، الصنعاني:آداب الجلوس في الطريق؛ كتاب الجامع؛ باب الترغيب في مكارم الأخلاق: ج 4: ص: 204. وقد ذكر آداب الطريق في أربعة أبيات نظمها شيخ الإسلام ابن حجر فقال[ من البسيط] :
جَمَّعْـتُ آدابَ مَـنْ رامَ الجُلوسَ علـى الط
طَّريقِ مِنْ قَوْلِ خَـْيِر الخَلْــقِ إنْسانـا
أفشِ السَّلامَ،  وَأَحْسِنْ في الكـلامِ ، وَشَمْـ
مِتْ عاطِساً وَسَـلامــاً رُدَّ إحْسانــا
في الحَمْلِ عاوِنْ ، وَمَظْلومـاً أَعِنْ  وَأَغِثْ
لَهْفانَ ، واهْـدِ سبيلاً واهْـدِ حيرانــا
بالعُرْفِ مُـرْ ، وانْـهَ عن نُكْرٍ وَكُـفَّ أذًى
وَغُضَّ طرْفـاً ، وَأَكْثِرْ ذِكـْرَ مولانــا

       (1) راجع، القرضاوي، يوسف؛ الإسلام والفن، سلسلة رسائل ترشيد الصحوة: ص: 26 وما بعدها.
 (1) رسلان، عثمان عبد المعز؛ دستور المعلمين: ص: 31.
(2) القرشي، محمد بن محمد بن أحمد؛ معالم القربة في نظام الحسبة. ص: 45 وص: 11.
(3) القرشي، محمد بن محمد بن أحمد؛ معالم القربة في نظام الحسبة. ص: 45 وص: 11.
    (1) راجع في هذا المجال: القرضاوي، يوسف؛ الإسلام والفن: ص: 79 وما  بعدها. وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم: ج4/ ص: 86 وص: 87.
 (2) راجع، أبي كرم، عايدة؛ استخدام الوسائل وإدارة الأنشطة التربوية. المادة التدريبية، اختصاص لغة عربية. من إصدارات المركز التربوي للبحوث  والإنماء:ص: 31.

No comments:

Post a Comment