المبحث التاسع: مفهوم القيمة عند علماء الاجتماع وفي الدراسات الاجتماعية:)تابع
قبل أن نذهب إلى ما كتبه علماء الاجتماع في مسألة القيم، يجب أن نلتفتَ إلى علاقة هؤلاء وما يصدر عنهم في مسألة القيم، وفي غيرها من المسائل، بالأصول العقدية والفلسفية والمبادئ الفكرية التي ينتمون إليها، فعالِمُ الاجتماع ِ يُصْدِرُ آراءه وأحكامه ويفسِّر الظواهرَ السلوكية َ الفردية والجماعية على أساس ٍ من ثقافته العقدية أو الفلسفية.
والمجتمعات، تتأثر كذلك بنظام الحكم والمؤسسات السياسية فيها، بما تحوي من قوانين اجتماعية، وقوانين اقتصادية وأحوال شخصية.... إلخ، وكذلك المؤسسات المدنية من نوادٍ وجمعيات، كلُّ ذلك مرتبط بعقيدة ٍ وفلسفة ٍ عن هذا الوجود. وبنظرة ٍ إلى الإنسان، عناصرِه وغايةِ وجودِهِ في هذه الحياة الدنيا.
فعالم الاجتماع المسلِم، سترتبط مقدماتُ بحثه في أي ظاهرة اجتماعية أو في أي مبحث من مباحث علم الاجتماع وكذلك نتائجه، سيرتبط ذلك كلُّهُ بعقيدته. وكذلك عالم الاجتماع الماركسي أو البراﭼماتي.
وإذا كانت الفلسفةُ تبحث في نشأة القيم، فإنَّ الدراساتِ الاجتماعية َ تبحث في آثارها وتغيرها وارتقائها وأنساقها. لذلك، إن القيمَ في الدراسات الاجتماعية فرعٌ على مباحث القيم في الفلسفة. ويقول أحدُ الباحثين في هذا المجال: " كان علماء الاجتماع، حتى عهد ٍ قريب ،ٍ يعتقدون أنَّ دراسةَ موضوع القيم هي من شأن الفلاسفة وحدهم"([1]).
وكما رأينا في مبحث "القيمة اقتصادياً، فإنَّ القيمةَ حتى عند علماء الاقتصاد لا تنفكُّ مرتبطة ً بعقيدة الاقتصادي وبفلسفته.
إضافة إلى ارتباط دراسة القيم بالدراسات الفلسفية، فإنَّ هناك سببا ً آخر يجعل علماء الاجتماع يبتعدون عن دراسة القيم، هو أن دراسة َ القيمِ لا يُمْكِنُ أن تكون علمية بمعنى الكلمة. ويؤكد هذا "ليفي ستراوس"([2]) الذي يقول: "إننا عندما نتكلم عن القيم إنما نتكلم عن الانفعالات والعواطف والظواهر غير المنطقية..."([3]).
والباحث الذي يسعى للوقوف على حدود مصطلح القيمة – " حديثاًً"- يجد أنه قد نال اهتماما ً بالغا ً على يد علماء الاقتصاد، حتى شاع مفهوم القيمة اقتصاديا ً، وألقى بظلاله على مفهوم هذا المصطلح في أكثر من علم وميدان، مما دفع بعض الباحثين إلى إطلاق "علم القيمة" على "علم الاقتصاد". ورغم كلِّ ما تقدم، نرى أن علماء الاجتماع – في السنوات الأخيرة – أولوا موضوع القيم كل اهتمام، ذلك أنهم يرون تأثيرها على المستويات الإنسانية عامة، أفرادٍ وجماعات ومجتمعات، وارتباط السلوك الإنساني بكل جوانبه بها([4]). وكان أول من استخدم مصطلح القيمة من علماء الاجتماع الباحثان " توماس" و " زنانيكي" في كتابهما (الفلاح البولندي في أوروبا وأمريكا) وقد عرّف هذان الباحثان القيمة الاجتماعية بأنها "أي معنى ينطوي على مضمون واقعي، وتقبله جماعة اجتماعية معينة، كما أن لها معنى محدداً، حيث تصبح في ضوئه موضوعا ً معينا ً أو نشاطا ً خاصا ً([5]).
وتتابعت بعد ذلك اهتمامات علماء الاجتماع بدراسة مصطلح القيمة، حتى صارت القيمة الخيط َ الذي يربط حبات سبحة العلوم الاجتماعية "الإنسانية" المختلفة، حتى أصبحت تعرف فيما بعد بعلوم القيمة. وهي العلوم التي غدت نظرية ُ القيمة فيها من النظريات المعروفة فيها والمرتبطة بها، من مثل: علم الأخلاق، وعلم الجمال، وعلم السياسة، وعلم الاجتماع..... وبذلك شكـَّلت موضوعات القيم حلقة اتصال، تربط كثيرا ً من مختلف الدراسات المتخصصة([6]).
وإن كنا نجد في تحديد مفهوم مصطلح القيمة اختلافا ً وتباينا ً من علم إلى علم، وداخل ميدان العلم الواحد، فإننا نجد ألوانا ً متعددة ً وفضفضة ً متناهية ً لثوبِ هذا المصطلح في علم الاجتماع. بحيث لم يعدْ معه بالإمكان معرفة ُ ما تحت هذا الثوب. وتستدلُّ الدكتورة فوزية دياب على مرونة ِ مدلول ِ مصطلح ِالقيمة، من خلال الاستخدامات التي يتناولها عامة الناس في لقاءاتهم وأحاديثهم ومناقشاتهم اليومية([7]). وفي ذلك، يتسع مدلولها إلى حد ٍّلا نستطيع معه أن نقفَ على شاطئ ٍلهذا المصطلح، ولا أن نتصور مفهوما ً معينا ً محددا ً له، قد اتفق أهل هذا العلم عليه.
ونخلص الآن إلى إثبات تعريفات للقيمة لبعض رواد البحوث الاجتماعية، على أن تشكّل في مجملها صورة لمفهوم القيمة في علم الاجتماع. وتجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء الباحثين ينظرون إلى القيمة على أنها تشكِّل الأسس السليمة في البناء الاجتماعي لأي مجتمع. ومن ثم فهم يرون أنها عناصر بنائية تنتج عن التفاعل الاجتماعي([8]). فسعي الإنسانية للكمال يبقى المنبع الأساس للقيمة عندهم. ولما كان كل شخص يطرح قيما خاصة به، فإن تجاوز ما هو فردي يطرح القيمة المطلقة. فالفرد المنعزل لا يعرف عالم القيمة، وإنما تكون هذا العالم نتيجة لالتقاء الإرادات حول غايات ما([9]). لكن التقاء هذه الإرادات كما يقرر علماء الاجتماع، يتوصل إليه عن طريق الصراع. وهم ينظرون إلى هذا الصراع على أنه نظرية يفسرون بمقتضاها الظواهر الاجتماعية، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. كما أنهم يسندون هذا الصراع، وغيره من الظواهر الاجتماعية إلى الميل العدواني للإنسان، حتى حالات التوافق والتعاون والتكامل، يرونها من هذا المنظار، وأنها حالة من حالات الصراع المحكوم بنزعة الإنسان إلى البقاء.
وبالتالي فإن الأقوى هو من سيبقى. ولقد عرف التاريخ الكثيرين ممن يتبنون نظرية الصراع هذه، ومنهم: هيراقليطس([10])، وتوماس هوبز([11])، وديفيد هيوم([12])، وهيجل، وماركس.
وآثرنا ألا نردَّ الآن على نظرية الصراع هذه بما اشتملت عليه من أفكار، وذلك حتى نستعرض بعض تعريفات علماء الاجتماع للقيمة ثم نجمل الرد مبينين موقف الإسلام من ذلك.
ويرى ثورندايك([13]) أن القيم هي التفضيلات أو الأشياء المفضلة لدى الإنسان أو الجماعة. ويقسمها إلى قسمين: قسم إيجابي يجلب اللذة، وآخر سلبي يجلب الأ لم([14]).
ويعرفها كريتش([15]) بأنها المعتقدات لما هو مرغوب أو حسن، مثل حرية الكلام، وما هو غير مرغوب أو سيء مثل عدم الأمانة. وتعرفها الدكتورة نوال محمد عمر بقولها: هي فكرة تعتنقها جماعات من الناس أو رأي، سواء أكانت هذه الأفكار هدفا في حد ذاتها أم مجرد تعبير عن السلوك، فهي قادرة على أن تجعل الفرد يفضل موقفا على آخر، ويسلك سلوكا يتفق مع هذه القيم التي تقبلها الجماعة، وإن الانحراف عن هذه القيم يشعر الفرد بالذنب سواء أكانت سيئة أم مرغوبا فيها، خيّرة أو شريرة ([16]).
أما الدكتورة فوزية دياب فإنها ترى القيمة "الحكم الذي يصدره الإنسان على شيء ما، مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه والذي يحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك([17]).
ويعرّفها العديد من علماء الاجتماع بأنها: "مستوى أو معيار للانتقاء من بين بدائل أو ممكنات اجتماعية متاحة أمام الشخص الاجتماعي في الموقف الاجتماعي"([18]).
ويعرّفها أحمد زكي بدوي بأنها: " أحكام مكتسبة من الظروف الاجتماعية، يتشرّبها الفرد ويحكم بها وتحدد مجالات تفكيره وتحدد سلوكه وتؤثر في تعلّمه "([19]).
أما كلوكهون([20]) فيرى أنها " مفهوم تجريبي للمرغوب فيه والذي يؤثر على اختيارنا من عدة بدائل بطرق ووسائل وأهداف السلوك "([21]).
وبإمعان النظر في هذه التعريفات السبعة، يتبين أنها تشمل نماذج مختلفة من أهل علم الاجتماع، لأقف على رأي العربي الشرقي والغربي منهم على حد سواء. كما سعيت أن أثبت تعريفا يكون عاما يرضى عنه الكثيرون من علماء الاجتماع. وذلك محاولة منا في أن تكون النظرة إلى القيم في علم الاجتماع نظرةً متكاملة، تخدم صحة موقفنا الإسلامي منها في هذا العلم. وبعد أن وقفنا على العديد من التعريفات للقيمة في علم الاجتماع، لا بد لنا أن نقف على أمور غاية في الأهمية، منها: تصنيفات القيم وارتقاؤها، ذلك أنه يمكننا أن نرى مدى ارتباط هذه الموضوعات بتعريف القيمة عندهم، وكذلك يمكننا أن نرى المرجعية الفكرية والعقدية والثقافية بشكل أوضح، من خلال هذه التصنيفات، لأنها _ لا شك _ تحمل بذورا فكرية وعقدية... إلخ.
تصنيفات القيم عند علماء الاجتماع:
1. تصنيفها عند "كلوكهون": يعتمد كلوكهون في تصنيفه القيم على عامل الانتشار. ووجد أنها فئتان رئيستان هما: القيم العامة في المجتمعات، والقيم الخاصة بجماعات اجتماعية معينة. وواضح من خلال هذا التصنيف أن القيمة الأكثر انتشارا هي القيمة الأقوى.
2. تصنيفها عند "نلسون": أما نلسون فأخضع القيم في تصنيفه إلى صفتين هما: التقليدية والعقلية، فعنده، نرى أن القيم إما تقليدية يكتسبها المرء بالتعاطي، وإما أن يُعْمِل عقله فينتقي أو يبتكر.
3. تصنيفها عند عالم الاجتماع الأمريكي "روبرت رودفيلد" [1897م-1952م]: ولقد جارى روبرت رودفيلد نيلسون إلا أنه ربط تصنيفه بالمجتمع أكثر مما ربطه بالفرد، فكانت القيم عنده نوعين: قيم مرتبطة بالمجتمع الشعبي القديم الذي تسوده القيم التقليدية، وقيم أخرى مرتبطة بالمجتمع الحضري الذي تسوده قيم محدثة عصرية([22]).
4. تصنيف الدكتورة فوزية دياب([23]): اعتمدت الدكتورة دياب في تصنيفها على أبعاد القيم، ورصدت أبعادا عدة يمكن النظر إلى القيم على أساسها وهي:
أ _ بُعد المحتوى: أي ما تنطوي عليه القيمة، من مثل: القيم النظرية، أو الاقتصادية أو الجمالية...
ب _ بُعد المقصد: ويشمل نوعين من القيم: الوسائلية والغائية. وهذا يعني أن هناك قيما يمكن أن تكون وسيلة لقيم أخرى تشكل هدفا بعيدا.
ج _ بُعد الشدة أو القوة: والمقصود بذلك مدى درجة الإلزام التي تفرضها القيمة، ومن الممكن أن تقابل مفهوم شدة الإلزام هذه بما يعرف في الفقه الإسلامي بدرجة الحكم: واجب/مندوب/مكروه. وحتى الكراهة توصف بـ "كراهة تحريمية، أو كراهة تنزيهية".
د _ بُعد العمومية أو الشيوع: وهي بذلك تجاري الصفة الأساسية التي بنى عليها كلوكهون تصنيفه القيم، أي صفة مدى الانتشار.
هـ _ بُعد الوضوح: فإما أن تكون القيمة واضحة صريحة يمكن أن نعبر عنها بالكلام، وإمَّا بالسلوك الواضح الذي لا يحتاج إلى تفسير ولا يقبل التأويل، وإما أن تكون القيمة متلبسة بمعان، أو قابعة خلف سلوك يمكن تأويله أو تفسيره على غير وجه. أو نحتاج معه إلى جهد في ملاحظة مدى تكرار هذا السلوك الذي يتكرر ويثبت حتى يصبح عادة. والعادات تفسيرها صعب. ويقبع خلف كل عادة ما لا يحصى من العوامل، والقيمة لا شك أحدها بل قل أهمها وأقواها.
