Monday, January 9, 2012

المبحث الثامن: مفهوم التربية الحديثة والمعاصرة.

    لقد عرضنا موجزين، المدارس والمذاهب التربوية التي سادت في حقبات تاريخية ماضية، وصولاً إلى مطلع القرن العشرين، وتوقفنا عند أهم خصائص كلٍّ منها. وأبرزنا منطلقاتها وأهدافها  وبينا حيث تدعو الحاجة أو يستدعي البحث- موقف الإسلام منها.

     ولم يكن ذلك  العرض- بكلِّ ما تضمن- مجرد تتبع تمليه رغبة الاطلاع عندنا، أو رغبتنا في إطلاع القارئ عليه، بل جاء استجابة وإيماناً منا أن اللاحق ينبني- غالباً- على السابق. وكذلك ليتسنّى لنا أن نلمح جذور تلك الفلسفات الضاربة في تربة حقب تاريخية بعيدة، هذه الفلسفات التي ما زالت تمد وتغذي الكثير من هذه المدارس المعاصرة، وخاصة في مجال القيم، ويصح هذا فيما بين المدارس المعاصرة والسابقة التي تحظى بانسجام وتكامل، وبين تلك التي تشهد تناقضاً واختلافاً. ذلك أنني أعتبر أن النقيض يذكي شعلة نقيضه، حيث يضطر إلى إعمال عقله، والتفكير في أدلة وبراهين، يدفع بها وجهة نظر نقيضه أو مخالفه، ويُثبت بها ما هو عليه. وإنني أرى أن الاختلاف من أهم العوامل التي تؤثر في تطور النظريات والأفكار والفرضيات ومناهج البحث، وطرائق الاستدلال سواء في مجال العلوم الإنسانية- والتربية من أهمها- أو في مجال العلوم التجريبية. هذا إلى جانب كون التربية من أكثر العلوم التي ينبني بعضها على بعض. وحيث إنها تشكل الجانب العملي للفلسفات وأسسها ومنطلقاتها وأهدافها، ولا بدَّ لها من وسائل تتوسلها, وتتوخى منها إصدار حكم على تلك الفلسفات، فإن ذلك يستدعي إعمال النظر بما سبق، والتفكير بما هو قائم، والتخطيط لما هو قادم وعلينا دائماً ونحن نبحث عن قيمة من القيم أن نعود إلى أثر منطلقات تلك الفلسفات التي تحتضن تلك القيم لتفرِّخ فيها. فالقيم لا تنفك مرتبطة بفلسفات وعلينا أن نبحث عن تلك الروابط.
     كذلك نرى مدى حاجة الفلسفات والأفكار إلى ميدان عملي تطبيقي ألا وهو التربية. وهذا ما نراه بوضوح عبر تاريخ الفلسفة، فكبار الفلاسفة كانوا يعتمدون على التربية للكشف عن مدى صدقية أفكارهم وصلاحيتها، ولم يكن أفلاطون حتى في جمهوريته وأفكاره المثالية ليديرَ ظهره للجانب العملي الذي تتولاه التربية، فقد راح يناقش مفهوم العدل من وجهات مختلفة وواسعة على لسان أستاذة سقراط مع تلامذته، ليخلص إلى صحة ما يذهب إليه من وجهة نظره، ثم انتقل إلى سؤال يفضي إلى الجانب العملي التطبيقي ألا وهو: كيف يتحقق العدل في المجتمع؟ وجاء جوابه: عن طريق تطبيق نظام تربوي. وللدلالة على ارتباط الفلسفة بالتربية وأن التربية، تشكل الجانب العملي لها في العصر الحديث أيضاً، نضرب مثلاً موقف الفيلسوف جون دوي([1]) حين دُعي لرئاسة قسم الفلسفة في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية فاشترط أن يتولى معها رئاسة قسم التربية([2]).

     وهكذا نرى أن التربية، عند أي مدرسة، عبارة عن سلسلة بدأت في زمن محدد وبيئة معينة، واستمرت متفاعلة مع عوامل إنسانية كثيرة، ومعروف أن تلك العوامل تشمل كلَّ ما هو إنساني أو مرتبط بالإنسان من نتائج علمية وتطور في المفاهيم و و.الخ وإن نظرة إلى نتاج تراثنا الفكري الإسلامي، وخاصة على الصعيد الفقهي، تؤكد ما نذهب إليه. ولنا أن نسأل ما مقدار الخسارة التي تصيب الفكر الإسلامي في حال حُمِلَ الناسُ على مذهب واحدٍ في التفسير, والفقه، و و وبعد ذلك نتصور حياتنا من غير هذا الكم الهائل من الحبر والورق الذي حفظ لنا كنوزاً فكرية وذخائر عقول علماء الأمة.


أهم سمات التربية المعاصرة
    يسعى الفكر التربوي المعاصر إلى تلخيص أفكار المدارس التربوية الماضية ورصد مبادئها ونظرياتها ومنطلقاتها وأهدافها، محاولاً إعادة تصنيفها في ضوء تلك المبادئ والمنطلقات والأهداف وتشكيلها في مدارس كلية تنسجم أهدافها مع مبادئها ومنطلقاتها، ولكن بثوب عملي يعير الأداء اهتماماً بارزاً، ويعتبر النشاط التربوي مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالأفكار والمبادئ التي ينطلق منها، وبالأهداف التي يصبو إلى تحقيقها. وذلك بإتاحة الفرصة أمام تلك المبادئ والفلسفات لتطبَّق عملياً، وفق أساليب متنوعة في قاعات التدريس، ومراقبة آثار ذلك على سلوك التلامذة، وإصدار حكم على مدى قربهم أو بعدهم عن الأهداف المرجوة. وسنوجز أهم سمات التربية المعاصرة.