و_ بُعد الدوام والاستمرار: وهذا البعد عندها، لا يهمل القيم التي لا تعمر طويلا، أو القيم الأسرع تغيرا، إلى جانب القيم الدائمة التي يتوارثها أبناء المجتمعات جيلا عن جيل. ورغم أننا أثبتنا عددا من التصنيفات لكن يجب أن لا يفوتنا ذكر أن هذه التصنيفات غير متفق عليها، ورغم ذلك فإن ما لم نذكره أكثر مما ذكرناه. وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى بعض الصعوبات التي تواجه علماء الاجتماع في تصنيفهم القيم، ومنها طغيان الكثير من المفاهيم الفلسفية ومصطلحات الفلاسفة على دراسة القيم. وقل الشيء نفسه بالنسبة لعلم الاقتصاد. إضافة إلى عدم قدرة الباحث الاجتماعي على أن يَسُلَّ المفاهيم الخاصة به في مجال القيم من علوم تداخلت مع علم الاجتماع في البحث عن مفهوم القيمة وما يتعلق بها من مثل: علم النفس وعلم التربية... إلخ. حتى اضطروا إلى متابعة الدراسات المختلفة في علم النفس حول موضوع القيمة والتي عادة تختلط عند متابعي الدراسات النفسية أيضا. وفي هذا يقول الدكتور عبد اللطيف خليفة: " إنه سيحاول توضيح مفهوم القيمة من خلال التمييز بينه وبين غيره من المفاهيم التي عادة يختلط بها من مثل: القيمة والحاجة- القيمة والاهتمام - القيمة والمعتقد - القيمة والسّلوك - القيمة والاتجاه - القيمة والسمة- القيمة والدافع([24]).
هذا فضلا عن عجز أي علم عن إدراك كل القيم بأنواعها، ذلك أن القيم مرتبطة كما بينا سابقا بالإنسان، والإنسان مختلف من مجتمع لآخر وداخل المجتمع الواحد: مختلف في شخصيته، وثقافته، ومعتقده، فإذا لم يكن هناك جامع مشترك بين النوع البشري في مسألة مصدر القيم، وفي مسألة الغاية من وجوده، فلا يمكن أن يكون هناك قدرة على تصنيف القيم التي تصدر عن مصادر مختلفة، وإلى غايات مختلفة. وأمام صعوبة تصنيف القيم، يرى بعض الباحثين في علم الاجتماع من مثل "هندرسون": "أن أي تصنيف كان، خيرٌ من عدم التصنيف"([25]).
ارتقاء القيم عند علماء الاجتماع:
إن الوقوف على الصيغة الأساسية التي يكتسب في ظلها الأفرادُ أنساقَ قيمهم ما زال أمرا يتعامل معه الباحثون من منظور التعقيد، ومن ثم العمومية الشديدة التي يعجز المرء من خلالها عن الوقوف على (ديناميات) عملية الاكتساب لدى الأفراد والجماعات([26]).
ويعرّف الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة نسق القيم بعد أن استعرض عددا من التعريفات على أنه "عبارة عن البناء أو التنظيم الشامل لقيم الفرد، وتمثل كل قيمة في هذا النسق عنصرا من عناصره. وتتفاعل هذه العناصر معا لتؤدي وظيفة معينة بالنسبة للفرد"([27]).
ويبدو واضحا أن الداعي إلى مبحث نسق القيم هو الحاجة إلى دراسة القيم المرتبطة بقيمة معينة إذا أردنا دراستها. فالباحث لا يمكنه أن يقف على حدود قيمة معينة ما لم يربطها بقيم أخرى عند الفرد والجماعة.
ثم كانت حاجات الفرد (البيولوجية) تحتل الرقم الأول في سلّم القيم الإنسانية، وبعد ذلك تأتي القيم الأخرى الثانوية مثل القيم الاجتماعية والأخلاقية... إلخ. وهذا ما قال به فريق منهم. أما الفريق الآخر فيرى أن نسق الاعتقاد يعتبر نسقا شاملا الاتجاهات والقيم وأنساق القيم. كما يرى أن هناك نسقا للقيم الغائية ونسقا آخر للقيم الوسيلية.
أما عن كيفية اكتساب نسق القيم، فإنهم يقسمون ذلك إلى عدة عوامل أو محدّدات هي:
1) البيئة الطبيعية والاجتماعية: فاختلاف المؤثرات الطبيعية والاجتماعية تورث- عند الفرد حتما اختلافا في نسق القيم. وهناك من يرى منهم أن القيم ما هي إلا نتاج ثلاثة مستويات اجتماعية:
* الثقافة: حيث تحدد مستواها عند الفرد القيم الجديدة بالرغبة فيها.
* الأسرة: حيث تؤدي دورا مهما في توجيه أبنائها نحو قيم معينة. ومنها النسب وعلاقة أعضاء الأسرة ببعضهم.
* عوامل اجتماعية فرعية من مثل: المستوى الاقتصادي، درجة التدين، الجنس، المهنة، مستوى التعليم.
2) العوامل أو المحددات (السيكولوجية): وتشمل العديد من الجوانب، كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات القيمية للأفراد بناء على التحليل النفسي الذي يعتبر أن القيم تختزن في الجزء المثالي للشخصية، والذي يتسم بالصرامة. فالنسق القيمي لدى الراشد يعبّر عما يتمثله الفرد من قيم ومعايير المجتمع الملزمة، بناء على الاهتمام والتفضيل في جلب كل ما هو إيجابي، والابتعاد عن كل ما هو سلبي. وبناء على طريقة تعلّم الطفل، يرى أتباع "هول"([28]) الجدد أن الارتقاء الخلقي هو نتاج التوحد العام للطفل مع والديه. فمع رعاية الوالدين له واحتضانهم إياه، فإنه يقلد أو يحاكي إلى حد بعيد ضروبهم السلوكية لكسب رضاهم وحبهم... وهل قرأ "هول" وأتباعه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة... "([29]) والمثل السائر: "الولد سر أبيه"؟
3) العوامل أو المحددات البيولوجية: وتعتمد على مراحل النمو الجسدي والصفات الجسمية كالطول والوزن... إلخ حيث يصاحب ذلك تغير في القيم وفي نسقها([30]). وفي هذا المجال يرون _ أي علماء الاجتماع _ أن الصفات الجسدية واختلاف الوراثة الفردية لكل شخص تُحدِث فروقاتٍ في الميول والاهتمامات وبالتالي القيم.
وتؤكّد بعض الدراسات بناءً على نتائج بحوث أجريت في هذا الصدد، أهمية بعض الملامح الجسمية للفرد " كالطول والوزن والحجم. ويوافق هذا ما توصلت إليه دراسات أخرى من أن الفروق الجسمية توجب فروقا في الخصائص الشخصية ومن ثم في القيم عند الشخص.
وقد أجريت هذه الدراسات على مدى خمس سنوات على عينة من الذكور البيض وتوصلوا من خلالها إلى ترابط بين الطراز البدني وصفات خلقية، كالتسامح والرضى ودماثة الطبع.
وبالعودة إلى ما ذهب إليه علماء الاجتماع في تعريفهم القيمة، وفي تصنيفهم القيم، وفي نظرتهم لارتقائها عند الشخص، وعند الجماعة، نرى أن نوجه العناية إلى الأمور الآتية:
1) إن نظرة علماء الاجتماع للقيم على أنها الأسس المتينة للبناء الاجتماعي توافق النظرة الإسلامية وإن كانتا تختلفان اختلافا بينا في مصدر هذه القيم، فهناك قيم إسلامية في الجانب الاجتماعي تسهم في بناء مجتمع متكامل متكافل: أن يحبَّ المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)([31]). والترغيب في أن لا ينام المسلم على شبع، وجاره جائع "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه"([32])، "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوِّجوه"([33]) "...ومن فرَّج عن مسلم كُربة فرج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة..."([34]).
2) إن القيم عندهم، يحتل فيها الحيز الشخصي الفردي مكانة رفيعة، وكذلك في الفلسفة البراﭼـماتية وديموقراطيتها، فإن للفرد الحق في العمل على تحويل قيم المجتمع فيما يتفق مع مصالحه.
وهكذا نرى مرة أخرى أن المصالح الفردية هي الغالبة، فيحاولون إلباسها لبوسا جماعيا، وتصبح المصلحة الشخصية مرجعا في بناء القيم.
والفكر الإسلامي ينكر هذا أشد الإنكار، حيث لا صراع بين الفردي والجماعي، ولا يمكن لفرد أو جماعة أن تسوق الأمور إلى ما يوافق مصلحتها. والمرجع في كله ذلك هو شرع الله عز وجل. فلو قال أهل الأرض جميعا بما يخالف حكما شرعيا مبنيا على نص قطعي الثّبوت قطعي الدلالة فلا قيمة لقولهم. ولقد ذمّ القرآن الكريم الأكثرية في آيات كثيرة: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 7/187]، ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: 21/24].
3) إنَّ القيم _ عندهم _ ولادتها، وبقاءَها، أو زوالها، مرتبط بعوامل الصراع الاجتماعي الذي يأخذ أشكالا متعددة، وإن كان الصراع _ التدافع _ سنة من سنن الله عز وجل في البناء الاجتماعي. ومن المسلم به أنه لولا التدافع لفسدت الأرض ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض... ﴾ [ البقرة:2/251] إلا أن هذا التدافع محكوم بقواعد وأصول وقيم إسلامية. فينتج عن هذا الصراع أو التدافع صلاح وبقاء، أما إذا كانت منطلقات الصراع وأساليبه ووسائله، مرجعها مصالح فردية، أو جماعية ضيقة، فإن ما ينتج عن هذا الصراع دمار وخراب على كل المستويات المادية والنفسية... إلخ.
4) أما حول تصنيفاتهم، فإننا نرى أنهم يشَّرقون ويغرِّبون. فمنهم من اعتمد على عامل الانتشار والانحسار، وآخر اعتمد التقليدية أوالحداثة، وثالث اعتمد في تصنيفه الفردية أو الجماعية... ورابع اختار أبعادا متعددة.
ونرى أن هذه التصانيف جاءت بناءً على نظرات جزئية قاصرة عن فهم الإنسان، فهذا يراه اجتماعياً، وذاك يرى الأنا عنده أساسا، وذلك يراه مادة مرتبطة بالعالم المشهود، وغيره لا يقطعه عن عالم الماوراء.
ومع هذا الاضطراب، يستحيل أن يحالفهم الصواب. وقد بينا نظرة الإسلام للإنسان ولوجوده وغايته، وهذا بيت القصيد في فهم كل ما يتعلق بالإنسان. وسنعرض لتصنيف القيم إسلاميا في مبحث "القيم إسلامياً".
أما حول مسألة ارتقاء القيم وأنها -أساساً- تبنى على صراع بين القيمة والقيمة- وهذا متعلق ومتأثر بالعديد من العوامل الشخصية والاجتماعية والبيئية- ففي الإسلام لا يمكن أن يكون ذلك على إطلاقه. وإن صح في فئة أو مجموعة من القيم، فإنه لا يمكن أن يصح في القيم التي تتصف بالثبات والأولوية. فالقيم الإسلامية الأساسية واحدة من حيث الترتيب عند عامة المسلمين. أما القيم الثانوية فلا بأس في اختلاف مراتبها من مسلم لآخر. وذلك وفق اهتمامات كل منهم. وإن كنا نقر بأهمية الفروقات الفردية جسميا ونفسيا ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: 2/247]، إلا أننا نجزم أن هذه الفروقات تزول أمام القيم الأكبر والأهم. فقد يصدر عن ضعيف البنية ما لا يصدر عن قويها، وهذا سيدنا ابن مسعود صاحب الساق الدقيقة كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ([35]) فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ"([36]). ألم نرَ كيف أبلت هاتان الساقان في الإسلام؟! وكيف أعلى صاحبهما شأن الإيمان؟!
ونرى أن النمو الجسدي يرتبط به الكثير من الأحكام الشرعية، وبالتالي لا يمكن أن تكون القيم واحدة عند البالغ وعند الصغير غير البالغ، وكذلك عند الشيخ المتقدم في السن.
وإن كنا نُسلِّم أن الإنسان دالة متغيرة، وأن الإيمان يزيد وينقص﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ [الأنفال: 8/2]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربُ وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن"([37])، وقوله عليه الصلاة والسلام رداً على الصحابي الجليل حنظلة الأسيدي الذي اشتكى تغيّر حاله بعد الذهاب من عنده صلى الله عليه وسلم "... والذي نفسي بيده! أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة"([38]).
فالإيمان يزيد وينقص، والزاني لا يزني وهو مؤمن، وحالة الصحابة الإيمانية تتغير، ولكن سلم القيم في الإسلام لا يخضع للهوى، ولا تتحرك درجاته وفقا لرغبة فرد أو جماعة.
فالإنسان يرتقي بالقيم الإسلامية. والقيم دائما في عملية شد له للأعلى، وعندما يهبط سلوك المسلم لا تهبط القيمة الإسلامية معه، بل تشكل حبل نجاة له من الوصول إلى الدرك الأسفل، فإذا تمسك بها نراه يعود صعودا آملا مغفرة الله عز وجل.
وأكاد أشبه علاقة المسلم بالقيم الإسلامية في هذا المجال على الشكل التالي: القيم سلّم، أعلى درجاته لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويأتي تحتها مختلف القيم الأخرى. والمسلم تراه يستمسك بهذه مرة وبتلك أخرى. وهكذا تكون القيم ثابتة وهو الذي يغير موقعه بالنسبة لها.
([2]) ليفي ستراوس [1908م- ؟]، عالم فرنسي من علماء الأجناس والأنتربولوجيا البشرية. من مؤسّسي المدرسة البنيوية في شرح الأجناس البشرية وتعليل الأساطير. من مؤلفاته: الفكر الهمجي، الرجل العددي، علم الإنسان البنيوي. (نقلاً عن المنجد في اللغة والأعلام: ص: 504).
([6]) دياب، فوزية؛ القيم والعادات الاجتماعية: ص 19. وقد أشرنا في بداية بحثنا أن من أسباب اختلاف تعريفات القيمة أن علماء كل علم تناولوها من وجهة نظر اختصاصهم.
([10])هيراقليطس: [540ق م _ 480 ق م] فيلسوف يوناني، نظريته المشهورة أن العالم واحد ومتعدد، وأن مادته الأولى هي النار. وقد فتحت هذه النظرية الباب أمام عبّاد النار في فارس والهند واليابان وغيرها. (نقلاً عن المنجد في اللغة والإعلام: ص: 605).
([11]) توماس هوبز [1588 م _ 1679 م]: فيلسوف بريطاني، صاحب فلسفة مادية سياسية، من مؤلفاته: الصراع والبقاء للأصلح والأقوى _ تنازع البقاء. أنشأ الفلسفة التحليلية التي حاولت تعليل الواقع من خلال حركة الأجسام، يعتبر (مع مكيافلي، وسبينوزا ) من واضعي النظريات السياسية الحديثة. (نقلاً عن المنجد في اللغة والإعلام: ص: 601).
([12]) ديفيد هيوم [1711م_1771م] فيلسوف وعالم ومؤرخ بريطاني مؤسس الفلسفة الظاهرية المنبثقة من فلسفة جون لوك، ويدعي من مؤلفاته: محاولات في الإدراك البشري، تاريخ بريطانيا. (نقلاً عن المنجد في اللغة والإعلام: ص: 607).
([13]) ثورندايك [1874م _ 1949 م] عالم نفس تربوي أميركي، تركز عمله في الذكاء والقياسات والمهارات. ومن أشهر مبادئه في التربية (مبدأ المحاولة والخطأ ). وهو من أتباع المدرسة السلوكية، ومن خصوم التحليل النفسي الفرويدي واللاشعوري. (نقلاً عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ص: 344 ).
([18]) عبد الباسط، عبد المعطي محمد: بعض مظاهر صراع القيم في أسرة قروية مصرية، نقلاً عن ارتقاء القيم، عالم المعرفة: عـ 160، القيم والعادات الاجتماعية: ص: 39.
([20]) كلوكهون: [1905 م _ 1960 م] عالم اجتماع أميركي، وافق ماسلو على أن هناك قيما أولية غريزية ثم تنمو إلى قيم أخلاقية اجتماعية كتجسيد للحاجات البيولوجية العضوية. وله الكثير من المؤلفات منها: المرآة للإنسان _ عالمية الحضارة _ الأبعاد والخصائص الحضارية المشتركة بين الحضارات كافة (نقلاً عن عالم المعرفة: عـ 160 ص: 42).
([28]) هول: [1884م_1924م]عالم نفس تربوي وفيلسوف أميركي، أستاذ جون ديوي، له تأثير واضح في الفكر والممارسة التربوية، له كتاب مشهور في المراهقة وهو مراجعة (كلاسيكية) لجميع أدبيات المراهقة، درس العلاقات الوالدية بين الآباء والأبناء، وأكد أهميتها وضرورتها. (نقلا عن معجم المصطلحات التربوية لجرجس، ميتشل، وحنا الله، رمزي؛ ص: 199).
([29]) أخرجه الامام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الجنائز ورقمه(23)، باب: ما قيل في أولاد المشركين ورقمه(92)، ورقم الحديث: 1385، ص: 256 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([31]) أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الإيمان، ورقمه(1)، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ورقمه (7)، ورقم الحديث: 13، ص: 18.
([32]) نص الحديث كما في (القول المُسدّد في الذبِّ عن مسند الامام أحمد) لابن حجر: "ما آمن بي مَن بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم"، وقال عنه: إسناده حسن، رقم:6. وأخرجه الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين؛في شعب الإيمان. ج3/ص:225 ورقمه ( 3389).
([33]) أخرجه ابن ماجه، محمد بن يزيد؛ السّنن، كتاب: النكاح ، باب: الأكفاء ، ورقم الحديث: 1967،ج1/ ص: 632عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([34]) أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: المظالم ورقمه(46)، باب: لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسلمه ورقمه (3)، ورقم الحديث: 2442، ص: 441 عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
([36]) ابن حنبل، الامام أحمد، المسند، مسند: المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، رقم:( 3991) . ج1/ص:420.
([37]) متفق عليه، وأخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الحدود ورقمه(86)، باب: لا يُشربُ الخمرُ ورقمه(2)، ورقم الحديث: 6772، ص: 1230 ، واللفظ له، وأخرجه الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: الإيمان ورقمه(1)، باب: بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ورقمه(24)، ورقم الحديث(57)ج1/ ص: 76.
([38]) رواه الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: التوبة ورقمه(49)، باب: فضل دوام الذِّكر، ورقمه(3) ورقم الحديث: 2750ج4/ ص: 1673.

المبحث الأول: ضوابط ومنطلقات لا بد منها في دراسة القيمة في الفكر الإسلامي:
مقدمة في الخطوات والتساؤلات:
بعد أن عرضنا مفهوم القيمة في المصطلح العام ثم عند الفلاسفة والاقتصاديين وفي علم الاجتماع نخلص الآن لعرض القيمة في الفكر الإسلامي وسنسير في هذا المبحث حسب الخطوات الآتية:
أ- مصادر القيمة في الإسلام.
ب- القيمة في الدراسات الإسلامية.
ج- أنواع القيم الإسلامية وصفاتها.
د- أثر القيم الإسلامية في حياة الفرد والأمة.
ولقد وضعت في ذهني تساؤلات ٍ عدة،ً لتكونَ حاضرة ً خلال سيري هذه الخطوات، ولتوجه عنايتي واهتمامي ليس في الإجابة عنها فحسب، ولكن لتلقي بضوئها على كل ما أكتبه في هذا المبحث.
ومن هذه التساؤلات:
1- ما الفرق بين مباحث القيم في الفكر الإسلامي التراثي وهذه المباحث في الفكر الإسلامي الحديث؟
2- ما سر غزارة الدراسات الغربية حول القيم؟ وهل تكمن وراء هذه الغزارة حاجة الغرب للقيم في مواجهة شح شمعة الإيمان عندهم؟ أو بالأحرى نضوب زيت سراج عقائدهم؟ أم الذي يكمن وراء ذلك هو حاجتهم للقيم عاملاً إنسانياً موحداً بديلاً للعقيدة وذلك نظرا ً لاختلافهم عقدياً وتعدد المعتقدات القديمة والحديثة في مجتمعاتهم؟
وبالتالي، أليس لاهتمام علماء الغرب المسيحي بمباحث القيم بهذا القدر علاقة ٌ بنظرتهم لطبيعة عقيدتهم من جهة "الثالوث" ولضعف إيمانهم بمصدرها "الأناجيل" وتعددها، أو لغياب العلم القطعي – حسب اعترافهم- بمصدر شريعتهم من جهة ثانية([1]).
أليس في عقيدتهم أن الإيمان بالمخلـِّص يعتق من الذنوب صغيرها وكبيرها؟؟ وفي ظل غياب شريعة تبيِّن الحلال والحرام، والحق والباطل، والظلم والعدل و.... و..... يختلف الناس، نظرا ً لاختلاف أهوائهم وميولهم وحاجاتهم و..... فوجب البحث عندهم عن معيار ومرجع وضابط، فوجدوا القِيَم.
3- هل نجد في مباحث القيم مباحث، ما إن غابت عن ساحة الفكر الإسلامي أصيب فكرنا بنقص أو خلل؟
4- ما الداعي إلى العمل والبحث عن منظومة قيمية إسلامية على نسق منظومة القيم الغربية؟؟ وما أثرها في حياة المسلم فردا ً وأمةً؟
ولما كنا قد بيَّنا في مباحث القيمة في الفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع نظرة الإسلام فيما طرح من خلال نقاشنا للأفكار الواردة في تلك المباحث، فإننا سنحاول أن نجمل القول هنا بتركيز واختصار تجنبا ً للتكرار.
مصادر القيمة في الإسلام:
إن المتأمّل في حياة المسلم اعتقاداً وسلوكاً، وفي علاقاته مع خالقه، ومع نفسه ومع المخلوقات الأخرى: جماداً كانت أو إنساناً أو حيواناً أو نباتاًً... إلخ، يرى شمول المنهج الإسلامي الرباني، وتناسق حركة المسلم مع هذا الوجود وفق هذا المنهج.
فمن أركان الإيمان (العقيدة)، التي أولها الشهادة بوحدانية الله عز وجل، والشهادة بصدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، التي يتوصل إليها بإعمال العقل، فيسلـِّم المسلم المؤمن بسلطان هذه العقيدة على قلبه وجوارحه، إلى أركان الإسلام "العبادات" التي تنطلق همته وجوارحه بممارستها، إلى الشريعة الغراء "المعاملات" التي تَولّى الفقهُ تبيان الأحكام في كل الأمور على مستوى الفرد والجماعة حكما ً وحاكما ً ومحكوما ً. ومن خلق السماوات والأرض إلى خلق الإنسان إلى فناء هذا الكون والوقوف بين يدي الديّان بما في ذلك كله من مراحل. إن المتأمِّل في هذا كلِّه يرى أن الإسلام "هو الرسالة التي امتدت طولا ً حتى شملت آباد الزمن وامتدت عرضا ً حتى انتظمت آفاق الأمم وامتدت عمقا ً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة"([2]).
وعلى هذا الأساس، فإن المسلم ينطلق من هذا التصور الإسلامي للكون، وللإنسان في الدارَيْن الأولى والآخرة، ويستطيع أن يُرجع الفروع والجزئيات والتفصيلات كافة إلى هذا التصور عقيدة وعبادات ومعاملات، لأنها كلها صادرة عن نظام شامل كامل كلي لايقدِّمُ الحلول للحالات المستجدة ارتجالاً، ولا يصف علاجات للمشكلات مجزأة متباعدة في معزل عن هذه النظرة الشاملة الكاملة. والوقوف على خصائص هذا التصور الإسلامي المتكامل يأخذ بيد الباحث عن أي جزئية ليردها إلى موضعها في الكل، وهو إذ يتتبع علاقة الجزء بالكل ينعم بلذة عارمة تحمله على التعمق لاكتشاف هذا التكامل والتناسق وما يصدر عنه – أي التصور الإسلامي- من تنظيم لكل شؤون الحياة في كل جانب من جوانبها([3]).
1- فجميع ما في الإسلام من عقائد وعبادات ومعاملات متكفل بتحقيق كل مصالح العباد بقسميها الدنيوي والأخروي، فالمسلم المتمسك بأحكام الدين في معاملاته مع الناس - من حيث هي أوامر إلهية - يأتمر بها فينال جزاء ذلك في الدنيا تحقيق منافعه، وفي الآخرة بلوغ مرضاة الله وجناته([4]).
ويمتثل المسلم للأحكام الشرعية في سلوكه محققاً مقاصد الشارع مبتغياً رضا الله عز وجل. وهذه المقاصد جمعها العلماء في خمسة أصول هي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكل ما يتوصل به إلى حفظ هذه الأصول هو مصلحة، وكل عمل يؤدي إلى الإضرار بأصل منها هو مفسدة([5]).
ويتوصل إلى حفظ هذه الأصول الخمسة بتقسيم ما يندرج تحتها من أمور إلى ثلاثة اعتبارات هي:
أ- الضروريات، وتعرَّف بأنها "ما لا بد منه في حفظ هذه الأمور الخمسة، ويكون ذلك بإقامة أركانها وتثبيت قواعدها، وبدرء الفساد الواقع أو المتوقع عليها"
ب- والحاجيات، وتعرَّف بأنها " تلك التي قد تتحقق من دونها الأمور الخمسة، ولكن مع الضيق.وَشرعت لحاجة الناس إلى رفع الضيق عن أنفسهم.
ج- التحسينيات، وتعرف بأنها "الأمور التي إذا تركت لا يؤدي تركها إلى ضيق، ولكن مراعاتها متفقة مع مبدأ الأخذ بما يليق وتجنب ما لا يليق ومتماشية مع مكارم الأخلاق ومحاسن العبادات"([6]).
ويمكننا أن نذهب أبعد من ذلك فنقول: إن كل أمر يمكن للمسلم أن يبتغي فيه رضوان الله تعالى. " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ. إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"([7]). فكلامه وصمته وأكله وصومه، وسيره ونومه وحبه وكرهه... إلخ يمكن أن يتعبد به طالباً رضا الله.
وبناءً على هذا التصور الإسلامي سنبحث عن مصدر القيمة في الإسلام.
إن مصدر القيم في الإسلام، هو العقيدة والتشريع فيه، وهما من عند الله حقّاً، فالقيمة لا تنفكّ مرتبطة بعقيدة المسلم وإيمانه قوة وضعفاً، وبفهمه للأحكام الشرعية وبمقاصد الشريعة السمحة. وكأني بها جهاز تحكم يأمر، وينهى، فنسير مهتدين بهذه الأوامر والنواهي. والاستجابة للأوامر والنواهي مرهونة بسلامة الاعتقاد وبقوة الإيمان وبوضوح الأحكام الشرعية من وجوب، وندب، وتحريم، وكراهة، وإباحة.
فقد عمد علماء الفقه الإسلامي إلى ضبط سلوك المسلم وتعامله، في أحكام خمسة، تتفاوت من حيث قوةُ إلزامها، من الواجب فعله حتى الحرية في الاختيار أي المباح. "وذلك لأنه إذا اقتضى طلب فعل، فإن كان اقتضاؤه له على وجه التحتيم والإلزام فهو الإيجاب، وأثره الوجوب، والمطلوب فعله هو الواجب. وإن كان اقتضاؤه ليس على وجه التحتيم والإلزام فهو الندب، وأثره الندب، والمطلوب فعله هو المندوب. وإذا اقتضى كفَّا عن فعل فإن كان اقتضاؤه على وجه التحتيم والإلزام فهو التحريم، وأثره الحرمة، والمطلوب الكف عن فعله هو المحرَّم. وإن كان اقتضاؤه له ليس على وجه التحتيم والإلزام، فهو الكراهة، وأثره الكراهة، والمطلوب الكف عن فعله هو المكروه. وإذا اقتضى تخيير المكلف بين فعل شيء وتركه فهو الإباحة، وأثره الإباحة والفعل الذي خير بين فعله وتركه هو المباح"([8]).
ولمّا كان مصدر العقيدة والشريعة واحداً وهو الله عزَّ وجلّ، وقد بيّن لنا ذلك في القرآن الكريم، وقد أمرنا أن نلتزم ما يطلبه منا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وننتهي عما نهانا عنه، في كتابه الموحى إليه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 59/7].
ولمّا جاءنا الخبر اليقين ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 53/3-4] وثبتت لدينا وحدة المصدر، حتى المصادر الأخرى المتفق عليها والمختلف فيها، من إجماع وقياس واستحسان وعرف ومصالح مرسلة، فإنها ترجع إلى هذين المصدرين. حيث يُعمل العقلُ فيها في الكشف عن مراد الله عز وجل، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، باستخدام قدراته، وانطلاقاًً من قدسية النص الثابت الصحيح. فكما يمكن للعقل أن يخطئ في الكشف عن المراد من النص الثابت الصحيح، أي الحكم المستنبط منه، كذلك يمكن أن يخطئ في قياسه أو استحسانه... فإذا اتفقت العقول المؤمنة على حكم، سواء أكان دليله نصاً قرآنياً قطعي الثبوت أم حديثاً شريفاً لا ترقى طرق إثباته إلى قطعية ثبوته، فإن ذلك أدعى للوثوق بهذا الحكم الشرعي وبصوابيته.