1- تفاعل أهم معطيات المدارس الثلاثة السابقة وهي المدرسة السيكولوجية، والمدرسة العلمية، والمدرسة الاجتماعية. فكان من شأن المدرسة السيكولوجية أن حسّنت في طرائق التعليم وأساليبه. وتجلى أثر المدرسة العلمية في اختيار مواد المنهج ومناهج التفكير العلمية. أما المدرسة الاجتماعية فقد أسهمت في إعطاء البعد الاجتماعي للتربية, ونتج عن ذلك تنظيم جديد للمعاهد والمدارس, وخاصة لجهة تجهيز قاعات رياض الأطفال. بما تجهز به البيوت, واحتوائها على تجهيزات مرافق إنسانية مختلفة كالسوق  والعيادة الطبية ومحالّ أصحاب المهن . الخ.
2- تعاظمت الدراسات الباحثة عن معرفة حقيقية لعالم الطفولة، والتي نادى بها بستالوتزي، وبالتالي احتلت فكرة النمو الباطني للطفل، في مواجهة التأثيرات الخارجية أوقل: الحشو الخارجي حيث صار المعول عليه والمعمول به، هو النشاط الذاتي للطفل، هذا النشاط الذي يكسبه خبرات خاصة نتيجة تجاربه الذاتية، وفق ظروفه هو، ليكونَ ما يريد أن يكونه، لا ليكون ما نريد أن يكونَه. وينبغي على هذه النظرة، أو هذا الاتجاه، أن نتوجه بالعناية إلى الإدراك الحسي عند الطفل، وبالتالي أصبح الاهتمام بمهارات التفكير والبناء العقلي هو الأساس، لا نَقْلُ المعارف والمعلومات واستظهارها. وهذا يتطلب تأمين بيئة تعلُّميه ينشط فيها الطفل، فيلعب ويكتشف، وتنمو مهاراته وفق خصائصه وميوله واهتماماته. فأصبحت رياض الأطفال خاصة، تجمع بين حقول المزارعين وأدواتهم، وبين مصانع أصحاب المهن وآلاتهم، ووسائل النقل بأنواعها وإشارات السير في الطرقات الخ. وزاد في أيامنا هذه الاعتماد على النشاطات الفنية، فصارت مستلزماتها من معجون، وألوان، وأنواع ورق، ومقصات، وألعاب جاهزة مبالغا فيها، حتى ضاقت قاعات الفصول بهذه الألعاب وتحولت المدرسة إلى مستهلكة لهذه الألعاب والوسائل. من غير تقدير لمدى الحاجة إليها. وبالتالي انقلبت فكرة أن يترك الطفل ليلعبَ ويكتشف مَنْ  سيكون، إلى فرض بيئة اصطناعية لا حياة فيها، تقبض الشركات المصنعة ثمنها غالياً من المدرسة، وتحصلها المدرسة من أولياء الأمور.
ونلفت النظر إلى أن بعض الدراسات([3]) أشارت إلى أن نسبة ليست بالقليلة من الأطفال المرفهين، والذين تتاح لهم مثل هذه الألعاب والوسائل التربوية الجاهزة، وخاصة البلاستيكية معرّضون للسرطان، ولتلف يصيب الكلى والكبد، كما يصابون بتوتر شديد، ويكون مستوى التفاعل الاجتماعي لدى هؤلاء متدنياً. وكذلك لوحظ في هذه الدراسات تخلفُ هؤلاء عن أبناء جيلهم في بناء المهارات العقلية. وأضع هذا في باب: كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده. وأدعو في هذا المجال إلى حماية الطفولة من جشع الشركات المصنِّعة. وحبذا لو تمكنا من تشكيل هيئة تربوية، تحدد  الألعاب والوسائل اللازمة والضرورية من جهة، وتلك التي يمكن اعتمادها، ولا تؤدي إلى ضرر ماديٍّ للأسرة، وبالتالي للأمة، أو ينتج عنها اختلال في أي جانب من جوانب تكوين شخصية الطفل من جهة أخرى. فشيوع مثل هذه الألعاب اليوم قد لا يكون الرابح فيها إلا الشركات التي تجني الأموال الطائلة. وإن نظرة إلى ما يسمى مدن الألعاب، اليوم بما فيها من آلات وألعاب صاخبة وخشنة، وبما فيها من أجواء رعب وركوب المخاطر، وتعدٍ على الفطرة السليمة، لينبئ عن خلفية تلك الشركات، بل قل عن القيم التي يؤمن بها أصحابها. فالوسيلة- غالباً- لا تنفك مرتبطةً بقيم صاحبها، ولا تأتي إنسانية عامة، بل قلما تكون إلا طلباً للربح الجشع ولو على حساب طفولة الطفل، وإنسانية الإنسان. وإنني لا أبرئ- اليوم- الكثير من البحوث العلميَّة في الغرب والتي تُسوِّق لكثير من الشركات ما تنتجه من ألعاب ووسائل.
3- ومما ذهب صعداً في التربية الحديثة، الاتجاه الداعي إلى بناء المناهج وتنظيمها على أسس علمية. وما زالت تتسارع وتيرة ذهابه صُعداً، وذلك نتيجة اعتماد الناس في كل أمور حياتهم على العلم والعلماء في حل مشكلاتهم على اختلاف أنواعها، من صحيَّة واقتصاديَّة، وأمنيَّة، وترفيهيَّة الخ وإن نظرة واحدة إلى مطبخ منزلك والآلات التي يحويها من كهربية واشعاعية، إلى قارورة الغاز وما تحتاج إليه من علمٍ وعلماء وآلات، لتصبح على صورتها في مطبخك، إن رؤية هذا كله، وبنظرة خاطفة في مطبخك تؤكد لك مدى ارتباط حياتك اليوم بالعلم وبالنتاج العلمي. وخاصة في الجانب العملي، وهذا ما أدى إلى تراجع النظريات التربوية المثالية، حتى كأنه لم يعد لها مكان على مسرح التربية الحديثة، وخاصة بعد الثورة الصناعية. وبالمقابل استحوذ الجانب العملي التطبيقي على أهمية خاصّة. وأصبحت ترى التعليم المهني، تعتني الدول بمعاهده أكثر من اهتمامها بفصول الدراسة الأكاديمية العامة. بل أخذ التعليم المهني يغزو فصول الدراسة الأكاديمية بدءاً من الصفوف الأولى في حلقات التعليم الأساسي بكتب خاصة، وحصص خاصة، تحت عنوان "تكنولوجيا"([4]) إضافة إلى احتلال الجانب العملي الحظ الوافر في صفحات كتب العلوم([5]). بل قل أكثر من هذا، فإن الكثير من كتب اللغة وتحت عنوان " النصوص التواصلية" تقدم نصوصاً عملية وفق خطوات محددة لإنجاز طبخة معينة، أو القيام بلعبة محددة أو لصنع طيارة القصب الخ. ولو كان ذلك على حساب المحافظة على الحد الأدنى المطلوب من المستوى اللغوي المقبول. وغالباً نقع على مثل هذه النصوص  مترجمة عن كتب أجنبية.  
   وسندرس أثر هذه النزعة العلمية على منهج اللغة العربية، وعلى الاتجاهات التي تبناها واضعو المنهج والمؤلفون في تحديد أنواع النصوص وتحليلها، وشرح الأساليب والمستويات  اللغوية الخ في موضعه إن شاء الله تعالى، كقيمة تربوية يجب أن تكون حاضرة في مناهج اللغة العربية.
4- ترسخ الاتجاه الذي نادى به روسو والقائل: إن التربية هي الحياة. وبالتالي أصبح الطفل المتعلِّم مركز العملية التعليمية التعلمية ومحورها، وذلك ابتغاء تحقيق اكتماله في كل مرحلة من مراحل نموه. وهذا أدى باطراد إلى مزيد من الاهتمام بالمواقف الاجتماعية الحية، عن طريق التمثيل وتأدية الأدوار، وعقد الندوات والحوارات، وصولاً إلى( برلمانات) الأطفال، وإجراء انتخابات بلدية مدرسية، وما إلى ذلك، وهذا من وحي  هذه المدرسة الاجتماعية في التربية وتأثيرها، والتي قصرت مفهوم التربية على تطور المجتمع ونموه، وجعلت هدف التربية إعداد المواطنين الصالحين، المتفاعلين في دائرة الخدمات الاجتماعية، بحيث يؤمن الفرد أن خدمته نفسَه تتأتَّى له عن طريق خدمته مجتمعَه.
5- صارت الأجهزة والدوائر التربوية أكثر تواصلاً وتفاعلاً، وتمركزت في يد السلطات السياسية، فهي التي تعد المناهج([6])، وتدرب المشرفين والموجهين والمدرسين، حيث صار التدريس مهنة، ويجب على المدرس أن يطور قدراته باستمرار. وبالتالي صرنا نشهد اليوم هرماً تربوياً، رأسه وزير التربية. ويعمل في وزارته عشرات آلاف التربويين، وهناك دوائر للتخطيط ودوائر للإشراف، وأخرى للتوجيه وصولاً لمدير المدرسة والمدرسين، حتى حاجب المدرسة والخادم فيها. وهذا يجعل قدرة الآخرين على التدخل في مناهج بلدٍ ما ممكنة وسهلة، فبقليل أو كثير من الضغط على السلطات السياسية في بلد ما قد تستجيب وتغير وتبدل حسب ما يملى عليها. وما التدخل الأمريكي السافر في مناهج التعليم في أكثر من بلدٍ إسلامي، إلا خير دليل على خطورة المركزية التربوية الخاضعة لسلطات الدولة.
       
        ونشهد اليوم في بعض الدول، إقفالاً للمراكز والمعاهد التعليمية الشرعية، بحجة أن مناهجها غير متطورة، ولا تلبي حاجة المتعلم التي تتطلبها سوق العمل، وبالتالي فهي تخرِّج عاطلين عن العمل. ولنا أن نسأل المسؤولين: كم من متخرّجي جامعاتهم يقفون حيارى خائبين على أبواب الشركات والوزارات، وغيرها من المؤسسات؟ فأين تكمن العلة؟ أفي طبيعة هذا النظام أو ذاك من الأنظمة المركزية؟ أم في تلك المعاهد وطلابها؟ إن المركزية التربوية وإن كانت ميزة من ميزات النظام السياسي المعاصر، فإنها آفة من الآفات التربوية. تُستخدم للسيطرة وبسط النفوذ، والدعاية لأساطين السلطة السياسية، التي نشهد توريثها من جيل إلى جيل في أكثر أنظمة دول البلاد الإسلاميّة، وإننا في هذا المقام نذكرفي السعة واللامركزية التربوية على امتداد تاريخ أمتنا السياسي، حيث كانت الجمعيات الأهلية، والوقفيَّات، والكتاتيب تتبع أساليب مختلفة ومناهج متباينة، ولكنها متفقة في المنطلقات والأهداف، فهذا معهد يدرس على المذهب الحنفي، وآخر شيخه على المذهب الشافعي الخ. ولا يحتاج هذا أو ذاك رخصة من سلطات مركزية، ولا يحتاج رواتب موظفين، والمفارقة الغريبة أن اللامركزية التربوية تعتمد في أمريكا، فلكل ولاية ما تختار والجمعيات الأهلية تملك أكبر المؤسسات التربوية، والأثرياء ينفقون في حياتهم ويوصون بعد مماتهم بكثير من ثرواتهم إلى المؤسسات التربوية. في الوقت الذي يُمنع على أهل الخير في طول بلادنا وعرضها من رعاية مؤسسة تربوية، أو الإنفاقِ على طلاب العلم. اللهم إلا من خلال قنوات السلطات السياسية. وحبذا لو كانت المركزية التربوية تعني رعاية وإرشاداً من غير تعسف وتسلط. فحينئذ نحصل على شيء من التعاون والتكامل قد يكون في مصلحة تلك السلطات أكثر مما يكون في مصلحة الجمعيات وغيرها.

ومما تميزت به التربية المعاصرة، إدارة الظهر إلى التربية الدينية، بل تعدى الأمر إلى معاداتها وإقصائها عن المناهج([7])، وعن الكتاب المدرسي، وعن الجدول الدراسي الأسبوعي، وأكثر من ذلك تجري متابعة ما تبقى من قيم دينية إسلامية مبثوثة في كتب القراءة وغيرها، بحجة المحافظة على الأمن الاجتماعي في الكتاب المدرسي. وفي الوقت الذي أعاد فيه الكثير من المدارس التربوية في الغرب الاعتبار للتربية الدينية، وللقيم المنبثقة عنها، نرى أن المناهج في لبنان استثنت مادة التربية الدينية ولم تخصص لها لجنة، ولم تفرد لها ولو حصة واحدة في الجدول الدراسي الأسبوعي. ورغم المؤتمرات([8]) والندوات، تقرر أن تكون مادة اختيارية خارج الجدول الأسبوعي وما زال ذلك ساري المفعول حتى تاريخ إعداد هذا البحث.

 


















أبرز الحركات والفلسفات والمدارس التربوية الحديثة والمعاصرة.

بعد أن عرضنا بعض العوامل التي أثَّرت في التربية الحديثة والمعاصرة، وتوقفنا عند أهم سماتها سنذكر أبرز هذه المدارس متوقفين  عند منطلقاتها الفلسفية وأهدافها ووسائلها.