وهذا لا يعني ثبات الحكم مطلقاً، بل يعني أن على العقل أن يبحث أولاً في مدى صحة النص، فإذا تأتَّى له ذلك أعمل قدراته في استنباط الأحكام من هذا النص وفق أصول وشروط معروفة. فليس لكل أحد أن يستنبط، فلا بد له بعد سلامة العقيدة، وصفاء القصد من عدة علمية تؤهّله لمثل هذه المكانة "استنباط الأحكام الشرعية".
وبناء على فهم المسلمين لقدسية النص، وإقرارهم بإمكانية اختلاف الأحكام المستقاة منه، نفهم السعة في ديننا وفي اختلاف الأحكام من مذهب إلى مذهب، بل وداخل أتباع المذهب الواحد. وكلما ابتعدنا عن الأحكام الأساسية، نجد سعة في اختلاف الأحكام التفصيلية الفرعية التي تتوزع في اتجاهات حياتنا اليومية أمةًً وأفراداًً. فهناك الكثير من الأحكام في العبادات اختلف الفقهاء فيها، كوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة([9]) والقنوت([10]) والسهو([11]) وفي زكاة الزروع ([12]) ومناسك الحج([13]) وكذلك في المعاملات والعقود.
وإنَّ جولة سريعة في كتابٍ من كتب الفقه التي ذَكَرَت الأحكام على المذاهب الأربعة أو غيرها، تعطي فكرة واضحة عن السعة التي يتمتع بها المسلم في الكثير من الأحكام الفرعية التفصيلية. فهذا سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه، يرد على من اعترض على جمعه الكثير من الأموال في مقابل من ينفقها في سبيل الله قائلاً: هو ينفقها في سبيل الله وأنا أجمعها في سبيل الله. والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقر فعل سيدنا أبي بكر وفعل سيدنا عمر رضي الله عنهما في صلاة الوتر حيث كان سيدنا أبو بكر الصديق([14]) يصليها
وعلى هذا الأساس، نرى أن المسلم يرد علاقاته بكل أمر إلى أصل من الأصول الشرعية أو قاعدة من القواعد الفقهية، أو مقصد من مقاصد الشريعة الغراء. فليس هناك من أمر صغر أو كبر إلا ويمكن فعل ذلك فيه. وهكذا فالحلال والحرام والمباح والمندوب والواجب من الأعمال والأقوال وحتى المشاعر هي ساحة نشاط المسلم بكل تفاصيلها. وبكلمة واحدة، إن أمر المسلم كله مرتبط بعقيدته وفق أحكام شرعية.
إذاً وبناءً على ما تقدّم، نجزم أن القيم مصدرها شرعُ الله عزّ وجلّ. فالقيم في الإسلام تقررها إرادة الله عز وجل. وليس المقصود أنه عز وجل بَيَّنَ حكم كل أمر في كتابه، أو في سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن الكتاب والسنة اشتملا على الأصول التي تلقي بظلالها على الفروع كلِّها. فيمكننا أن نستنير بمقاصد هذه الشريعة في أعمالنا وأقوالنا ومشاعرنا، وبغير كتاب الله وسنة رسوله ليست هناك وسيلة يمكننا بواسطتها التوصل إلى معرفة القيم([17]).
ويذهب إلى هذا عبد الحليم محمود حيث يرى أنَّ القيم المطلقة والثابتة ليست من صنع العقل ولا من نتاجه([18]). والشريعة جاءت هادية للعقل.... وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، وأكدوا أنه لا حكم للعقل في حسن الأشياء ولا قبحها فالشرع قد أثبت للأشياء حسنها وقبحها. فما حسَّنه الشرع فهو حسن وما قبَّحه فهو قبيح([19]).
والعقل المستنير بكتاب الله وسنّة رسوله يمكنه أن يستنبط حكماً لما يستجدّ من أمور في مختلف مجالات الحياة. ولا تعارض بين ما جاء به الشرع وما يهدي إليه العقل السليم شريطة أن يكون هذا العقل قد تربى في محضن الشريعة ويتخلى عن الهوى ويعرف حدوده([20]). إضافة إلى ضرورة تحصيل ملكات الاستنباط.
فالأقوال في الإسلام، ليست أوعية هوائية تهزّ أوتاراً صوتية ، وقد بيّن القرآن الكريم أن ﴿ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيب عتيد﴾ [سورة ق: 50/18]. وقال عليه الصلاة والسلام "وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم"([21]).
وقد حضَّ القرآن الكريم على قول المعروف ﴿ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى﴾ [البقرة: 2/263].
وهكذا يجب على المسلم أن يراقب لسانه في كل لفظة، فهي إن خرجت فإما له وإما عليه. ولا يؤاخذنا العفوّ الكريم باللغو في الأيمان. أما اللغو في الحديث فمنهيّ عنه﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 23/3] وكأني بسورة الحجرات تقدم النموذج العالي الرباني لما يجب أن تكون عليه ألسنتنا. فقد عالجت حتى مسألة درجة ارتفاع الصوت أو انخفاضه﴿ لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ [الحجرات: 49/2] ونهانا الله عز وجل عن تحريك ألسنتنا بالغيبة… ﴿وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: 49/12]. وبيَّن لنا أيضاً أن الأقوال ترتبط بقائلها فليس قول الفاسق كقول التقي، لذلك نهانا أن نبني أيَّ موقف على قول أو نبأ الفاسق بل أمرنا أن نتبيَّن ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 49/ 6]. وقد وسم بالظلم الذين لم يتوبوا عن تحريك ألسنتهم بتنابز الألقاب ﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [ سورة الحجرات 49/ 11]. وقد قدَّم القرآن الكريم في مواضع عدة أثر القول ومكانته ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ سورة فُصِّلت 41/33].﴿ألَمْ ترَ كََيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أصْلُها ثابتٌ وَفَرْعُها فيْ السَمَاءْ ﴾﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثة كَشَجَرَة خَبيثة اجْتُثَتْ مِنْ ٍفَوْقِ الأرْض ما لها منْ قَرار﴾]سورة ابراهيم 14/24-26[.
﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات 49/14] ﴿لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ [البقرة: 2/104]
ولنعرف كم هي خطيرة تلك الأقوال التي تخرج من أفواهنا علينا أن ندرك أن الدخول في الإسلام يبدأ عن طريق إعلان الشهادتين وقد تُخرجُ كلمةٌ قائلَها من الملَّة والعياذ بالله.
أما الأعمال فقد بيّن الله عّز وجلّ أن لكل عمل وزناً يُجزى الإنسان بمقداره ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 99/7و8 ] ﴿ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 10/23] ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾ [يونس: 10/61].
ويبين الله عز وجل أن الحكم الشرعي له وحده إما بكتابه الكريم مباشرة وإما عبر رسوله الكريم ومن ثم بواسطة مصادر التشريع الأخرى، فيقول: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 10/59] ويأمر العزيز الحكيم في آيات أخرى بطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام وطاعة أولي الأمر ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 4/59].
وترتبط الأعمال بالنيات فلا بد لها من قصد وإلا كانت عبثاً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"([22]). أما المشاعر فإننا نرى أنها كالأقوال والأفعال، انعكاس لما يستقر في القلب من عقيدة. فلا يمكن للمسلم المؤمن أن يحب ما يكره الله ورسوله عليه السلام أو العكس. ويقول الله عز وجل في معرض طلبه من المؤمنين ذكوراً وإناثاً أن لا يكون لهم خيار إلا ما ارتضاه لهم، حبّاً له وتسليماً لحكمه. ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 33/36] ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ [النساء: 4/65].
فعلى المؤمنين والمؤمنات أن يدفعوا عن أنفسهم كلَّ حرج فيما قضى الله عز وجل بل وأكثر من ذلك، فإنه عليهم أن يسلموا بمطلق الرِّضا. وعليهم أن تكون مشاعرهم وما في قلوبهم إلى جانب الله ورسوله وشرعه، فالمؤمنون لا يمكن أن تُعمرَ قلوبُهم بمودة من حادّ الله ورسوله. ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [ المجادلة: 58/22].
حتى إن كَظْمَ الغيظ ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ [آل عمران: 3/134]، ومِشيةَ المؤمن ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 31/ 18]. وحبّ شيوع الفاحشة، ولو لم نمارسها نحن ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ [النور: 24/ 19]. وحب الطغاة والأنداد ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 2/165] إن هذه الحالات كلّها الشعورية النفسية من كظم الغيظ إلى المرح والاختيال والفخر بالنفس والعجب بها، وحب شيوع الفاحشة وحب الظّلاّم والطغاة، بيّن الله عز وجل قيمتها وموقعها، فرغّب بما يرضاه ويحبه، ونهى عمّا يأباه ويكرهه.
وهكذا يتبين لنا أن لمشاعرنا - فضلاً عن أقوالنا وأفعالنا - قيمةً، ويكفي أن تقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" لتدرك ما للمشاعر من قيمة في الإسلام. ويؤكد كل ما تقدم أن مصدر قيمنا في كل قول وعمل وشعور هو الله عزّ وجلّ.
ولم يكتف الباحثون في موضوع القيمة في تحديد مصدرها ولكنهم شغلوا أنفسهم في البحث عن كيفية اكتسابها فقادهم ذلك للبحث في كونها غريزية أو مكتسبة حيث واجهتهم نصوص شرعية في الكتاب والسنة.
من مثل قوله تعالى﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: 49/7]. وقوله عليه الصلاة والسلام: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "([23]).
وبالتالي أثاروا مسألة دور العقل في كونه مصدراً من مصادر القيم أولاً. فرغم أن هناك إجماعاً عند أهل السنة والجماعة أن مصادر القيم هي مصادر التشريع الإسلامي فإن البعض لم يسلّم بكون المصدر نقلياً فحسب.
ويرى أحد الباحثين أن المجتمع بما فيه من تفاعل بشري لا يمكن أن يكون مصدراً للقيم. ويستدل على ما ذهب إليه بأن الله تعالى هو الذي فطر الناس جميعاً. وكما ورد في الحديث الشريف أنهم مولودون على الفطرة([24]).
كما يذهب إلى أن الاستحسان لا يمكن أن يكون مقياساً أو مرجعاً للأخلاق والقيم(3) وإننا لا نرى تعارضاً بين هذين الاتجاهين فالنقل وحده لا يشمل كلَّ القيم ولو كان ذلك واقعاً لكانت صفة الثبات العددي من صفات القيم ولأمكن حصرها.
ولمّا كانت القيم تتولد وتزداد، كان لا بد للعقل الاجتماعي الإنساني من دور في هذا التوالد وهذه الزيادة، وبالتالي لا بد له من دور في رفض أو قبول المستجد من هذه القيم، ولكن هذا الرفض أو القبول لا يخضع لمصلحة أو لهوى، بل لا بد من أن يستهدي الشريعة في حكمه أو موقفه. وبهذا نفهم الموقف الأول بأن مصدر القيم لا يمكن أن يكون نقلياً فحسب، وكما نفهم الاتجاه الآخر – بأن المجتمع الإنساني بما فيه من تفاعل لا يمكن أن يكون مصدراً للقيم- بأن الله عز وجل خلق الإنسان وسخر له ما في الكون. وبناءً على طبيعة الأشياء ومكوناتها وعلاقاتها بفطرة الإنسان وإنسانيته تتشكل القيم، وهذا لا ينفي دور المجتمع في تشكيل قيم جديدة ولا يتعارض مع كون الله وشريعته هما مصدر القيم من حيث أساسها ومن حيث مرجعية الحكم الإلهي في قبول أو رفض المستجد منها.
وهكذا نفهم التعارض الظاهري الشكلي بين الاتجاهين، ولا نظن أن المقصود هو عودة إلى مسائل كلامية من مثل: هل الإنسان مخير أم هو مسير؟؟ وما معنى أنّ قلوب العباد بين إصبعي الرحمن يقلّبها كيف يشاء([25])؟؟ وهل يستفاد من هذا الحديث سلب إرادة الإنسان؟ وبالتالي من سُلِبَت إرادته فَعَلامَ يُحاسَبُ؟!
ذلك أنّ المخرج من هذا الإشكال ينطلق من فهم أن لله عز وجل على الناس الحجة ولا يصح أن يكون العكس. وتتمثل هذه الحجة في أربعة أمور:
1- فطرة التدين: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30/30] ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 7/ 172].
فالإنسان مفطور على التوحيد وشهد بذلك في العالم العلوي قبل أن يهبط آدم عليه السلام إلى الأرض. وما يحيط بالإنسان من أبوين وعناصر اجتماعية أخرى إما أن يزكي هذه الفطرة وينميها وإما أن يسهم في انحرافه عنها، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم ((يولد المولود على الفطرة)) ([26]) ، وقوله تعلى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 90/10].
2- هبة العقل: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ [النور: 24/61].
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الروم: 30/28].
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون﴾ [البقرة: 2/164].
وما أكثر الآيات التي تحض على إعمال العقل. وقد جاءت في سياقات ومواقف مختلفة ﴿ أفلا تعقلون﴾ وقد وردت بهذه الصيغة ثلاث عشرة مرة، و﴿ أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾بهذه الصيغة مرة واحدة.
﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وقد وردت في هذه الصيغة ثماني مرات.
﴿ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ وردت مرتين.
﴿ يَعْقِلُونَ﴾ وردت بالإثبات عشر مرات.
﴿ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ بالنفي وردت إحدى عشرة مرة.
﴿ نَعْقِلُ ﴾ وردت مرة واحدة.
والمستقري لهذه الآيات يلحظ تنوع ورودها مرات مع الاستفهام الإنكاري ليفيد الحض مستخدماً "أفلا" ومرات مع "لعلّ" التي تفيد الرجاء الذي يتعداه في السياق إلى الطلب والأمر بإعمال العقل.