أ -التربية البراغماتية

جاء في معجم المصطلحات التربوية، براغماتية، المذهب العملي، المذهب الذرائعي (اليونان).
1- في الفلسفة: مذهب يعتبر أن الحقيقة تبنى على التجربة الإنسانية، وأن المعرفة وسيلة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما هو في كونها مفيدة.
2- في التربية: وصف نظرية أو ممارسة تتَّحد فيها قيمة الأفكار بنتائج التطبيق العملي كاختيار لاستمراريتها. وهي حركة تربوية مرتبطة بتعاليم المربي الأمريكي جون ديوي وفلسفته، وتدعو إلى ربط التعليم بالغايات العملية أو البراغماتية. وتركز في الديمقراطية من حيث احترام شخصية الطفل وميول الطلاب والتعليم بالعمل والعلاقات الوثيقة بين المعلم وتلاميذه([9]).
     والبراجماتية مشتقة من الكلمة اليونانية (progma ) ومعناها العمل، وتطلق للتعبير عن هذه الفلسفة أسماءٌ اخرى مثل: (العلمية) و (النفعية) و (الاجرائية) و ( الوسيلية) و(الوظيفية ) أو (التجريبيبة). ويعود بعضهم بهذه الفلسفة إلى هرقليطس ( 540 ق م 480 ق م) ويرجعها آخرون إلى فلاسفة تجريبيين محدثين. ونرى أنها كغيرها من الفلسفات تعتمد على أفكار سابقة قديمة وتبني عليها. وأول من دعا إليها بثوبها الجديد شارلز بيرس ( 1839 م 1914 م) حيث تساءل عن مفهوم الفكرة، وعن صدق العبارة وتوصل إلى أن الفكرة الصادقة هي ما يمكن أن يتحول إلى عمل ونشاط. وأسهم في نشرها ودفعها وليم جيمس ( 1842 م 1910 م) ورفع من شأنها وعمّمها ووضعها موضع التطبيق جون ديوي ( 1859 م 1952).
     وهناك من يرى أنها ليست من أصل يوناني، وليست أمريكية من حيث جغرافيتها. فالتفكير الفلسفي الأميركي كان نتاج ظروف  اجتماعية فريدة في التاريخ الإنساني. فأرض هذه القارة الجديدة احتضنت جماعات قدِمت من مختلف بقاع الأرض، من الأطراف ومن القلب، بما يحملون من معتقدات وأفكار وعادات وتطلعات ، وعملوا جميعاً على أن يشكلوا أمة واحدة جديدة، فألقى كلٌّ بما عنده من بذور فكرية وثقافية، وسرعان ما أورقت شجرة الحضارة الجديدة تلك وأينعت ثمارها([10]). إذاً نستطيع أن نقول: إن الفكر الأمريكي نسج من خيوط وافدة، ولكل خيط طبيعته ولونه وليونته أو متانته.
    وهناك من يرى أنها تشكل امتداداً للخبرات في المجال التجريبي الحسي البريطاني الذي يقرر أنه لا يمكننا معرفة إلا ما تقع عليه حواسنا ونجربه. وهذا ما يسمى الخبرات الحسيّة([11]).
   وقد اجتهد البراغماتيون ليؤكدوا واقعية عالمنا بما يضم من عناصر متنوعة ومتعددة بكثرة، وبما يربط هذه العناصر من علاقات في تنوعها وكثرتها. فصور هذه العناصر هي الوقائع التي يمكن أن تكون مستقلة بعضها عن بعض. ويتبع ذلك أن يكون الكون مجرد مجموع تراكم من الأشياء، وليس كياناً عضوياً واحداً([12]). وهذه النظرة تجعل البراغماتي في حالة استثارة دائمة، نظراً لتعدد الأشكال والمواقف وتغيرها وتجددها، إذ عليه أن يراقب ويستقصي، ويفترض ويجرب ويستنتج، ليعود ويوظف ما يتوصل إليه في رحلة بحثية مثيرة جديدة. فهو ينظر إلى العالم في حالة تغير دائم، وأن الثبات منافٍ للحقيقة، وبالتالي فإن جوهر الحقيقة يكمن - في اعتقادهم بأن الأشياء لا يمكن أن تبقى ثابتة إلى الأبد. وليس هناك حقائق إلا من جرّاء تفاعل حثيث بين الإنسان والعناصر التي تحيط به مشكلة بيئته. فالحقيقة إذاً، هي نتاج تراكم خبرة الإنسان عن طريق احتكاكه بالواقع. فيكوِّنان طرفي الحقيقة أو قل يشكّلانها معاً([13]). وعندنا أن كل هذا الاحتفال بالواقع والإعلاء من شأن الحاضر على حساب الماضي، هو استجابة لخصائص المجتمع الأمريكي الذي تَشَكَّلَ من عناصر متباعدة ومختلفة. ولا مكان لأمجاد ماضي هذه المجموعة أو تلك، بل لا مكان ولا دور لأي مجموعة إلا إذا بذلت مزيداً من الجهد، لتحتل موقعها بين نظرائها من المجموعات الأخرى، ولو كان ذلك على حساب أناسٍ آخرين، وعلى حساب ثقافتهم وقيمهم، بل على حساب أرواحهم. فأكثر الأمريكيين جاءوا مهاجرين تملؤهم روح المغامرة، ويندفعون بدافع الفردية الشديدة، وكانوا يبيدون شعباً آخر، (الهنود الحمر) أصحاب تلك الأرض الأصليين.
    فالأمريكي الذي أخذ الأرض بذراعه وسلاحه، مخضبة بالدم، كان لا بد له من أن يبرر لنفسه فعلته، فيرفع شعار: (أنّ الأقوى هو صاحب الحق) ويؤمن به. وكان من جراء هذا الشعار، "أن خطف العبيد من أفريقيا وجعلهم ملكاً له كالدواب تماماً وأقام على أساس عبوديتهم زراعته الواسعة، وبوصفه مالكاً مطلقاً لهم، فقد ضربهم بالسياط، واستخدمهم في أشق أنواع العمل، ووضعهم في حظائر كالماشية، واغتصب نساءهم، وحكم بالإعدام على من تمرد منهم([14]).
    وخلال مسيرة  تشكيل هذه الأمة، كان لا بد من مرجع يحتكمون إليه أمام طغيان النزعة الفردية. فاختاروا الديمقراطية العددية، ولما كانت وسائل الديمقراطية مثل (الانتخاب) والتداول على السلطة، وتشكيل أحزاب ومعارضة تتطلب قدراتٍ ماديةً هائلةً، كانت الثروة هي سلاح من يبتغي الوصول، للسيطرة على الإعلام، ألسنةٍ وأقلام في الصحف ومحطات البث وصولاً إلى دُور السينما، والأقمار الاصطناعية فالديمقراطية خاضعة للمنفعة وليس العكس، فطالما أنها تنفع فهم مستمسكون بها، وإلا تركوها وبحثوا عن غيرها([15]).
    ولا يخفى أن الفلسفة البراغماتية ارتبطت بالتربية الأمريكية منذ الحركة الديمقراطية العلمانية، هذه الحركة التي رئسها كل من بنيامين فرانكلين ( 1706م 1790م) وتوماس جفرسون ( 1743م 1826م). وهذان لم يكونا على علاقة طيّبة مع الكنيسة، وكذلك ناضلا ضد امتيازات الارستقراطية الزراعية، ورفض الخضوع لها. ولقد كان فرانكلين يعبّر عن النزعة النفعية في التربية. حيث كان يستهدف تنمية منافع الطبقة الوسطى الطموحة وتطويرها، حتى إِنه حصر النفعية في الطبقة الوسطى هذه في القرن الثامن عشر، ودفعها للحكم مستخدمةً العقل والذكاء والثروة. وكان مشروع جفرسون التربوي الأول الذي يحمل اسم (قانون النشر الأوسع للمعرفة) في عام (1779) يسعى لتحطيم العوازل والجدران والحواجز الطبقية في التربية معتمداً على أرستقراطية عقلية تتخذ الفضيلة والموهبة سلماً لرقيِّها. فكان نتيجة ذلك أن قام مشروعه التربوي على أساس انتقاء الأفراد الموهوبين للقيادة، في مختلف المجالات الاجتماعية والصناعية والسياسية. والجدير ذكره أن التربية البراغماتية لم تستطع التخلص من ربقة رأس المال وجشعه، رغم كل تلك الجهود والتركيز على دور الطبقة الوسطى، حتى صار تأثير رأس المال هذا واضحاً على تفكير المربين، وكذلك على ممارساتهم، حتى إنهم أخفقوا في اصطفاء أو إنتاج قيم تربوية غير مرتبطة بقيم الفكر الرأسمالي، فالنظام التربوي البراغماتي، يشكل الاقتصاد الرأسمالي خارطته([16]) الفكرية العملية، فينتج الدماغ التربوي البراغماتي ما يطلبه الرأسمالي الممول لبحوثه وجامعاته، وغيرها من مراكز البحث والدراسة، حتى على مستوى العلوم التجريبية، مما أدى إلى نظام للقيم العلمية، داخل أرقى الجامعات وعلى صعيد العلماء والباحثين([17]).