ثم يبيّنُ بالإثبات "يعقلون" مواقف المؤمنين الناجين، وبالنفي "لاَ يَعْقِلُونَ" مواقف الهالكين والعياذ بالله. ويُتبعُ ذلك أسلوب الشرط ليوقظ الهمم في استعمال العقول "إن كنتم تعقلون".
والجدير بالملاحظة أنه لم ترد مفردة من جذر (ع – ق – ل) مسندة إلى المتكلم المفرد أو المخاطب المفرد، بل جاءت كلها بالإسناد إلى الجمع. وكأنها إشارة إلى ثمرة التفكير الجماعي وضرورة استفادة المسلم من ثمار عقول الآخرين، ممن سبقوا أو من الذين يعاصرهم.
فلا يملك أحدٌ من الناس أن يدَّعي عدم قدرته على النظر في آيات الله وقد هداه آلة التفكير والتفكر، وجعله بين أناس يمارسون التفكير ويتوصلون بإعمال عقولهم إلى إثبات وحدانية الله عز وجل.
3- إرسال الرسل: قال الله عز وجل ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾ ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ [النساء: 4/الآيات163-164-165-174]
وبعد أن مكّن الله عز وجل ابن آدم بفطرته التي فطر الناس عليها وبإهدائه إيّاه القدرات العقلية أرسل إليه الرسل مبشرين منذرين لئلا يكون لهم على الله حجةٌ. فإن ضُلِّلت الفطرة وتاه العقل، جاءت الرّسل لتعيد الأمر إلى نصابه، فتضيء جنبات الفطرة وتستثير العقول بهديهم ودعوتهم بما أُيّدوا به من معجزات، فمن اتبعهم أفلح ومن عاندهم وخالفهم وكفر بهم ما كان لينجح. ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾ [النساء: 4/115]، وقد أمن الله عز وجل الناس ولم يَكِلْهم إلى عقولهم وإرادتهم فرفع عنهم العذاب حتى يبعث إليهم الرسل ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: 17/15].
4- الإرادة: إن العدل الإلهي يقتضي أن يتمتع الإنسان بإرادة الإحجام أو الإقدام على فعل عملٍ أو ترك أمرٍ ما، طاعةً وخوفاً، أو معصيةً وعناداً. وذلك باستطاعة الإنسان، إذ إنَّ الله عزّ وجل زوّده بفطرة ثم بقدرات عقلية، وبعد ذلك أرسل إليه الرسل يبينون له مراده عز وجل ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 18/29].
ولن نتوقف عند نقاش الجبرية أو القدرية في هذه المسألة ونلتزم موقف أهل السنة والجماعة المتمثل في فعل عمر رضي الله عنه وقوله: رداً على قول أبي عبيدة بن الجراح([27]) : " أفراراً من قدر الله (...تفرُّ من قدر الله إلى قدر الله...) ([28]) يوم نادى بالناس الذين كانوا في صحبته ليرجعوا معه ولا يدخلوا أرض الشام التي كان قد وقع بها مرض الطاعون.
فلا تعارض بين إيماننا بأن كلَّ شيء بما في ذلك مشيئة العبد يتبع مشيئة الله، أي إيماننا بالقضاء والقدر، وبين اعتقادنا أن الإنسان مُنِحَ إرادة الفعل والترك وعلى أساسها يُحاسب.
وقد بيّن الله عز وجل ذلك في قوله تعالى﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 81/28-29].
وعلى هذا الأساس نرى أن الإنسان بإرادته يختار أن يلتزم قيمةً ما أو يرفضها وذلك بناءً على عقيدته ونظرته لوجوده وللكون من حوله رغم تأكيدنا على أن للأبوين خاصّة، وللأسرة والعوامل الاجتماعية عامة أثراً فعّالاً فيه.إذ إنَّهم يسهمون إلى حدٍّ كبيرٍ في بناء شخصية الإنسان، عقيدةً وعقليةً ونفسيةً… الخ. لكن هذا لا ينفي مطلقاً دور إرادة الإنسان بعد فطرته وهبة عقله ودعوة الرسل وهدايتهم.
الضوابط والمنطلقات التي تبنَّيناها في البحث عن مفهوم القيمة في الدراسات الإسلامية:
ونخلص الآن إلى عرض مفهوم القيمة إسلامياً في دراسات بعض الإسلاميين، معرضين عن نقاش التعريفات التي طالعنا بها الفلاسفة وعلماء الاجتماع أو علماء النفس أو الاقتصاديون، ذلك أننا عرضنا لها عند أهل كلِّ علم من هذه العلوم تحت عنوان خاص. وكذلك لن نتوقف عند مقارنة القيمة بالميول أو النزعات أو الاتجاهات أو الحاجات أو الدوافع أو السمات لأنك لن تجد واحدة من هذه كلّها يمكن أن تشمل مفهوم القيمة بل كلٌّ منها يشكّل صفة من صفات القيم عامّة أو صفة من صفات قيمةٍ محدّدة. وبعد ذلك سنحاول تعريف القيمة من وجهة نظرنا، ذلك بعد وضع ضوابط وتحديد منطلقاتٍ قبل أن نشرع في التعريف. في محاولة لتأصيل التعريف إسلامياً وتجنباً للشطط. ومن هذه الضوابط والمنطلقات:
1- محاولة استيعاب تعريفات الباحثين المسلمين للقيمة بعد عرضها ونقاشها.
2- استحضار المعنى اللغوي ومستلزمات الجذر (ق- و- م) كما وردت في المعاجم. وقد استخلصتها وجمعتها في مبحث (القيمة لغة) .
3- استحضار علاقة سلوك الإنسان عملاً وتركاً، صمتاً وقولاً، وشعوراً بعقيدته.
4- استحضار علاقة سلوك الإنسان بنظرته إلى إنسانية الإنسان والكون من حوله.
5- توظيف الآثار الواردة من كتاب وسّنة مما له علاقة بمفهوم القيم من مثل قوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 99/7و8]. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة… أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق… والحياء شعبة من الإيمان"(1).
وأحاديث وزن الأعمال والأقوال "كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده"(2) وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمُره فيما أفناه، وعن علمه فيمَ فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه"(3)
المبحث الثاني: مفهوم القيمة في كتابات سلفنا الصالح:
لا بدّ أن نمر ولو مَرّاً سريعاً على موضوع القيم في كتابات سلفنا الصالح، وإن لم تأت تحت هذا العنوان، إذ هم لم يهتموا برسم حدود لمفهوم القيمة، ولم يعرّفوها، لكنهم بحثوا في كثير من الموضوعات التي تتصل بالقيم، كالإسلام والإيمان ومكارم الأخلاق والتقوى والتوبة والأدب الجامع والمعروف والبر وفضائل الأعمال والكبائر… كما بحثوا في علاقة الإيمان بالعمل والعمل بالنية، والنفس بالتزكية والتدسية. وسنتبع خط سيرٍ تاريخي حيث سأبدأ بأبعدهم عنا زمناً ثم الذي يليه آخذين بعين الاعتبار سمات عصر كلٍّ من هؤلاء العلماء وما تأثر به منها وعلى الأخص السمات الفكرية والثقافية، ولن نعمد إلى إثبات هذه السمات خوفاً من الاستطراد والإطالة إلا أننا سنعمد إلى جمع أهم هذه السمات ونحتفظ بها في ذاكرتنا لتلقي بظلالها على تفسيرنا موقف هذا العالم أو ذاك. وسنختار بعضاً منهم وذلك حسب الترتيب الآتي:
1- الفقيه محمد الآجري: [ -360هـ ] في كتابه أخلاق العلماء.
2- ابن مسكويه [ - 421 هـ ] في رسالة تهذيب الأخلاق.
3- الماوردي [ 364 - 450 هـ] في كتابه، أدب الدنيا والدين.
4- الإمام البيهقي [ 384 - 458 هـ] في كتابه ، شعب الإيمان.
5- الإمام الغزالي [ 450 – 5.5 هـ ] في كتابه ، إحياء علوم الدين.
6- الإمام الذهبي [ 673 - 748 هـ ] في كتابه ، الكبائر .
7- ابن قيم الجوزية [ 691 – 751 هـ ] في كتابه، مدارج السالكين.
8- ابن حزم [ 994 - 1064 هـ ]في رسالة الأخلاق والسِّيَر.
ونبتغي من وراء ذلك تبيان العلاقة بين القيم وكلٍّ من الإيمان والنية والمعروف والأخلاق، من خلال فهمنا لما جاء في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، من مثل قوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 99 /7-8]. وقوله تعالى:﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 9/105] وقوله تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴿ [الكهف: 18/110]، وقوله تعالى في ربطه ثواب الأعمال بالحالة الإيمانية لمن يقوم بها ﴿ فمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء: 21/94]. وهناك كثيرٌ من الآيات القرآنية الكريمة بيّنت مكانة المعروف والأمر به وعلاقته بالإيمان أيضاً كقوله تعالى: ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران: 3/104] وقد أمر الله تعالى في السورة نفسها بقوله ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران: 3/114] وقوله ﴿الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 9/112] فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينفكان مرتبطين بالإيمان ويؤديان إلى حفظ حدود الله. وكذلك يمتّن هذا الربطَ ويدعمه ما جاء من أحاديث نبوية شريفة كثيرة من مثل (الإيمان بضع وسبعون شعبة…... والحياء شعبة من الإيمان)(1) وقوله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ([29]) و( إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها) ([30]) وقوله أيضاً (ما آمن بي مَن بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم) ([31])وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام (إنّ الله قسَم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم) ([32])وكذلك ربطه صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات (إنما الأعمال بالنيات…)([33]) ولمّا كان الإيمان رأس الأمر والمظلة التي ينضوي تحتها العمل، والأصل الذي ينبغي أن يتصل به كلُّ سلوك وقول وشعور، من الجهاد ذروة سنام الإسلام، إلى إماطة الأذى عن الطريق، إلى الفرح وكظم الغيظ،.. إلى الحياء، فقد بُحثت جميعُ فروعِ الشريعة في ضوء هذا العامل الأساس، عنيت به الإيمان.
ولما لم يكن في تصور سلفنا – ولا في تصوّرنا – أن يكون عملٌ بلا محرك إيماني – إلا أن يكون عبثاً – فلم يشعروا ولم نشعر أننا بحاجة إلى بحث القيمة بشكل مستقل وبالتالي لا نرى أنها تكمن وراء سلوكنا وأقوالنا ومشاعرنا، فهذا احتاج إليه علماء الأخلاق في الغرب بديلاً عن الإيمان وانسجاماً مع طغيان عنصر المادة، في أن ما ينفع هو القيمة. ولقد اهتم علماء سلفنا الصالح، في تبيان آفات النفس، وإبراز فضائل الأعمال، وإعلاء شأن الأمر بالمعروف، وتحصين السلوك بمكارم الأخلاق ليتمثلها المؤمن وليحرك الإيمان كوامن الصلاح، وعناصر التزكية النفسية وليصارع نوازع الخبث وبواعث الفجور وعوامل التدسية.
وإنَّ نظرة استقرائية لكتاب الله العزيز، تبيّن لنا مدى ارتباط السلوك بالإيمان، فمن فاتحة الكتاب بعد حمد الله والثناء عليه عز وجل ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيم﴾[الفاتحة: 1/2-3 ] وإفراده بالعبودية وتخصيصه بطلب العون ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 1/6 ] يأتي طلب الهداية ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 1/6]، إذاً من فاتحة الكتاب إلى مطلع سورة البقرة حيث الهداية متعلقة بكتاب الله عز وجل، ولا ينالها إلا المتقون ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2/ 2] وهؤلاء المتقون موصوفون بصفات:
أ- يؤمنون بالغيب ب- يقيمون الصلاة ج – ينفقون في سبيل الله:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [البقرة: 2/3 ] إلى آخر سور القرآن الكريم حيث يعلّمنا ربنا تبارك وتعالى كيف نستعيذ به من وساوس الشيطان الرجيم الوسواس الخناس. ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس﴾ ﴿ مَلِكِ النَّاسِ ﴾ ﴿إِلَهِ النَّاسِ ﴾ ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس: 114] فلا يستجير المستجير إلا بمن يؤمن بقدرته على حمايته. وإن نظرة أخرى إلى كتب الحديث للاطلاع على تقسيم الأبواب فيها، كصحيحي الإمامين البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد وغيرها، توقفنا على علاقة الإيمان بالسلوك الإنساني وضبطه لمختلف نشاطاته، وسرّه وعلانيته. وذلك كلُّه يطلعنا على مدى اتساعِ مفهوم الإيمان عند علمائنا الأفاضل، ليشملَ القيم، بكل صفاتها وأنواعها وبواعثها . ففي صحيح البخاري نجد أنه قد بوّب المباحث مرتبطة بالإيمان والإسلام، ومن ذلك باب: الجهاد من الإيمان - باب: قيام ليلة القدر من الإيمان - باب: إفشاء السلام من الإيمان - باب: الحياء من الإيمان - باب: تفاضل أهل الإيمان - باب: من كره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان.
ونجد أيضاً أنه جعل كتاب الإيمان أول صفحة في صحيحه([34])، وذلك إشارة إلى أن كلّ أمر المسلم مرتبط بإيمانه .وكذلك فعل الإمام مسلم، فأول كتاب في صحيحه([35]) هو كتاب الإيمان وتجد تحته أبواباً عراضاً تشمل مختلف سلوك الإنسان في أقواله، وأفعاله ومشاعره، وقد استغرق هذا الكتاب مئة وسبعين صفحة([36]).
وتجد عناوين الأبواب قد صدِّرت بمسائل الإيمان أو بنقيضها، مثل الكفر والنفاق والشرك…الخ. راجع الأبواب رقم (9 –16 –25 –29 –30 –31 – 35) من ص(59) حتى ص (85) .
وفيه عن الأعمال:أبواب كثيرة ومنها:
باب رقم (36): إن الإيمان بالله أفضل الأعمال.
وباب رقم (41): تحريم قتل الكافر بعد قوله لا إله إلا الله.
وباب رقم (42): من حمل علينا السلاح فليس منا.
والأبواب: (47) ، (51) ، (52) ، (53) وغيرها كثير.
- وفيه عن الأقوال: أبواب كثيرة أيضاً من مثل:
باب رقم (32) باب كفر من قال مُطرنا بالنّوء- وباب رقم (25) باب: بيان خصال المنافق وأوّلها: إذا حدّث كذب .
والأبواب: رقم (45) ، (46) وغيرها.