    ولما كان من شأن الرأسمال الضخم المتجمع لدى أفراد أو شركات يملكها أفراد، أن يدير الأمور بما يضمن نموه وتوارثه، وحمايته من جمهور الناس، عمالٍ وزراعيين وصغار الموظفين، كان لا بد من البحث عن نظام وقانون وقيم، فأنتجت التربية البراغماتية مجدداً النظام الديمقراطي العددي، الذي يضمن الحرية الفردية، ويُرضي عامة الناس في الشارع، ويمكِّن أصحاب الشركات الكبرى من الإمساك بالسلطة، فقد ذكرت جريدة الحياة البيروتية في عددها الصادر نهار الأحد 27 /1 /2002 نقلاً عن وكالة (أف رويترز) أن شركة (إنزون) والمصنفة في المرتبة الثانية عشرة بين أكبر الشركات الأميركية العملاقة  قد تبرعت لحملة الرئيس بوش الانتخابية، كما أفادت نتائج تحقيقات أنها موَّلت حملات 75 % من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ. وذكرت مجلة النقاد نقلاً عن صحيفة( النيويورك تايمز) أن مئتين واثني عشر عضواً، من أصل مئتين وثمانية وأربعين عضواً في الكونغرس الأمريكي دورة عام الفين واثنين - قد تلقوا تبرعات أو هبات من شركة ( آرثر أندرسون)([18]) .فإذا كانت المؤسسات التشريعية، والسلطات السياسية، وكذلك المراكز التربوية في أمريكا عالة على أموال الشركات الكبرى، فطبيعي أن تأتي القرارات التشريعية، وكذلك السياسية في شأن السياسات التربوية لتصب في خدمة تلك الشركات وأصحابها، فالمؤسسات التربوية تأخذ منها وتنتج لها، أو تفصِّل لها على مقاسها.
    ولم يكتف الغول الديمقراطي الأمريكي الجشع بالاستثمار، والسيطرة داخل أمريكا بل تعداها إلى الخارج، وما الحملة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي من فرض للنظام الديمقراطي([19]) بقوة السلاح، والتدخل الأمريكي العسكري المباشر تارة والتخويف بقوى المعارضة وبغيرها من الضغوطات تارةً أخرى، إلا حلقة من حلقات تطور هذا النظام، المنتَج بمؤسسات التربية البراغماتية. والتي لم تعد أمريكا تلبي الطموح الفردي المتمثل في إدارات الشركات الكبرى.ويكفي دليلاً على مدى حرص الإدارة الأمريكية على تعميم الديمقراطية سعياً وراء السيطرة على الشعوب ونهب ثروات الأمم، تلك المساعدات التي تقدمها للأنظمة، حيث تربطها بضرورة التغيير والإصلاح في المناهج التربوية، وإن نظرة إلى قانون التربية والتعليم رقم ثلاثة، سنة ألف وتسعماية وأربع وتسعين (1994) للمملكة الأردنية الهاشمية، وخاصة ما ورد تحت عنوان فلسفة التربية وأغراضها وأهدافها، تنبئ عن مدى الجهد في محاولة تعميم  الديمقراطية. حيث ورد في أحد البنود (تأكيد أهمية التربية السياسية في النظام التربوي، وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والديمقراطية وممارستها)([20]). وطبعاً كان لا بد من تحويل مضمون هذا البند إلى ممارسة عملية.  فجاء مضمون دليل المهارات الأساسية لتدريب المعلمين يؤكد: (أنه يستند إلى فلسفة جديدة في تغيير ممارسات المعلمين ومعتقداتهم ومفاهيمهم التربوية)([21]) وقد سار واضعو مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان تاريخ 8/5 /1997 على خطى المنهاج التعليمي الأردني. حتى قيل: إنّ المنهاج اللبناني نُسخ عن المنهاج الأردني بما فيه خطاب وزير التربية في حفل إعلان المناهج. وورد في الأهداف العامة للمنهج اللبناني: "تنمية شخصية اللبناني كفرد، وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حُرّ"([22]). كما أكدت الأهداف الرئيسة لخطة النهوض التربوي في لبنان على  "التنشئة الوطنية والقِيَم اللبنانية الأصيلة كالحرّية والديمقراطيّة"([23]).
    هذا ما نراه اليوم من محاولة فرض التربية البراغماتية بقيمها ووسائلها على دول منطقتنا وشعوبها، ولكن في فترات سابقة كان العديد من التربويين العرب  يسعون، بل يلهثون وراء التربية الأمريكية، وخاصة في مصر أمثال إسماعيل القباني ومحمد فؤاد جلال، من خلال موقع الأول في معهد التربية، الذي تحول فيما بعد إلى كلية للتربية في جامعة عين شمس. فقد شجع تلامذته على ترجمة كتب البراغماتيين، ولم يحظ فيلسوف بترجمة عدد كبير من كتبه إلى العربية كما حظي جون ديوي. وآزر عددٌ كبير من أساتذة الفلسفة، أساتذة -التربية في الجامعات المصرية.وكانت تلك الحملة منظمة، فقد تولت سبل نشر الفكر الأمريكي التربوي مؤسسة (فرانكلين) الأمريكيّة. مما دفع البعض إلى تشبيه تلك الحملة بالطوفان الذي استمر حتى خلال فترة المد الاشتراكي في نهاية الخمسينيات. ورغم ما كانت تشهده العلاقات بين مصر وأمريكا من سوء. ورغم أن الفكر الاشتراكي على المستوى السياسي والاقتصادي كان قد أظلَّ أروقة الفكر والثقافة في مصر، فإنَّنا نرى أنَّ الفكر البراغماتي قد استولى على قلوب رجال التربية فضلاً عن عقولهم، مما اضطرهم إلى ارتداء الزي الاشتراكي من جهة والتمسك بالفكر الأمريكي البراغماتي في المجال التربوي  خاصة من جهة أخرى. فأصبح الوضع في مصر غير طبيعي، وصار يبدو كعربة لها مقودان، يريد القادة السياسيون أن يقودوها إلى اليسار، والتربويون يقودونها إلى اليمين، مما أدى إلى فشل التربية في مصر([24]).
    ولعل السبب الأساس في فشل التربية في عالمنا العربي الإسلاميّ يعود لاعتماد فلسفات تربوية غربية، يحاول التربويون بقرار من السياسيين تهجينها، لتناسب طبيعة النظام، وللصراع الخفي بين التربوي والسياسي، ولضياع البوصلة وانحرافهما معاً- أو كلاً باتجاه عن جادة الصواب والحق في هذين المجالين. إذ الأساس أن تنبثق السياسة والتربية من معين واحد، تنسجم فيه الرؤية للكون والإنسان، وتتكامل النشاطات والممارسات في كلّ منهما ليحمي كلٌّ منهما، الآخر. وينمو المتعلِّم في ظل هذا الانسجام والتكامل. وإلا تُرك نهباً للصراع بينهما، فتأتي شخصيته قلقة غير مستقرة  لأن منطلقاته مشوَّشة،  وأهدافه غامضة ، فيضطربُ سلوكه، ويصبح مستهلِكاً تافهاً في حياته. ونظراً للعلاقة بين الفلسفة والتربية، هذه العلاقة المنسجمة حيناً، والمرتبكة أحياناً أخرى، فإننا سنلجأ إلى تقديم ملخص عن مبادئ الفلسفة البراغماتية وأهدافها، إذ تشكل التربية الجانب العملي للفلسفة. فبالتربية قد تتضح مبادئ الفلسفات ومنطلقاتها، وتتحدّد أهدافها. وتسهم التربية في إزالة الغموض الذي يكتنف الفلسفة، إذ الغموض سمة من سمات التفلسف([25]) يجهد القارئ، ويزيد قلقه وتوتره، فإذا ما سيق الكلام بسهولة ووضوح، خرج عن دائرة الفلسفة. ذلك أن الغموض كثيراً ما يكون نتيجة التعقيد واضطراب الفكر. بينما التربية لا بد أن تتصف بالوضوح، ليسهل الفهم، ويتم الإدراك عند المتعلِّم الذي نتوجه إليه بالتربية.  
   ومن أهم مبادئ التربية البراغماتية([26]):
1-   أنَّ التغير سِمَة من سمات الكون ووصول الإنسان إلى حقيقة ثابتة غير ممكن.
2-   اعتماد الطريقة العلمية في الحكم على الأفكار. عن طريق اختبارها علمياً.
3-   مع إعلائها، (أي الفلسفة البراغماتية) لشأن الحرية الفردية، فإنها ترى ضرورة تقييدها.
4-   المنفعة هي المعيار الأساسي للحكم على الأفكار والقيم والسلوك الخ.
5- الديمقراطية، أسلوب حياة، وطريقة عيش، ونظام حكم، مرجعيتها العقل، الذي يستند في إصدار أحكامه على مدى توافر المنفعة.
6- الخبرة الذاتية للفرد هي وسيلته التي يعتمد عليها في معرفة العالم الخارجي، والتعامل معه. فالمعرفة ليست أولية، ولا سابقة على التجربة، بل إنها نابعة من التجربة نفسها، ومن الخبرة وبعبارة أخرى هي ثمرتها.
7- ليست الذات إلا أنماطاً سلوكية، تتشكل نتيجة تفاعل اجتماعي. ويتوقف استمرارها أو عدمها، على صحة هذا التفاعل أو فشله.
نقد مبادىء البراغماتية في ضوء الفكر الإسلامي.
بعد عرض أهم مبادىء البراغماتية لا بد من وقفة نقدية سريعة في ضوء الفكر الإسلامي قبل عرض أبرز أهدافها.
أولاً: مع تسليمنا بأن التغير سمة من سمات الكون على المستوى المادي، وأن الحركة مظهر من مظاهر التغير ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ ] الأنبياء: 21/33[﴿يوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾] ابراهيم:14/48[ فالكون بما فيه ، في حركة دائمة وتغير مستمر، إلى ما شاء الله. وذلك خاضع لقوانين وسنن كونية ثابتة﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾]فاطر:35/43[ فيوم تكور الشمس﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾] التكوير:81/1[ وتنشق السماء ﴿فإذا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾] الرحمن:55/37[ وتتفجر البحار وتتعطل العشار... الخ.
إن كل هذا التغير خاضع لسنن كونية ربانية ثابتة . وليس ذاتياً يخضع لخصائص المادة، ولا ينبغي أن يتعدى مفهوم التغير من المادي إلى الفكري العقدي.
ثانياً: إن اعتماد الطريقة العلمية في الحكم عللى الأفكار، عن طريق اختبارها علمياً، يصح في مجال العلوم المادية، أما في أفكار مثل الحق والجمال وغيرهما مما يتصل بالعلوم الانسانية، فلا يمكن التأكد من صحتها أو بطلانها عن طريق المخبر وبطرق مادية . وإننا نرى أن جنوح الفلسفات الغربية إلى تحكيم المخابر ونتائجها في علوم غير مخبرية، أدى إلى شخصية مرتبكة .إذ لا يسعفها البحث العلمي المخبري في الوقوف على حقائق الأفكار المجردة غير المادية. ولنا في قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح دليل على قصور حواسنا وبالتالي أفهامنا ووقوفنا في دائرة قدراتنا المحددة.
ثالثاً: إن المنفعة لا تصلح معياراً للحكم على الأفكار والقيم والمواقف، فما يكون ظاهره النفع قد يكون باطنه الضرر. وإذا كان الإنسان قاصراً عن ادراك الأنفع له من أولاده وأهل بيته﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ﴾] النساء:4/11 [ فكيف يمكنه أن يحدد الأنفع من المواقف والناس...إذاً فلا بد من مرجعية في تحديد الأنفعية. فكثير مما في الغرب اليوم يمارسه الناس على أساس أنه الأنفع فإذا بالمصائب تأتيهم من قبله. والنفعية هذه صنو الحرية الفردية. فما أراه نافعاً لي أمارسه، بغضّ النظر عمّا يصيب الآخرين. ولو أخذنا(الممارسة المثلية نموذجاً) لتحري الأنفع في سلوك الناس وكيف يمكن أن نحكم على هذا السلوك بناءً على المنفعة ، لعرفنا أن ادعاء الأنفعية باطل. فقد ذكرت تقارير ([27]) أن إحدى المدن الأمريكية بلغت نسبة المثليين الذكور فيها الخمس وأنهمم يعانون من فيروس قاتل. فأين النفع الحقيقي في ذلك؟
رابعاً: إن أهمية الخبرة الذاتية على المستوى الفردي أو الجماعي، يجب ألا تنفي أولوية المعرفة، فالمعرفة الأولى ربّانية بُلِّغناها عن طريق الرسل أو عن طريق عرض نموذج. وتوارثها الناس جيلاً بعد جيل . وإلا لما صرَّح القاتل من ابني سيدنا آدم عليه السلام بعجزه من أن يواري سوأة أخيه حتى بعث الله غراباً ﴿ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي ﴾] المائدة:5/31[ وإننا نرى أن تمجيد التجربة،     واعتبار أن كلَّ المعارف عالةٌ عليها خلل في تركيبة المنهج التربوي البراغماتي، ويحدث خللاً في تكوين الشخصية السوية.
أبرز أهداف البراغماتية:
يمكننا أن نلخص أهداف التربية البراغماتية بأنها:
 1- إعداد المواطن، أو على الأصح مساعدة المواطن، ليكون ذا فاعلية اجتماعية في حاضره، وناظراً إلى مستقبله عاملاً له بكل استعداد([28]).
2-ويتفرع عن هذا الهدف الرئيس أهدافٌ مساندة من مثل: إثراء شخصية المتعلِّم بنشاطات شتى تعينه على تكيف أمثل مع وسطه الاجتماعي، من مثل: استقراء عناصر البيئة من حوله، ليستفيد منها، ويعيش معها بسلام.
3-أن يلتزم المواطن مبادئ الديمقراطية ويتخذها نظام حياة. فيحتفظ  بحريته الشخصية من جهة، ويصارع ضمن الحدود التي ترسمها الديمقراطية وجهات النظر المخالفة من جهة أخرى. ويهتم التربوي الديمقراطي ببث القيم الديمقراطية، حيث يرى أن كرامة الفرد، وقيمته  في ذاته وفي وسطه. وأن حل مشكلات الحياة البشرية في كل ميادينها، والتعاون المنظم والبناء في حلها، لا يتأتى إلا عن طريق التربية الديمقراطية([29]).
4-تهدف التربية البراغماتية إلى تعليم الناشئة مهارات التعلّم.
5-كما تهدف التربية البراغماتية إلى تنمية قدرات الناس في نشاطاتهم ومؤسساتهم وتنمية أهدافهم ومبادئهم التي تنظم سلوكهم.
6-يرى المربي البراغماتي أن أصل مهمته هي الاهتمام بقدرات متعلميّ ليوظفوها في استقراء الوقائع والكشف عن المشكلات والبحث عن طرق الحل وأساليبه العلمية.
7- تطوير المجتمع وبناؤه على أساس التساوي في الكرامات لكل الأفراد وعلى المثال الديمقراطي وفي سبيل تحقيق هذا الهدف كان لا بد من حل لمشكلة التنوع الاتني في المجتمع الأمريكي . فلجأوا إلى المنهاج التربوي المتعدد الثقافات فأصدروا دليلاً تربوياً لهذا الغرض نشر عام 1976 وجرت مراجعته عام 1991 . وتبناه المجلس الوطني للدراسات الاجتماعية. ويشتمل على ثلاثة وعشرين بنداً، تتمحور كلها حول التنوع الاتني والثقافي وانه لا بد أن يكون موجوداً في المحيط المدرسي على كل المستويات وبكافة المظاهر([30]).
   وبعد عرض أهداف التربية البراغماتية نذكر أهم المعايير التي يجب الاحتكام إليها في رسم الأهداف الفرعية اليومية للمربي البراغماتي، كما حددها رأس البراغماتية (جون ديوي) ومنها([31]):
      أ- ينبغي أن يكون الهدف مرتبطاً بالحاضر والظروف الراهنة، ومستنداً إلى ما  يجري فعلاً، وإلى الواقع بكل ما فيه من صعوبات، ووسائل ممكنة أو ظروف ملائمة.
ب- يجب أن تأخذ الأهداف بعين الاعتبار قدرات المتعلم وتفاعلاته انطلاقاً من  استعداداته الفطرية وعاداته المكتسبة.
ج-  ومن الصفات اللازمة للأهداف عند (ديوي) أيضاً، أن يكون الهدف مرناً قابلاً  للتغير، قادراً على الاستجابة، ليتلاءم مع الظروف المستجدة.
د-ألا يكون الهدف قد صيغ صياغة عامة فضفاضة، لأن من شأن ذلك أن يتيح للكثير من المتشابهات، أو لما له علاقة بالعام أن يدخل في إطاره. فيحدث الارتباك في الفكر ثم في السلوك.
ﻫ-أن يكون الهدف واضحاً، بحيث يؤدي إلى تحرير قدرات المتعلم وبعث طاقته. ومن مقتضيات الوضوح أن يكون الهدف قريباً. يمكن للمتعلم تصوُّره، ورسمُ سلوكه باتجاهه.
و-أن يكون الهدف قابلاً للتقويم، نختار له الأساليب المناسبة لقياسه، وبالتالي لإعادة النظر فيه، وتصحيحه، أو تطويره، ومن ثم لتعديل سلوك المتعلم في ضوء كل ذلك.
    وانطلاقاً مما تقدم من مبادئ التربية البراغماتية، وأهدافها، ومعايير تلك الأهداف، أصبح بإمكاننا أن نتبيّن دور كلٍّ من المعلِّم والمتعلِّم.
فالمعلِّمُ: مكتنزٌ بالخبرة، ذو تفكير علمي، يجعل من التجارب عنصراً أساسياً في العملية التربوية، أما دوره الأساسي فيكمن في انه مرشدٌ يسهل عملية التعلُّم، وعلى مستوى سماته الشخصية، فيجب أن يكون نموذجاً للاحترام وممارسة الديمقراطية في أقواله ومواقفه ومنطلقاته وغاياته. ويمارس دور المثير والمؤثر، ويحضر متعلميه للكشف عن الروابط بين أفعالهم وما يترتب عليها من نتائج. كما عليه أن يسعى لتحطيم العزلة بين المدرسة والحياة العملية، ولتكون المدرسة وسيطاً أو وسيلة للربط بينهما. وهو إلى ذلك راعٍ للعمل الجماعي، موظِّف للفروق الفردية، وعلى دراية بذوي الاهتمامات المشتركة. ويهدف إلى استثمار الجانب الاجتماعي  في الجبلَّة الإنسانية. ويُذكي الحوارات والنقاشات في أجواء يعتز فيها كلٌّ برأيه، ويحترم رأي الآخر. وهو بكل ذلك  لا يساعدهم على فهم القوانين والقيم والعادات فحسب، بل يتعدى ذلك ليرشد متعلميه ويوجههم ويشجعهم ليصوغوا قوانين جديدة، ويحتفلوا بقيم مستجدة وعادات وليدة. أو قل: يستولدونها. وكذلك ليفهموا مختلف الانطباعات الشخصية، وخاصة لأولئك الذين لديهم ميل لمخالفة القوانين([32]). فالمؤسسة التربوية البراغماتية تفضل المدرّس المتمرس بأساليب التواصل الاجتماعي، الذي يبني علاقاتٍ أفقيةً تتماشى مع مفهوم المنفعة، وليس بالضرورة أن تكون عمودية حميميَّة، خالصة. كالحب في الله، خالصة من الشوائب الدنيوية.