- وفيه عن المشاعر أبواب كثيرة ومنها:
باب رقم (33): باب: الدليل على أن حبّ الأنصار وعليّ رضي الله عنه من الإيمان.
باب رقم (17): باب: الدليل على أنّ من خصال الإيمان أن يحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه من الخير.
باب رقم (15): باب: بيان خصال من اتصف بهذا وجد حلاوة الإيمان.
والأبواب: (16) ، (22) وغيرها.
ولا بد من الإشارة إلى أن علماءنا من السلف الصالح بحثوا في كثير من الموضوعات التي يُطلق عليها اليوم بعض الباحثين المعاصرين مصطلح "القيم" لكنهم – أي علماء السلف – عنونوا لها بمسميات مختلفة مثل: (الأمر بالمعروف) و(البر والتقوى) و( مكارم الأخلاق) و(شعب الإيمان) و(فضائل الأعمال) …إلخ.
- والمتأمل لهذه العناوين، يجد أن لها مدلولاً واضحاً بيّناً، يحرك قارئه ويؤثر فيه، ويتفاعل معه، خلافاً لمصطلح (القيمة) وما يعتوره من عمومية وغموض، وقد يعترض معترض فيقول: ألم يصف ربّنا تبارك وتعالى دينه بقوله ) … دِيناً قِيَماً( [الأنعام 6/161] والله عز وجل يخاطب عباده بما يُفهَم. ونرد بقولنا: إنَّ ما اتجهت إليه عقول المفسرين في فهمهم لقوله تعالى: )دِيناً قِيَماً( [الأنعام: 6/161] هو ما تقود إليه معاني الجذر (ق - و - م)([37]) فقالوا: أي ديناً ثابتاً مقوِّماً لأمور معاشهم ومعادهم. وقد لا يكون في أذهانهم شيءٌ مما أُلبِسَتْه هذه المفردةُ (القيمة) من دِلالات معاصرة. ومما ذهبوا إليه أنَّ هذا من باب اشتمال الموصوف على الصفة وليس العكس. فالدين يشتمل على القيم، ولا تستوعب القيم الدين. ويقول السيوطي في هذا المجال: ومن سنن العرب وصف الشيء بما يقع فيه، نحو: (يوم عاصف)، (ليل نائم، أو سائد) ([38])، فاليوم يشتمل على ما كان فيه من عواصف، والليل يشتمل على وقت للنوم وآخر للسهر اللذين يكونان فيه. وقد اعتبروا أيضاً أن ((قِيماً)) مصدرٌ كالصِّغَر والكِبّر([39]). ومعروفٌ أنَّ الوصف بالمصدر أبلغ وصف، فعندما تقول: فلانٌ كريمٌ .فإنك لا تصل به إلى درجة وصفك إياه بقولك: فلانٌ كرَمٌ. حيث تفيد الثانيةُ أنَّ فلاناً استغرق الكرَم كلَّه ولم يُبْقِ منه شيئاً. فكأنَّ الدينَ لم يُبقِ قيمةً إلا وأدخلها في نطاقه. هذا إن سلّمنا بمدلول القيمة ومفهومها المعاصر. وسنعرض لمفهوم القيمة عند علماء السَّلَف بدءاً من الفقيه محمد الآجري
[ … - 360هـ] وانتهاءً بابن حزم [994هـ - 1064هـ].
مفهوم القيمة في كتابات السَّلَف الصّالح:
والكتاب رسالة تقع في تسعين صفحة، عالج فيها موضوع (أخلاق العلماء) فبيَّن فيها مكانتهم وفضلَهم معتمداً على أدلةٍ من الكتاب والسُّنة، من مثل قوله تعالى: ﴿...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 58/11]، وبيَّن المقصود من قوله تعالى: ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ [يوسف: 12/22]، أنه الفقه والعقل والعلم. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما عُبِد الله بشيء أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"([41]).
ثم ذكر صفة طلب العلم، وربطها بالعبادة فقال: "إن الله قد فرض علينا عبادته، والعبادة لا تكون إلا بعلم"([42]). وبيَّن كيف يمشي طالبُ العلم وحيداً إلى العلماء، برِفق وحِلم ووفاء وأدب، تالياً القرآن أو منشغلاً بالذِّكْر، محدِّثاً نفسه بنعم الله. ثم بيَّن صفة مجالسة العلماء بتواضع وأدب وخفض صوت. ويكون أكثر سؤاله عن علمِ ما تَعَبَّّد الله تعالى به.
فإذا فتح الله عليه وصار عالماً، ألزمَ نفسه التواضع للعالِم وغير العالِم، للغني والفقير. ومنَعَ أن تُستقضى الحوائجُ به. ووجب عليه أن يداريَ من كان ذهنه بطئياً، ولا يعنّف السائل.
ثم بيَّن أن همَّ العالم الفهم عن الله، وتحصيل العلم يظهر في تخشُّعه وكل جوارحه، فيكون له خيراً من الدنيا وما فيها([43]). كما بيَّن له كيف يناظر العلماء، وصفة العالم الجاهل المغرور إلى أن ينهي رسالته بوصف من نفعهم الله بعلمه وارتباط تحصل العلم بالتقوى: ﴿واتقوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 2/282].
ونلاحظ أن هذا العالم الجليل، والذي بحث مبكّراً موضوعات تتصل بالتربية من جهة، وبالقيم من جهة أخرى، لم يعرّج على شيء من مباحث القِيَم في صورتها ومفهومها الحاضرين. وقد عمد إلى ربط الإيمان بالعمل والسلوك، حيث لا بد من ظهور أثر الإيمان والعلم الذي يخدمه على جوارح المتعلِّم المؤمن. فالإيمان عِلْمٌ وعمَل.
عُني ابن مسكويه كما يبدو من عناوين بعض تصانيفه بالأخلاق، وجاءت وفق مذاهب الفلاسفة في تقسيمهم النفس إلى قوى، وبحث ما يتعلق بها من صفات متضادة، كالخير والشر، والفضائل والرذائل، والسعادة والشقاء. وقد قسّم كتابه إلى مقالات ستة أُولاها، مبادئ الأخلاق، وعالج في هذه المقالة قوى النفس فزعم أن قوة النفس الأولى هي الفكر والتمييز. وشرح ما يتعلق بهذه القوة من عوامل الإرادة وفضائل الحكمة وما يضاددها. والثانية، من قوى النفس- عنده – هي القوة الغضبّية وما يتصل بها من شجاعة أو جبن، وبعد ذلك يحدّثنا عن القوة الثالثة وهي قوة الشهوة ولجامها العفة، والشره تفلتها. ومن تفاعل هذه القوى ينتج سلوك إنساني يتصف إما بالعدالة وإما بالظلم. وللحقيقة ينتابك وأنت تطالع هذه الموضوعات – في مثل هذه المذاهب – شيء من الغرابة والحزن، فعلى علوّ كعب هذا العالم، تستغرب أن يلهث وراء مصطلحات الفلاسفة ومناهجهم في بحث الأخلاق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"([46]) وقد علّمنا كيف نصنع عند الغضب "الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفَأ النارُ بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"([47]). وفي أول سورة من القرآن الكريم علّمنا ربنا طلب الهداية منه. وأخبر في أول سورة البقرة أن كتابه لا ريب فيه وهو هدى للمتقين. فالكرم والبخل والشجاعة والحياء وجوامع الأدب مبثوثة في كتاب الله وسنة رسوله، وكذلك آفات النفس وعلاجاتها. فما أشبه موقف ابن مسكويه اللاهث خلف الفلسفة بمن يلهث اليوم ساعياً نحو علماء الغرب، يبتغي الوقوف على حدود مصطلح القيمة عندهم، من غير أن يسأل نفسه ما سرُّ الاحتفال العظيم بالقيم وما يتصل بها في الغرب؟!! ومن غير أن يؤصّل المنهج الذي سيتّبعه في بحثه؟!؟!.
جاء هذا الكتاب في ثلاثمائة وعشرين صفحة. ضمَّت خمسة أبواب هي:
(1) فضل العقل وذم الهوى
(2) أدب العلم
(3) أدب الدين
(4) أدب الدنيا
(5) أدب النفس.
وجعل العقل وفضله أول هذه الأبواب، لأنه يعتبره أصل الدين: "واعلم أن أسّ الفضائل وينبوع الآداب هو العقل الذي جعله الله تعالى للدين أصلاً وللدنيا عِماداً، فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبَّرة بأحكامه". وقال: وجعل ما تعبَّدهم به قسمين: قمساً وجب بالعقل فأكده الشرع، وقسماً جاز في العقل فأوجبه الشرع. ثم بيَّن أن الهوى عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ([50]).
وفي باب أدب العلم نراه يربط العقل بالعلم: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾[العنبكوت: 29/43]. فنفى اللهُ عز وجل أن يكون غير العالِم يعقل عنه أمراً أو يفهم عنه زجراً([51]).
ثم في باب أدب الدين يقول: وجعل ما تعبدهم به مأخوذاً عن عقل متبوع وشرع مسموع، فالعقل متبوعٌ فيما لا يمنع منه الشَّرع، والشرع مسموع فيما لا يمنع منه العقل. لأن الشرع لا يرد بما يمنع منه العقل([52]).
وفي باب أدب الدنيا يثبت أن الدنيا مزرعة الآخرة، فيقول: إن الله تعالى جعل أسباب حاجته – أي الإنسان – وجعل عجزه في الدنيا التي شاءها دار تكليف وعمل، كما جعل الآخرة دار قرار وجزاء، فلزم لذلك أن لا يصرف الإنسان إلى دنياه حظاً من غايته لأنه لا غنى له عن التزود منها لآخرته([53]).
وينتقل بعد ذلك للكلام في باب أدب النفس. فينكر على من يفوّض أمرها إلى العقل أو يتّكل فيها على الطبع إذ لا بدّ له من تأديبها فيقول: اعلم أن النفس مَجْبولةٌ على شيم مهملة وأخلاق مُرسلة لا يستغني محمودها في التأديب ولا يُكتفى بالعرضي منها عن التهذيب …فإن أغفل تأديبها تفويضاً إلى العقل أو توكّلاً على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض درك الجاهلين، وأعقبَه التوكّل ندم الخائبين([54]).
وبعد ذلك يبسط الكلام في آداب المواضعة والاصطلاح. فيقرِّر أنها ضربان، أحدهما ما تكون المواضعة في فروعه والعقل موجب لأصوله، والثاني: تكون المواضعة في فروعه وأصوله([55]). ثم ذكر فصولاً من مثل الكلام والصَّمت، الصَّبر والجزع، المشورة.
وهذا الكتاب جامعٌ فعلاً لأدبي الدين والدنيا، ضمّنه الكاتب عيون الشعر العربي، وَخاطب فيه العقل، وربطه بالدين، وجعل المشاعر تبَعاً له، وكذلك الجوارح. هو بكل ما فيه مرتبط بالإيمان وأركانه وبالشريعة وأحكامها. وعالج مسألَتَي العقل والنَّقل استناداً إلى الكتاب والسنّة، ولم يتوحّل في مستنقعات الفلاسفة. وكل ما فيه يمكن أن نسمّيه أدب الدين في الدنيا، حيث يصدر بكل ما فيه من مصادر هذا الدين الحنيف، ويعبّر هو عن هذا الفهم بعلاقة الدنيا- بكل ما فيها – بالآخرة متبنيا قول محمود الورّاق([56]): [من البحر السريع].
لا تُتْبِعِ الدنيا وأيامَها من شرِف الدنيا وأيامها |
د-مفهومها عند الإمام البيهقي([58]): [ 384 هـ – 458هـ] في كتابه شعب الإيمان، والذي انطلق فيه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"([59]).
وإن كان هذا العالم الجليل قد شغل نفسه في اختيار شعب توافق العدد الوارد في الحديث أي وفق اثنتين وسبعين شعبة ودون الثمانين، فإننا لم نقع في كتابه على تصريح يرفض فيه أن يدخل الكثير من أنواع السلوك البشري تحت عنوان شعبة من الشعب. كذلك لم نقف على قول له يفيد أنه أقفل الباب في وجه شُعَب أخرى مستجدة، أو يستدركها عليه أحد معاصريه. ولا نتصور أن الإمام البيهقي فهم من الحديث أنّ الشُّعَبَ التي عدّها هي الإيمان فحسب وأنه تعامل معها كأركان الإيمان. ودليلنا على ذلك أنه لم يلزم أحداً باتباع ما أورده، ولم تتعامل الأمة بعلمائها وعوامها مع كتابه على هذا الأساس بل العكس فالواقع يشهد أن كثيراً من العلماء لم يطلعوا حتى على الكتاب.
وهو مؤلَّف ضخم جاء في سبعة أجزاء، ضمَّ الأول منه إحدى عشرة شعبة والثاني ثماني، والثالث ست، والرابع ثلاث عشرة، والخامس عشرة، والسادس خمس عشرة، أما السابع فضم أربع عشرة. ويكون إجمالي الشعب التي عنون لها وبحثها سبعاً وسبعين شعبة . وقدَّم للكلام على الشعب بتبيان ذكر الحديث الذي ورد في شعب الإيمان ثم أردف في الكلام على حقيقة الإيمان والكفر، وأنّ الطاعات كلَّها إيمان، وغير ذلك من مثل زيادة الإيمان ونقصانه والاستثناء في الإيمان… الخ وجعل لكل شعبة باباً وأورد تحته فصولاً كثيرة.
وأول شعبة عنوَن لها: الإيمان بالله وبحث تحتها فصولاً في معرفة الذات والصفات والأسماء. ثم استوفى البحث في ما يعرف بأركان الإيمان. وفي الأجزاء الأخرى درج على المنهج نفسه، وهو ربط السلوك والمشاعر من عبادات وعادات وأفعال وأقوال بالإيمان: مثل حبّ النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وطلب العلم، وتعظيم القرآن الكريم. وقد استغرقت هذه الشعبة من ص: 319 حتى نهاية الجزء الثاني ص: 564 وربط ذلك كلّه بالإيمان، ويقدم للشعبة مما ورد في شأنها من الكتاب الكريم والحديث الشريف. ويضم كلُّ بابٍ (أي شعبة) فصولاً هي غاية في الدقة، ويبيِّن الحكم الشرعي فيها وموقف الإسلام منها.