أما المتعلِّم: فهو في التربية البراغماتية قطب الرحى، فالمنهاج والطرائق والأساليب والنظام التربوي عامة ونظام المدرسة خاصة، يجب أن يصدر كلُّ ذلك عن المتعلم نفسِه على حد زعمهم ومسؤولية التربية أن تنمِّي شعوره بالمسؤولية الشخصية وبأهمية دوره. وتصاغ نشاطاته لتضمن مشاركته الحرة، حيث يعي دوره كما يعي أهمية نظام بيئته المدرسية، فهي صورة عن النظام الاجتماعي الذي سيعيش متفاعلاً معه. ولا بد للمتعلم من سلوك طريقة التفكير العلمي، التي تشكل في أبسط صورها الكشف عن الروابط بين الأفعال والمواقف والنتائج، فالطفل الذي يرى أمه قد خلعت ثيابها المنزلية وارتدت ثياباً أخرى وتفقدت حقيبة يدها، يعلم أنها ستخرج من البيت، فيسلك مسلكاً محدّداً. فقد يطلق العنان لبكائه، أو يحضِّر ثيابه ليلبس ويخرج معها أو .. أو . فهو بهذا يتخذ شيئاً من الأشياء دليلاً على شيء آخر، وهكذا يدرك العلاقة بين أمرين أو أمور. وكلُّ نموٍّ فكريٍّ يحققه مستقبلاً، ومهما بلغ من التعقيد، ليس إلا تطويراً وتعميقاً لهذه المهارة العقلية في التفكير الاستدلالي. ويشكِّل المتعلمون مجالس للطلبة تقوم بنشر النظام المدرسي، وحل المشكلات التي يقع فيها التلامذة، دون الرجوع إلى الإدارة، أو الأهل إلا في الحالات المستعصية([33]) .وعلى صعيد طرائق التدريس والأساليب المتبعة فلا بد أن تكون مشتقة من مبادئ هذه التربية، ومن أهدافها، ومن نظرتها لدور المعلّم ووقائع المتعلّم، بناء على استجابة للواقع الاجتماعي الذي يعيشونه. هذا المجتمع الذي تتشكل قيمه وتوجهاته وسلوك أفراده وجماعاته وفقاً لمبادئ البراغماتية الذرائعية النفعية. ثم يَدَّعون أنهم يستجيبون لما يريده الطفل، وواقع الأمر أن الطفل يرى ويسمع ويتفاعل مع ما يحيط به، ولا دخل له أساساً في الكثير من معطيات هذا الواقع الاجتماعي، لكن الإنسان مفطور على التواصل مع أبناء جنسه. ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 49/13] وهكذا يظهر زيف البراغماتية في ادعائها أنها تستجيب لرغبات الطفل وأنه منطلق التربية بمتطلباتها وأهدافها ووسائلها. ومهما يكن الأمر، فلا بد لنا من استعراض أهم ما يتعلق بالطرائق ومنها:
1-   اعتماد مبدأ اللعب في التعلُّم والتعلُّم في اللعب.
2-   اعتماد طريقة التفكير العلمي (ملاحظة فوصف فتفسير لربط الأسباب بالنتائج).
3-   اعتماد أنشطة تستجيب لحاجات الطفل ورغباته لنتمكَّن من استثارة تفكيره.
4- اعتماد الخبرة والواقع كمنطلق لأساس أي عملية تفكيريَّة، شرط أن يجد الطالب نفسه في وضع خبرة حقيقي. فتصدر المشكلة من وضع حقيقي، يتفاعل الطفل معه على أساس خبرته الشخصية، فلا توضع أمامه المشكلات التي يراد بها تعليمُ موضوع دراسي فحسب.
5- إطلاق المجال للخيال، وخاصة في المجال العلمي. وتشجيع المتعلِّم وقبول ما يصدر عنه، بل وأخذه على محمل الجد وانه قابل ليكون واقعاً ملموساً.
6-    وضع التلميذ في مجموعة متنوعة الاهتمامات بهدف تفعيل الجانب الاجتماعي والجِبِلَّة الإنسانية.
7-   اعتماد مبدأ التعلُّم الذاتي، فردياً، أو من خلال مجموعات متجانسة مرّة ومتباينة مرّة أخرى.
8-   الالتفات إلى أهمية التجريب، والعمل في المشروعات.
9- التشجيع على الجرأة، والمشاركة النشطة، والمناقشة، في عرض المشكلات، واقتراح الحلول. وبالتالي فالطرائق في التربية البراغماتية تتوجه إلى تعليم الطفل كيف يفكر، بدلاً من تعليمه بماذا يفكر([34]).
10-   الاستفادة من فترة النمو العقلي المتسارع قبل أن يبدأ بالتراجع، حيث يختلف معدل النمو مع اختلاف الأعمار، وبدخول زمن المراهقة يكون قد وصل إلى ذروة نمائه العقلي([35]).
11-   العمل على إيجاد جو من التفاؤل والثقة، يراعى فيه الميل الطبيعي للاستقلال. ومعنى الاستقلال هنا أن التلامذة يصنعون القوانين ولا يخضعون لقوانين غيرهم. ويفرقون بين الثقة والاستقلال من جهة، وبين الفوضى واتباع الهوى من جهة أخرى. فالفرد الذي يعمل بوحي من هواه ونزواته، لم يصل بعد إلى الاستقلال الحقيقي، فسلوكه لا يسيره قانون يؤمن به والحرية أن تخضع باختيارك  للقانون([36]).
    هذه هي الفلسفة البراغماتية، بمنطلقاتها، وأهدافها، وتطبيقاتها، على صعيد المعلِّم، والمتعلِّم، والطرائق. قدمناها بصورة موجزة، غير متوقفين عند التفاصيل، وخاصة في القضايا النظرية البحتة، والتي لا أثر على المستوى الميداني العملي لها. ولقد أعرضنا عن الكلام عن الفلسفتين التربويتين عنيت بهما: الفلسفَتيْن، التقدّمية والتجديديَّة، كما دأبت بعض كتب تاريخ التربية، ذلك أنهما ثمرة من ثمار البراغماتية، وفي رحمها تشكلتا، ولم أعثر فيهما على مبدأ أو هدف غير مشتق من مبادئ  البراغماتية وأهدافها. ولكن أعلاماً تربويين مثل: (بستالوتزي) [ 1746م 1827 ] السويدي الأصل والطبيبة (منتسوري) ولدت عام 1870م وهي أول طبيبة إيطالية قد وظفت معطيات دراستها الطبية والنفسية في استحداث أسلوب تربوي عرف باسمها. ومثل (جون ديوي) [1859 1952] وقد تحدثنا عنه مراراً وعن دوره في دفع الفلسفة البراغماتية، حيث اعتمد الجمع في التربية بين علم النفس وعلم الاجتماع. هؤلاء الأَعلام تميزوا ببعض الأساليب، أو بتركيزهم أكثر على مبدإٍ من المبادئ دون آخر.
     ولقد ظهرت الحركة التقدمية تعبيراً عن مسلك تربوي، في حركة الإصلاح التحريري، الإنساني كردة فعل على الشرور السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاءت نتيجة تسارع المجتمعات باتجاه المجتمع الصناعي([37]) وتكديس رؤوس الأموال بأيدي أفراد يمتلكون شركات ضخمة وعملاقة.وخلاصة القول: إن من الطبيعي أن تتراكم التجارب، وتتعدد الوسائط وتتباين التفسيرات، تحت سقف الفلسفة الواحدة، ولدواعي التطورات والكشوف العلمية، على أكثر من صعيد. لذلك برز في هاتين الفلسفتين التربويتين عدة أمور منها:
إعطاء أهمية أكبر لصحة المتعلم واستحداث ما يعرف بالملف الطبي.
المبالغة في البحث عما يملأ الأطفال فيه فراغهم.
محاولة المزاوجة المبكرة بين التعليم الأكاديمي والمهارات المهنية.
 إدارة الظهر للتراث الثقافي والاجتماعي واعتباره شيئاً من الماضي، فنأخذ منه بقدر ما يفيدنا في الحاضر. كما أن هدف التربية المباشر ليس الإِعداد للمستقبل، بل الاهتمام بالحاضر.
كما شهد احتفال اتباع هاتين الفلسفتين بالنتائج اهتماماً أكبر. وذلك عن طريق العناية بالمهارات البحثية، والتقدم فيها، ليعتاد المتعلِّم الوصول إلى حل الإشكال الذي عاينه عن طريق البحث المتصل([38]).
اعتراف أعلام هاتين الفلسفتين بأن الطفولة والمراهقة تُعِدّان لسن الرشد،فهم يرون أنهما تُعاشان لذاتهما. ويكون بذلك سلوك خير طريق للمستقبل.
أُعطيت مسألةُ تكامل المواد الدراسية في المنهاج عناية خاصة. وجاء هذا استجابة لكلية الإنسان, فهو اجتماعي وجسده معرض للأمراض، وله رغبات وميول.. الخ. لذلك كان لا بد من "التعاون الوثيق بين مصادر التعليم أو التربية الرسمية المقصودة، وبين المصادر الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، في محاولة جادة لتحسين أو تحقيق وضع أفضل للإنسان([39]).
    ونخلص الآن إلى عرض تعريفات التربية وفقاً للفلسفة البراغماتية فهي: "مساعدة الطفل ليكتشف ما حوله ويتكيف معه. أي أنها إعداد المتعلم للحياة".
    وهي: "الحياة ذاتها" كما أكد المربي السويسري(كلاباريد) [ 1873-1940م  ] في كتابه التربية الوظيفية، مؤيداً في ذلك "جون ديوي" فيقول: "إن التربية هي الحياة وليست إعداداً للحياة، وعلينا ألا ننظر إلى المستقبل بغية الإِعداد له. وإنَّما علينا أن ننظر إليه فحسب، لأنَّ هذا النظر يساعدنا على أن نسموَ بحياتنا الحاضرة وأن نعلو بها([40]).

ب- التربية في المدرسة التواترية:
   إن من شأن الفلسفات التربوية أن تستدعي الواحدة نقيضتها، فبقدر ما يعظم شأن إحداها يزدهر شأن الأخرى، بل قد تتغذى فلسفة من فلسفة معارضة لها، وتجد سبل انتشارها في انتشار تلك.
   وهكذا الأمر في العلاقة بين البراغماتية والتواترية.
   ففي الوقت الذي دعت فيه البراغماتية إلى بذل الجهد في الحاضر ، وعدم الاتكاء إلى الماضي، نجد أن التواترية قد مجدت الماضي- وأعلت شأن السلف.
   وكذلك اعتبرت الأولى أنه ليس بمقدور الانسان أن يصل إلى حقيقة ثابتة لا تتغير ، بينما نجد أن الثانية اكدت أن دور المؤسسات التربوية هو ألا تتجه إلى شيء غير الحقيقة وحدها. وبناءً على هذا ترى المدرسة التواترية أن المصادر(الكلاسيكية)  هي التي تمد العقل وتشحنه للوصول إلى الحقيقة، إذ هي مصادر الحقيقة عينها  ([41]) .  وهكذا يتبلور هدف التربية في تحصيل المتعلِّم معارف وأفكاراً تستند إلى مبادىء تصبح وإياها عظيمة بثباتها وعصيانها على التغير.
   ويمكن أن نقول بإيجاز: إن التربية التواترية هي التربية المحافظة في مواجهة البراغماتية المتحررة. فالتربية في المدرسة التواترية ذاتية لا تتغير من عصر إلى عصر. وينصبُّ جهد المربي والمؤسسات التربوية فيها على تنمية قدرات استخدام العقل. ولأن الطبيعة البشرية واحدة فيجب أن تكون التربية واحدة لكل الناس، وفي جميع العصور ([42]). وهي بذلك لا تلقي بالاً للفروقات الفردية ولا لمتطلبات العصر وهي إذا كانت ترى أن الطبيعة البشرية واحدة ، والحقائق ثابتة، فلن تكون الأحداث المعاصرة من اهتماماتها، وبالتالي فلن تكون من اهتمامات المتعلمين. وكذلك لن تجد اختلافاً بين الموضوعات عند المدرسين، فالمصادر واحدة، والحقائق ثابتة، ودور المعلم هو نقلها فحسب. وطبيعي أن يكون المتعلمون وفق هذه المدرسة التربوية بمبادئها ومفاهيمها نسخاً متكررة، قلما يختلف الفرد معها عن الآخر إلا باختلاف ظروف تحيط به.
ج- التربية في الفلسفة الماركسية: أو المادية التاريخية:
   تدين الماركسية لمؤسسين هما " كارل ماركس"] 1818-1887[ ولرفيق دربه الطويل" فريدريك أنجلز"]1820-1895[ ولناشرها: " لينين"] 1870-1943[. وفي معرض كلامنا عن القيمة في الفلسفة الماركسية، سقنا أبرز أسس تلك الفلسفة وليس هناك من داع لعرضها هنا . ولا يخفى أن إعلاء شأن القيم والتمسك بها – في مجتمع ما – ثمرة من ثمار التربية. والتربية  تنطلق من قيم، وتتوسل كلَّ ما يعين المربي في عمله، ليحقق أهدافه منها، وهي أن يتمثل المواطنون تلك القيم في شتى مناشط حياتهم. والتربية – أيضاً – لا بد أنها تصدر عن رؤية فلسفية للإنسان والكون. والفلسفة الماركسية وجه من وجوه الفلسفات الغربية، التي أفلتت حبل السماء، فضيعتها المنازع والأهواء. فالماركسية في رحم أوروبا تشكلت حيث كانت الفلسفة المادية تحتل مركز الصدارة في ألمانيا، وكارل ماركس كان في جانب من جوانب فلسفته صورة معكوسة عن " هيغل"]1770م – 1831 [حيث عارضه في أنه جعل الواقع منطلق أي جدال، وما يُتوصل إليه من أفكار هو امتداد لهذا الواقع. بينما كانت الأفكار عند هيغل هي الأساس والوقائع من نتائجها. كما كان للواقع الاقتصادي والمفاهيم الاقتصادية في انكلترا أثر من جانب آخر في فلسفة ماركس.
   والثورة الصناعية في فرنسا، وما آلت إليه الأحوال في أوروبا، حيث شهدت صراعاً بين الملاّك الجشعين والعمال المقهورين. كما شهدت تقدماً هائلاً على مستوى علوم الطبيعة، وأخذت العلوم تتضافر وتتقاطع. وساد منهج الترابط والشمول في الدراسات العلمية والجهود البحثية. وكل ذلك حمل ماركس على أن يتعسّف في ربط الظواهر الاجتماعية بالأسس المادية، فأفضى إلى تحميل المادة بصورتها الاقتصادية مشكلات المجتمع كلّها، وأخذ يدرس النشاط البشري كلّه انطلاقاً من النشاط الاقتصادي، ويفسره، في ضوئه، وذلك انسجاماً مع  الأصول الفكرية للفلسفة الماركسية ومنطلقاتها التي سنعرضها بايجاز شديد.
الأصول الفكرية للفلسفة الماركسية:
أ‌-  المادية: ومفاد هذا المنطلق، أن الكون بكليته وبأجزائه محكوم بقوانين مادية. والمادة أزلية أبدية. والانسان أحد عناصر هذا الكون، هو كيان مادي بحت. حتى إنّ أفكاره ومشاعره وميوله ورغباته وأحلامه...الخ، كل ذلك يفسّرُ مادياً([43]). وليس هناك من واقع آخر، فالعالم المادي الذي ندركه بحواسنا هو الواقع الأوحد.  وإن أفكارنا وأحاسيسنا هي نتاج عضو مادي جسدي، أي الدماغ. وهذه المادة بصورتها الاقتصادية في الماركسية أخذت مكان العناصر اللاشعورية من الغرائز والشهوات عند فرويد، فبينما كان الفكر عند هذا الأخير تعبيراً عن الغرائز والشهوات نجده عند ماركس تعبيراً عن الوضع الاقتصادي([44]).
ب‌-  الديالكتيكية: ومفادها أن كل واقع، يضم بين جنباته تناقضاً داخلياً بين عناصر تكوينه. ويتم الصراع بين هذه العناصر، فينبثق واقع جديد من أنقاض القديم، وبذلك ترتقي المادة وتتطور، ودائماً، حسب زعمهم، من الأدنى إلى الأعلى وذلك وفق ما اعتبروه قوانين حتمية وهي:
أ‌-   قانون التحول:  ومفاده أن كل موجود عبارة عن كم. وهذا الكم تنتظمه علاقات هي الكيف. وهذا الكم في تحول عددي دائم، ولكن في مرحلة ما يبدأ التحول الكيفي في الخصائص ، أي النوعية([45]).
ب‌- قانون التطور: حيث يقسمون التاريخ البشري إلى أطوار خمسة: المشاعية البدائية، فالرق، فالاقطاع، فالرأسمالية وأخيراً الاشتراكية التي تمهد للشيوعية.
ج- قانون الارتباط: وبمقتضى هذا القانون، لا تُدرسُ أيُّ ظاهرة أو واقع إلا من خلال ارتباطهما بغيرهما من ظواهر النشاط البشري من جهة، وبالنشاط الطبيعي من جهة أخرى، على اعتبار أنهما متغيرات مادية. فالحكم على أي ظاهرة ينبغي أن يكون انطلاقاً من الظروف المادية المحيطة بها.
ج - التطورية: ومفادها أن العالم – بما فيه – في حراك وتطور دائمين أبداً. فلا ثبات في المادة ولا ثبات في الأنظمة الاجتماعية، وبالتالي ليس هناك أبدية في الأفكار، فالانتقال من التغيرات الكمية البطيئة إلى تغيرات مفاجئة وسريعة هو تطور حتمي.وثورات المظطهدين هي رهن هذا التطور وواقعه ولا ريب في ذلك.
د- الحتمية: ومفادها أن المجتمع البشري يسير حتماً وفق مراحل، تنسجم مع طبيعته الانسانية، ولا يمكنه أن ينفك منها أو يختزلها، أو يتجاوز إحداها. وأنزلوا ذلك منزلة العلوم الطبيعية البحتية وعبروا عنه بالتاريخية العلمية([46]).
الأسس والمبادىء التربوية في الفلسفة الماركسية:
ويمكن أن نستلخص مما تقدم طائفة من الأسس والمبادىء التربوية في الفلسفة الماركسية:
1- تغذية الصراع، وكلِّ اتجاهات التغير، في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...الخ.
2- بناءً على المبدأ الأول، فلا بد لتغذية الصراع من بذر الكراهية في نفوس المتصارعين. وطبيعيٌّ أن يستميلوا أوسع الفئات، ويقفوا إلى جانبها. عنيت بها طبقة العمال والفلاحين وصغار الموظفين. فقد أرضعوهم كره الملاكين وأصحاب رؤوس المال. وكذلك الدين وأيَّ سلطة لأتباعه.
3-وحتى يتسنى للسلطات في الفلسفة الشيوعية إمساك زمام الأمور تماماً، فلا بد من اعتماد العمل الجماعي في أوسع مجالاته وجبهاته في صفوف أبناء المجتمع.ولا بد أيضاً من نفي الأهداف الفردية الخاصة وإعلاء الأهداف العامة.
4-تربية أبناء المجتمع للاستماتة في الدفاع عن الدولة ومكتسباتها، فمنهم يقنعونهم أن الدولة وما تملك هي ملك لهم، للطبقة العاملة.
5- يربون أبناءهم ليكونوا طبقة واحدة ، ويحاربوا التميز وإمكانية تشكل طبقة جديدة، ويتوسلون لذلك بفتح المجال أمام التعليم للجميع، بل بجعله إلزامياً لهم.
6- تربية الناس على إعلاء كلمة الحزب الشيوعي الحاكم، وتقديم الولاء له على أي ولاء، لقومية أو عرق أو انتماء آخر. وبالتالي مناصبة التدين كل عداءٍ.
7- طبقاً لوحدة المادة فإن المساواة بين الجنسين تُعَدُّ- عندهم- أساساً من الأسس التربوية([47]).
8- لا يتصور العقل التوصل إلى كل هذه المبادىء مع بقاء جهات تنشط في المجال التربوي التعليمي، لذلك فإن مهمة التعليم من أولى مراحله محصورة بالسلطات الشيوعية، ولا ينازعها في ذلك فرد أو جهة...
9- إعلاء شأن العلوم الطبيعية وقطع الطريق أمام أي اتجاه للعلوم الماورائية. والمقصود بذلك طبعاً قطع الانسان عن عالم الآخرة.
10- التربية جماعية، ويجب أن تتيح أوسع مشاركة من المتعلمين، لذلك اعتمدوا أساليب التعاونيات ونظام الأسر والمجموعات الموسعة.
11- وانسجاماً مع النزعة المادية، كان عليهم أن يلتزموا التربية العلمية الميدانية. ففي مواسم متعددة يخرج التلامذة من الصفوف إلى الحقول والمصانع والمخابر...الخ ليمارسوا العملية التربوية ميدانياً. وفي الاتحاد السوفياتي السابق قامت زوجة لينين بترجمة تعاليم ماركس وأنجلز ولينين في التعليم، (البولو تكنيكي)، إلى واقع عملي في المناهج المدرسية، بحيث تعكس العلاقة بين القدرات الانتاجية ونتائج أبحاث العلوم المختلفة، فكانت الورش التعليمية المرتبطة بعجلة الانتاج الاقتصادي، في المصانع والمزارع.. ([48]).
12- في سبيل حماية الدولة من أي خطر داخلي أو خارجي لتبقى في طليعة القوى على المستوى العالمي، فقد اهتموا بالمتفوقين وأصحاب القدرات العالية، واتخذوا لذلك مدارس وبرامج خاصة بالمتفوقين. ووجهوا البحوث العلمية ووظفوا نتائجها في صناعة آلة الدمار الحربية.
13- بناءً على كل ما تقدم من مبادىء، فإنه لا يصلح لمهمة التربية وفق هذه الفلسفة إلا مدرس مؤمن بتلك المبادىء ملتزم بها.
وبعد أن بينا أسس الفلسفة الماركسية وذكرنا أهم أهدافها التربوية، أصبح بإمكاننا أن نقف على مفهوم التربية فيها:
* يرى ابراهيم ناصر أن التربية الماركسية " هي عملية متكاملة وشاملة لجوانب ثقافية واقتصادية واجتماعية، يقوم بها مجتمع من أجل رفاهة الشعب كله، ووفق خطة تتفق وفلسفة المجتمع الماركسي. وأساس التربية الاشتراكية هو ربط التعليم بالعمل الانتاجي الصناعي الحديث والممارسة العملية، فهي تربية مستمرة "([49]) .
ونرى أنها عمل الدولة ليتكامل أهم شكل من أشكال المادة أي الانسان بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، بأساليب جماعية علمية، مع الأشكال المادية الأخرى التي تحيط به وذلك وفق رؤية خاصة للكون. والذي يسير وفق قوانين حتمية.
    وقد ربطنا التربية الماركسية بالدولة ومؤسساتها. لأن تجربتين ماركسيتين عنيت بهما دولة الاتحاد السوفياتي السابق ودولة الصين، حصرتا التربية بهما فليس لفرد أو جمعية فيهما ،أن يباشر مهاماً تربوية عامة. فالمنهج والكتاب المدرسي، والمدرس كل ذلك مرتبط بالدولة رؤية فلسفية وسياسة تنفيذية، ولذلك رأينا كيف تخلى الناس عن الماركسية فور انهيار الدولة في الاتحاد السوفياتي السابق. فالغالبية العظمى من الجمهور كانت تُحمل حملاً لتتعايش مع النظام، وقلة كانوا يؤمنون بتلك الفلسفة ومبادئها. وبالمقابل ترى المسلمين رغم سقوط خلافتهم فإنهم ما زالوا يعيشون الاسلام، بل ويعملون بقوة لإعادته إلى الحكم. ولنا أن نسأل كم نسبة  المؤمنين بمبادىء تلك الفلسفة من المليار صيني؟؟؟ وبالأحرى كم منهم سيبقى مؤمناً بها بعد انهيار الدولة؟؟؟
هل من فلسفات جديدة؟؟
   إن الفلسفة تغذي التربية . والتربية تختبر صدق الأفكار والمبادىء الفلسفية. وتعمل على نشرها، إذاً لا تزال التربية وخاصة في الغرب تستجدي الفلسفة لتمدها بالجديد من الأفكار، لتضعها موضع التطبيق، والفلاسفة يراقبون ما يثبت وما يسقط من أفكارهم وتصوراتهم، فضلاً عن مبادئهم ومنطلقاتهم.
    ولما اتسعت دائرة التفلسف في وقتنا الحاضر ، واستهوت الفلسفة أهل كل فن، وأصبحت أكثر التصاقاً بالطريقة أو الوسيلة أو المذهب أو المنهج. ومع اتساع دائرة الاتصال المعرفي تقلصت المسافات بين الأفكار، فبتنا نرى أفكاراً متعددة. مجموعة من شتات الثقافات العالمية.                                             
   ومن الأمم من ينتقي أبناؤها بناءً على معايير محددة، ومنها من يعب أبناؤها عبا لايميزون بين غث وسمين. وبتنا في يومنا هذا نحتاج إلى جهد كبير في إعادة الأفكار إلى مظانها الأساسية، فكثرت أسماء الفلسفات، آخذة أسماءها من أسماء أعلامها، أو من أسماء مناهج البحث فيها أو من... الخ.
لذلك اقتصرنا في بحثنا عن التربية في الفلسفات الحديثة والمعاصرة على: التربية في الفلسفة البراغماتية، والتربية في الفلسفة الماركسية، والتربية في الفلسفة التواترية . ورأينا هنا ألا نعرض التربية البنيوية والتحليلية والجوهرية وما يسمى  بفلسفة العصر الجديد. لأنها كما ذكرنا هي أقرب الى المنهج منها إلى الفلسفة .



