وقد عرّج على مختلف نشاطات الحياة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية من تشميت العاطس([60]) إلى العلاقة بولي الأمر(2) إلى أكل المال بالباطل(3)…إلخ. حتى إنّه يبيّن كيفية العطاس، وكيف يقف الزائر بالباب، وكيف يطرقه للاستئذان.
ولندع صاحب الكتاب نفسه يحدد لنا سمة الكتاب الأساسية أو هدفه من تأليفه حيث يقول: "ثم إني أحببت تصنيف كتابٍ جامعٍ لأصل الإيمان وفروعه، وما جاء من الأخبار في بيانه وحسن القيام به"(4) وبعد أن بيّن حقيقة الإيمان قال: "إذا أوجبنا أن تكون الطاعات كلُّها إيماناً، لم نوجب أن تكون المعاصي الواقعة من المؤمنين كفراً، ... "(5) وهم قد فهموا ذكر العدد في الحديث على عادة العرب، حيث المقصود به الكثرة لا العدد بعينه، ونحن حتى أيامنا هذه نستعمل هذا الأسلوب فيقول قائل: لقد اتصلت بك أو زرتك مئة مرة ولم أحظ بك ويقصد: زرتك مراتٍ عدة.
وذلك مثل قوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ ﴾ [التوبة: 9/80].
ومثله إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً مَن أحصاها دخل الجنة"(6)
فإنَّ هذه الصيغ لا تفيد الحصر أو الجزم، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إني خُيرت فاخترت"([61]). وأَمْرُهم إلى الله عز وجل كما ثبت في الآية… وكذلك ليس هناك مانع من أن يكون لله أكثر من تسعةٍ وتسعين اسماً. فهو الشافي وهو الآمر وهو الناهي، وهذه لم ترد مع التسعة والتسعين المعروفة، بل أجاز العلماء أن يسمّى الله عز وجل بأسماء مشتقة من الأفعال الواردة عنه في القرآن الكريم من مثل: الآمر، الناهي، الصانع، الرامي… ﴾وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 8/17]. شرط أن لا توهم اتصافه سبحانه وتعالى بما فيه نقص بكمال الألوهية وجلال الربوبية([62]). وقد ذكر ابن العربي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي، أن بعضهم جمعَ من الكتاب والسُّنة من أسماء الله ألف اسم([63]).
ﻫ-مفهومها عند الإمام أبي حامد الغزالي([64]) [ 450 هـ – 505 هـ] في كتابه، إحياء علوم الدين، نرى بوضوح، وعبر ثقافة هذا العالم الشمولية الموسوعية، كيف يربط مباحثه كلَّها، وليس العقائد فحسب بالإيمان. فالعبادات فرع على الإيمان، وكذلك نراه يعالج الآفات بالطاعات وبمراقبة الذات على أساس من الخوف والرجاء: الخوف من ناره وشديد عقابه تعالى، والرجاء برحمته ومغفرته وعدم اليأس. فنراه يبث الآيات التي يتوعد فيها عز وجل بعذابه من مثل :
﴿ ولاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 2/174].
﴿... خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [آل عمران: 3/88] و﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾ [النساء: 4/56] وقوله تعالى في الرجاء ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزّمر: 39/53]. والذي يستعرض هذا السِّفْر العظيم ، رغم ما فيه من أحاديث ضعيفة أو موضوعة([65])، يقف على مدى اتساع مفهوم القيمة إسلامياً مقارنةً بمفهومها الغربي الحديث. فهذا الكتاب بأجزائه الأربعة يمكن إرجاع كل ما فيه إلى قيمة من القيم الإسلامية وبالتالي إلى الإسلام بعموم أركان إيمانه وأحكام شريعته. فالجزء الأول منه وكذلك الثاني، يتعرض فيهما المؤلف لقيم العلم ثم لقواعد العقائد ومحاولة الكشف عن أسرار العبادات وأثرها في تقويم الخلق وتخليص القلب من الآفات، واللسان من الزلات، والحرص على مفيد العادات، بالذكر والتأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح من كبار الرجالات، وبمراقبة الذات والمحافظة على الطاعات وتجنب المعاصي والموبقات. ويعرّج فيهما على أحكام المعاملات، وليس من جانب فقهي وأحكام شرعية فحسب، إنما تراه يربط الحكم الشرعي بأصل إيماني وبصفة خُلُقية… ولم يَنْسَ دَوْرَ الفضائل الخلقية في تربية النفس وتزكيتها، فتراه يتكلّم على الألفة والأخوّة وحسن الصحبة والمعاشرة، وينفّر من الحقد والبغض ويأمر بكظم الغيظ والعفو و…الخ معتمداً في ذلك على الآيات القرآنية ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 3/ 134].
وكذلك تراه في الجزء الثالث يهتم برياضة النفس وتهذيب الأخلاق وكأنه يعزّز مفصّلاً ما ذكره في الجزأين الأولين مُجْملاً وخاصة في رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب كالحقد والحسد والكبر والغرور.
ولا بد أنه استقرى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فوقف على كثير من هذه الأمراض والآفات. وكذلك الوقوف على أحوال القلب المؤمن من مثل، الانشراح والخشوع والطمأنينة والإلفة واللين والرأفة والرحمة والإنابة وغير ذلك من انفعالات القلب المستكرهة من مثل، التنافر والحسرة والريبة والزيغ والغلظة والظن السيئ… الخ. فكل ذلك ورد في آيات القرآن الكريم. وإن نظرةً إلى المعجم المفهرس لمواضيع القرآن الكريم([66]) باب القلب وأمراضه وانفعالاته ترشدك إلى عشرات الآيات في هذا الباب، وآفات اللسان كالمراء واللعن والقذف والكذب والغيبة والنميمة.
﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ …﴾ [الحجرات: 49/12]
﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ [الحجرات: 49/11]
﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 83/14]
وقوله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور 24/22].
وقوله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً﴾ [النساء: 4/149].
وجاء الجزء الرابع من النسيج نفسه، والمادة عينها، وإن اختلفت العناوين والتسميات إلا أنه يستغرق في تبيان فضائل التوبة وقيمة الصبر ومكانة الشكر ومرتبة الزهد وعلوّ شأن التفكر وإعمال الفكر، ويُعلي مكانة النية ويربط ما تقدم كلَّه بالإخلاص.. وكأنه يقول في ختام كتابه في الجزء الرابع هذا ، إن المعول عليه في مباحثي كلِّها هو حسن الإيمان فلا قيمة لعملٍ بلا إيمان.
و- مفهومها عند الإمام الذهبي([67]): [ 673 هـ – 748 هـ] في كتابه الكبائر. وهو جزء واحد اهتم فيه بتحديد الكبيرة. فهي عنده، ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين، وذلك لكي يجتنبها المسلمون كما ذكر([68]).
ثُمّ اهتمَّ بتبيان عددها فذكر أنه قيل: هي سبع اعتماداً على قول النبي صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات)([69]). ثم بيّن موقفه بقوله: أما الحديث فما فيه حصر الكبائر([70]). وذكر سبعين كبيرة معتمداً في ذلك على قول ابن عباس رضي الله عنه: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع([71]) أولها، الشرك بالله، وآخرها، سب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم. ويعتمد في بيان كل كبيرة على ما جاء فيها من الكتاب الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، مبيناً حال مرتكبها، ويربط كلَّ ذلك بالإيمان، وقد يستطرد في البعض منها فيذكر موعظةً أو حكاية. وإذا وقفت على منطلقه ومنهجه في هذا الكتاب ترى أنَّ قضية الإيمان هي الصورة الأولى الماثلة في ذهن المؤلف حيث عَنون للكبيرة الأولى بـِ (الشرك بالله) فكان يقول: كما أنَّ الإيمان هو أساس الطاعات والفضائل، فإن الشرك بالله هو مبعث الكبائر والرذائل. ثم ربط كلَّ ما ذكر من كبائر في الكتاب بهذا الأصل (الإيمان) أو قل بنقيضه (الشرك). ونشير إلى أن ما يراه الإمام الذهبي كبيرةً قد لا يراه غيرُه من العلماء كذلك. وهذا يؤكد اختلاف ترتيب سُلَّم القيم عنده.
ز-مفهومها عند الإمام ابن قيم الجوزية([72]): [ 691 هـ- 751هـ] في كتابه مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. وهو ثلاثة أجزاء، كلٌّ منها في مجلّد.
بدأ الأول منها في بيان هداية القرآن الكريم، والمطالب العالية التي اشتملت عليها سورة الفاتحة، وأن الصراط المستقيم أجلُّ المطالب، وكذلك بيَّن دلالة الحمد على توحيد الأسماء والصفات، واهتم بتبيان مراتب الهداية ومراتبها وأنواعها، كما ردّ على الكثير من الفرق مثل المجوسية، والقدرية والجهمية والجبرية. وكذلك ردّ على منكري علم الله بالجزئيات، ومنكري النبوات. وقسّم الناسَ إلى أهل عبادة ومعترضين، وانقسام العبودية إلى عامة، وخاصة، وبيّن منازل إيّاك نعبد، ومنزلة المحاسبة وأركانها والتوبة وشروطها. وتكلم عن أعذار الخليقة المحمودة والمذمومة. وتكلم عن اللمم والكبيرة، والكفر الأكبر وأنواعه، وأفرد باباً عن مشاهد الناس في المعصية وموقعها من نفوسهم([73]). وعالج في الجزء الثاني على طريقته في الجزء الأول موضوعات من مثل: الإخبات، الزهد، الورع، التبتُّل، الرجاء، الرعاية، المراقبة، الإخلاص، الاستقامة، التوكل، التفويض والصبر، وأفرد أبواباً أخرى للصدق والخُلُق، والمروءة، والعزم والإرادة، واليقين والأنس بالله، والعلم، والسكينة، والطمأنينة، وربط كل ذلك بالإيمان وما وقر منه بالقلب وتحركت به الجوارح. وبيَّن أثر الجوارح وخاصة اللسان والحواس على القلب([74]). وفي الجزء الثالث تابع كلامه عن الهمَّة، والمحبّة، والغيرة، والشوق، ومنازل القلق، والعطش، والوَجْد، والدهشة، والهَيَمَان، والوقت، والنفَس. وتعرّض لأبواب أُخر مثل باب المعاتبة، والحياة، والقبض، والسكر. ويعرّف كلاّ منها ويبيّن المراتب موضحاً المقصود بالمصطلح منكراً على الصوفية بعض المصطلحات([75]) ولا تنفك جميع هذه الأبواب والموضوعات مرتبطة بالإيمان، مستدلاً بأحكامه فيها من الكتاب والسنّة.
ح- مفهومها عند الإمام ابن حزم([76]): [994هـ – 1064هـ] في رسالة الأخلاق والسّيَر. فهو بعد أن عرض للفضائل وبيّن مصادرها وشرح كيفية اكتسابها، معتمداً في ذلك على العقل وقواه وقدرته المعرفيّة وعلى التعلّم والمران في تهذيب النفس عبر التمسك بقوانين السلوك الفاضل، كأنه فطن إلى فئة ليست بالقليلة بين الناس، وهم الذين لا يملكون هذه القدرة، والذين لم يتمكَّنوا من الممارسة والمران على يد معلِّم، أو الذين لا يتبعون هذه الطرق العلاجية، فطلب من هؤلاء جميعاً أن يتَّبعوا الأوامر الدينية، ولذلك يوصي: "من ليس عنده هذه القدرة العقلية والعلاجية بأن يتبع الأوامر الدينية. فمن جهل معرفة الفضائل فليعتمد على ما أمره الله ورسوله فإنه يحتوي على جميع الفضائل"([77]).
ونرى أن العقل يوجب اتباع الأوامر الدينية ابتداءً وانتهاءً لما في ذلك من مصلحة الإنسان في أمور دينه ودنياه، فالخالق القدير زوّده بالعقل ليهتدي إلى وجوب وجوده فإذا أمكنه ذلك، أسلم قياده للشرع لمعرفة مراد الخالق عز وجل، إذ هو أعرف بما يصلح أمور خلقه وعباده، ولنا في الرسول أسوة حسنة. فلا نرى أن هناك داعياً لنلجأ إلى طرقٍ ورياضات وقد تَرَكنا عليه الصلاة والسلام على المحجَّة البيضاء.
ملاحظات حول مفهوم القيمة في كتابات السلف الصالح من خلال الكتب التي عرضناها:
(أ) إنَّ الكتب التي عرضناها كلَّها ينطلق منها مؤلفوها من قاعدة مفادها أن الإيمان أصل كل السلوك الإنساني، وهم يربطون كلَّ مباحثهم بهذا الأصل الكبير.
(ب) لم نقع في هذه الكتب على اعتماد مؤلفيها مصطلح القيمة. بل نرى المعوَّل عليه في مباحثهم هو الحكم الشرعي من حرام وحلال ومندوب ومكروه ومباح… الخ.
(ج) هناك تداخل كبير في تقسيم الأبواب والفصول من حيث مضمون الموضوعات وانتماؤها. وهذا يدّل على وحدة التشريع الإسلامي واستجابته للطبيعة الإنسانية. وبالتالي نشعر أنه ليس سهلاً على الباحث أن يصنّف أو يبوِّب وفق محكات مميزة حادة.
(د) اعتماد مؤلفي هذه الكتب على مصادر التشريع الإسلامي، واستخدامهم مصطلحات تنسجم مع المدلول اللغوي المعجمي من جهة، ومع الفكر الإسلامي عموماً من جهة أخرى، باستثناء ابن مسكويه الذي ذهب في مباحث كثيرة يستجدي الفلسفة وشطحاتها، ولعل الدافع إلى وضع كتاب مدارج السالكين، كما صرّح صاحبه ابن قيم الجوزية، عصف الأهواء في القلوب، وتمكّن آراء الرجال وتحكّم أسقام الجهل في العقول. فهو يَعْجَبُ من مثل هؤلاء كيف جعلوا غذاءهم من آراء لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم تغتذِ بكلام رب العالمين ونصوص حديث نبيه، فهو ينعي إليهم تمييزهم – في إعراضهم هذا – بين الخطإ والصواب إذ خفيت عليهم أو حرموا من مطالع الأنوار من السنة والكتاب، بتمسكهم بكثرة الجدال، وضروب الأمثلة، وتنوع الأشكال، وباعتمادهم على الإشارات والشطحات وأنواع الخيال([78]).
([1]) المحيا، مساعد بن عبد الله؛ القيم في المسلسلات التلفازية: ص: 62.
([2]) القرضاوي، يوسف؛ الخصائص العامة للإسلام: ص: 105.
([3]) قطب، سيد؛ العدالة الاجتماعية في الإسلام: ص: 20 وما بعدها.
([4]) البوطي، محمد سعيد رمضان؛ ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: ص: 85.
([5]) الشاطبي، إبراهيم بن موسى؛ الموافقات في أصول الشريعة: ج1/ ص: 85.
([6]) البوطي، محمد سعيد رمضان؛ ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: ص: 120 وص: 121.
([7]) أخرجه الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: الزهد والرقائق ورقمه(53) ، باب: المؤمن كله خير، ورقمه(14) ورقم الحديث: 2999، ج4/ص:1815 عن صهيب الرومي رضي الله عنه.
([8]) خلاف، عبد الوهاب؛ علم أصول الفقه: ص: 105.
([9]) راجع الصابوني، محمد علي؛ تفسير آيات الأحكام: ص: 54.
([10]) راجع المقدسي، ابن قدامة، عبد الله بن أحمد؛ المغني: ج1 / ص: 151.
([11]) راجع الشافعي، محمد بن إدريس؛ الأم: ج1/ص: 128.
(4) راجع القرضاوي، يوسف؛ فقه الزكاة: ج1/ص: 349 وما بعدها،وَابن قدامة المقدسي؛ المغني: ج2/ ص: 9.
([13]) انظر ابن مودود، عبد الله بن محمود؛ الاختيار لتعليل المختار: ج1/ص: 158.
([14]) هو عبد الله بن أبي قحافة،عثمان بن عامر ولد سنة 51 قبل الهجرة، أول الرجال إسلاماً، رافق الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كان سيداً من سادات قريش وكبارموسريهم، خلف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ، وقاد حروب الردة. توفي سنة 13 ﻫ( نقلاً عن الأعلام للزركلي، خير الدين – ج4/ص:102 ).
([15])عمر بن الخطاب [40ق.هـ-23هـ = 584م-644م] بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين أول من لقّب بأمير المؤمنين، الصحابي الجليل، الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات. يُضرَب بعدله المثَل. كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السّفارة فيهم، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وشهد الوقائع. (الزِّرِكلي، خير الدين؛ الأعلام، ج5/ص: 45.(
([16]) أخرجه أبو داود، سليمان بن الأشعث،في السنن: كتاب: الصلاة، باب: في الوتر قبل النوم ورقمه(343)، ورقم الحديث: 1434 ج2/ ص: 66.
([17]) القيسي، مروان إبراهيم؛ المنظومة القيمية الإسلامية: ص: 19.
([18]) محمود، عبد الحليم؛ أسرار العبادات في الإسلام: ص: 15.
([19]) الشهرستاني، أبو الفتح، محمد بن عبد الكريم؛ المِلل والنِّحَل: ص: 374.
([20]) ابن تيمية، عبد الحليم؛ دَرْء تعارض العقل والنقل: ص: 194 وما بعدها.
([21])أخرجه الامام الترمذي( محمد بن عيسى بن سورة) في كتاب: الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب: ما جاء في حرمة الصلاة ورقمه(8 ) ورقم الحديث2616ص: 741، وقال: حديث حسن صحيح.
(1) متفق عليه، وهو عند الامام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح : كتاب: بدء الوحي، ورقمه (1) باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورقمه(1) ورقم الحديث(1) : ص:13 واللفظ له. وفي صحيح الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في كتاب: الإمارة،ورقمه(33) باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" وإنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، ورقمه(45) ورقم الحديث: 1907، ج3/ص: 1204 عن عمر رضي الله عنه.
([23]) أخرجه ابن حنبل، الإمام أحمد؛ في المسند، باقي مسند عبد الله بن عمرو رقم الحديث: (6569)ج2/ص:168.
(2) قال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء"، متفق عليه، رواه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: في كتاب الجنائز، ورقمه(23) باب: ما قيل في أولاد المشركين، ورقمه(92) ورقم الحديث: 1385، ص: 256، والإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ الصحيح، كتاب: القدَر ورقمه(46)، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة ورقمه(6)، ورقم الحديث: 2658، ج4/ ص: 1624 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(1) مر الحديث وتخريجه ص:64.
(2) مر الحديث وتخريجه ص:64 .
([27]) أبو عبيدة بن الجراح: هو عامر بن عبد الله بن هلال الفهري القرشي، من كبار الصحابة ، فاتح الديار الشامية، أحد المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي أمين وأميني أبو عبيدة بن الجراح". توفي بطاعون عمواس سنة 18 ﻫ . وله أربعة عشر حديثاً مروياً.( عن الرسالة المحمدية لسيد سليمان الندوي.ص:133).
([28]) متفق عليه، أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل، في صحيحه في كتاب: الطب ورقمه(76) باب: ما يذكر في الطاعون ورقمه(37) ورقم الحديث(5729) ص1065(. وأخرجه الإمام مسلم بن الحجاج، في صحيحه في كتاب: السلام ورقمه(39) باب: الطاعون والكهانة ونحوها ورقمه(32) ورقم الحديث(2219) ج4/ ص: ( 1389).
(1) متفق عليه: وهو في صحيح الإمام مسلم، ابن الحجاج، في كتاب: الإيمان ورقمه(1)، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها ورقمه(12)، ورقم الحديث(57) ج1/ص:65 وفي صحيح الإمام البخاري ، محمد بن إسماعيل؛ بلفظ: "بضعٌ وستون"، كتاب: الإيمان، ورقمه (2) باب: أمور الإيمان ورقمه(3)، ورقم الحديث: 9، ص: 17.
(2) متفق عليه:أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الدعوات ورقمه(80)، باب: فضل التسبيح ورقمه(67)، ورقم الحديث: 6406، ص: 1170، وأخرجه الإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ورقمه(48)، باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء ورقمه(10)، ورقم الحديث: 2694، ج4/ ص: 1144 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه الإمام الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، كتاب، صفة القيامة والرقائق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،باب: في القيامة ورقمه(1 )، ورقم الحديث: 2422، ص: 691، وقال: حديث حسن صحيح.
(1) رواه ابن أنس، الإمام مالك؛ الموطأ: رقم 400 ص: 789 وبلفظ ( صالح ) بدل ( مكارم ) عند البيهقي في شعب الإيمان، باب: في حسن الخلق ورقمه ( 75 ) ورقم الحديث 7978 ج6/ص: 231.
(2) أثبته الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين؛ في شُعب الإيمان، باب في حسن الخلق ورقمه: (57) ورقم الحديث (8012) ج6/ص:241.
([31]) مرّ تخريجه ص:52.
([32]) أخرجه الإمام ابن حنبل ، أحمد؛ المسند: مسند المكثرين من الصحابة، باب: مسند عبد الله بن مسعود ورقم الحديث:3490.
([33]) مر تخريجه، ص:63.
([34]) اعتمدنا في تبيان الأبواب على نسخة دار الكتب العلمية /بيروت/مجلد واحد:ط:3 س :2003
([35]) اعتمدنا في تبيان الأبواب وأرقامها على نسخة ابن حزم 4 مجلدات والخامس للفهارس:ط1، س:1995. نظراً لإثبات الأبواب وأرقامها بخط كبير ملوّن مميَّز وبارز يسهل الرجوع إليها.
([37]) راجع المفردات: للراغب الأصفهاني؛ ص: 417 – والتفسير الكبير: للرازي؛ ج30 /ص: 42 وغيرهما من كتب التفسير.
([40])هو محمد بن الحسين بن عبد الله ، الآجري البغدادي، [… - 360هـ]، وله: أخبار عمر بن عبد العزيز، والتهجّد (عن معجم المؤلفين، لعمر رضا كمالة 9/243). وعاش بمكة المكرمة ثلاثين سنة وتوفي فيها (عن التعريف بالمؤلف الوارد في النسخة التي اعتمدنا عليها، ص: 4) وهي لدار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1985م.
([41]) وفي سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ"، كتاب: العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: 2686، ص: 757. وقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. (قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال الساجي: هو حديث منكر. قال الشوكاني في الفوائد المجموعة حديث : ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين, وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد, ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه. قال في المختصر: ضعيف وفي المقاصد: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد أسانيده ضعيفة لكنه يتقوى بعضها ببعض (المُباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم؛ تحفة الأحوَذي بشرح جامع الترمذي ( ج7/ص: 374).
([44]) هو أحمد بن محمد بن يعقوب المعروف بمسكويه الخازن. فيلسوف ومؤرخ وأديب. وله: ترتيب العادات، وَتطهير الأعراق في علم الأخلاق، وَالقدَر الأكبر. (نقلاً عن معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة جـ2 / ص: 168)
([47]) أخرجه أبو داود، سليمان بن الأشعث؛ في السنن كتاب: الأدب، باب: ما يُقال عند الغضب ، ورقم الحديث: (4784 )، ص: 726 عن عطية رضي الله عنه.
([48]) هو علي محمد بن حبيب البصري، المعروف بالماوردي، كنيته (أبو الحسن)، فقيه أصولي، عُني بالتفسير والأدب والفكر السياسي- له في الفقه: الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي. واشتُهر بكتابه: الأحكام السلطانية. (نقلاً عن معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة؛ ج7 / ص: 189).
([56]) هو عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل بن حامد الإمام أبو القاسم ضياء الدين القرشي المصري ابن الورّاق، كان إماماً عالماً ورِعاً، تفقَّه على الشهاب الطوسيّ، وسمع من ابن برِّي وغيره، توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمئة، كتب بخطّه كتباً كثيرة، قيل: إنها بلغت أربعمائة مجلدة. (نقلاً عن طبقات الشافعية: للأسنوي، جمال الدين عبد الرحيم: ج2/ص: 311).
([58]) أبو بكر، أحمد بن الحسين، البيهقي؛ محدِّث وفقيه شافعي، وله السُّنَن الكبرى في الحديث، ودلائل النبوَّة. (نقلاً عن معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة؛ ج1/ص: 206)
(6) متفق عليه، أخرجه الإمام البخاري، محمد بن اسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الدعوات ورقمه(80)، باب: لله عز وجل مائة اسم غير واحد ورقمه(70)، ورقم الحديث: 6410، ص:1171، والإمام مسلم ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: الذّكر والدعاء والتوبة والإستغفار ورقمه(48)، باب: في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها ورقمه(2)، ورقم الحديث: 2677،ص: 1638عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(1) ابن العربي، محمد بن عبد الله، أبو بكر؛ أحكام القرآن:ج2/ص:991. أخرجه الإمام الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة: تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ج5/ ص:279 ورقمه3097، باب: ومن سورة التوبة.
([64]) هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، أبو حامد المعروف بالغزالي، لقّب بـ"حجة الاسلام، حكيم متكلم، فقيه، أصولي، صوفي. ولد في الطابران بخراسان سنة450هـ وتوفي فيها سنة505هـ. وله: إحياء علوم الدين، والحصن الحصين في التجريد والتوحيد، والمستصفى من علم الأصول وغيرها كثيرة( نقلا" عن معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة؛ج11/ص:266).
([65]) اعتمدنا على نسخة دار المعرفة، بيروت، والتي بذيلها كتاب: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، وهناك نسخة جديدة، حقّقها الدكتور عبد الله الخالدي لم يُبقِ فيها إلا الأحاديث الصحيحة.
([67]) هو الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان، قايماز الذهبي، تركماني الأصل من أهل ميافارقين، وولد فيه سنة [673هـ وتوفي بد مشق سنة 848هـ] كان حافظاً ومؤرخاً وعلامة ومحققاً، رحل في طلب العلم إلى مصر، القدس، والحجاز. له تصانيف كثيرة تربو على مئة مصنف. منها: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام- الإمامة الكبرى – زغل العلم (نقلاً عن مقدمة كتابه الكبائر، نسخة دار مكتبة الحياة ص: 5، وهي التي اعتمدت عليها).
([69]) الحديث متفق عليه،أخرجه الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل؛ في الصحيح: كتاب: الوصايا ورقمه(55)، باب قول الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً{ [النساء: 4/10]، رقم الحديث: 2766، ص: 510 ، والإمام مسلم، ابن الحجاج النيسابوري؛ في الصحيح، كتاب: الإيمان ورقمه(1)، باب: بيان الكبائر وأكبرها ورقمه(38)، ورقم الحديث: 89، ص: 88 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وهي: الشرك بالله، السحر ، قتل النفس بغير حق ، أكل الربا، أكل مال اليتيم، التولي يوم الزحف، قذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
([72]) هو محمد بن أبي بكر، بن أيوب، بن سعد الزرعي الدمشقي، ولد بدمشق سنة 691هـ – وتوفي فيها سنة 751هـ . عُني بدراسة الفرق الإسلامية برعاية شيخه ابن تيمية، وله مؤلفات كثيرة منها: الروح وأعلام الموقعين وزاد المعاد وأخبار النساء ، ويعد من أركان الإصلاح الإسلامي. (عن مقدمة الناشر لكتابه ، مدارج السالكين – دار الكتب العلمية، ص: 5).
([75]) راجع باب السكر ص: 318 من الجزء الثالث من مدارج السالكين. مع العلم أنه لم يستطع التخلّص من استخدامه الكثير من المصطلحات الصوفيَّة والتخلّص كذلك من منهجهم في عرض بعض القضايا.
([76]) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الفارسي الأندلسي، فقيه أديب، أصولي مُحدِّث، حافظ متكلِّم، ولد بقرطبة سنة 994هـ، وأقصي وطورد لكثرة انتقاده للعلماء، فرحل إلى بادية لبلة في الأندلس، وتوفي فيها سنة 1064هـ. له تصانيف كثيرة منها: إيصال إلى فهم الخِصال الجامعة لمحصل شرائع الإسلام في الواجب والحلال ومداواة النفوس، والفصل بين أهل الأهواء والنِّحل. وكان من أهل الظاهر فألَّف مصنفاً أسماه: الالتباس فيما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس. (نقلاً عن معجم المؤلفين،لعمر،رضا كحالة، ج7/ص: 16).
No comments:
Post a Comment