([1]) مر التعريف به سابقاً ص: 32.
([2]) علي، سعيد إسماعيل، فلسفات تربوية معاصرة: عالم المعرفة عـ198: ص.22
([3]) راجع في هذا الشأن عدة دراسات نشرتها مجلة العربي في الأعداد الآتية: (518 عام 2002. لُعَبُ الأطفال، الحرص واجب: ص:177) و (501 عام 2000. لعبة الطفل كيف تحولت إلى أداة للعنف؟ 2172) وكذلك راجع: مجلة الموقف عدد 173، شباط 2003: دراسة عربية: الألعاب البلاستيكية خطر على الأطفال. للباحث العلمي، رجب سعد السيد.
([4]) راجع، مناهج التعليم العام وأهدافها في لبنان سنة 1997 لمادة التكنولوجيا ص: 563 وما بعدها.
([5]) راجع، كتاب العلوم- المركز التربوي للبحوث والإنماء- للصف الرابع أساسي: ص 151.
([6]) راجع الصفحة المثبتة بعد الصفحة (165) للوقوف على هيكلية لجان المناهج في لبنان.
([7]) في شريط الأخبار لقناة الجزيرة الفضائية بتاريخ 27/6/2005 نشر خبر مفاده أن " أبو تفليقة" يوافق على إلغاء اختصاص الشريعة الإسلامية من التعليم الثانوي. وفي شريط الأخبار للقناة نفسها يوم 18/7/2005 جاء أن  دولة النيجر تعتزم إلحاق المدارس القرآنية بالنظام التربوي العام.
([8])راجع أعمال المؤتمر التربوي الإسلامي الرابع الخاص بالتعليم الديني في لبنان. والذي نظمه معهد طرابلس الجامعي للدراسات الإسلامية التابع لجمعية الإصلاح الإسلامية في طرابلس لبنان عام (1997).
([9])جرجس، ميتشل، وحنّا الله، رمزي: معجم المصطلحات التربوية: ص: 285.
([10]) علي، سعيد إسماعيل؛ فلسفات تربوية معاصرة: عالم المعرفة عـ 198 ص: 47.
([11]) فيلر، جورج؛ مدخل إلى فلسفة التربية : ص: 17.
([12]) رشوان ؛ محمد مهران؛ مدخل إلى الفلسفة المعاصرة: ص :44.
([13]) العاني، وجيهة ثابت؛ الفكر التربوي المقارن: ص :53.
([14]) علي، سعيد إسماعيل؛ فلسفات تربوية معاصرة عالم المعرفة عدد198: ص :54.
([15]) راجع بشأن علاقة الديمقراطية بالفلسفة النفعية. معروف، نايف؛ الديمقراطية في ميزان العقل والشرع: ص : 110 وما بعدها.
([16]) الخريطة: ما ترسم عليه هيئة الأرض أو إقليم منها ويسمونها أيضاً الخارطة وعربيّها المصوّر أو المخطَّط. عن منجد في اللغة والأعلام مادة ( خ – ر – ط ) ص: 174. 
([17]) رضا، محمد جواد؛ الغرب والتربية والحضارات: ص :202 وما بعدها.
([18])  مجلة النقاد، بيروت، عدد 4 /2 /2002 : ص :3.
([19]) منذ سقوط النظام العراقي قلَّما تجد وسيلةً إعلاميةً (صُحفاً، إذاعاتٍ، محطاتٍ تلفازية) لا تحمل خبراً أو دراسةً أو استطلاعاً عن الديمقراطية في (الشرق الأوسط). ووزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية رايس وجَّهت نداءً ملحّاً لإحداث تغييرات ديمقراطية في (الشرق الأوسط) خلال زيارتها إلى جمهورية مصر العربية في 20/6/2005م. (نقلاً عن شريط أخبار محطة الجزيرة الساعة الثالثة عصر يوم الإثنين 20/6/2005م)وذكرت صحيفة السفير اللبنانية، نهار الخميس 17/11/2005 عدد:10250 أن واشنطن تقرر الاستعانة بإسرائيل لنشر الديمقراطية في العالم العربي. وفي " منتدى المستقبل لتنمية الديمقراطية في العالم العربي " والذي عقد في البحرين على مدى يومين : 11 و 12 تشرين الثاني / 2005 كشفت صحيفة الحياة الصادرة في بيروت نهار الأحد 13/11/2005 عدد15565 أن واشنطن كانت مستاءة ، ذلك أنها رغم المبالغ الطائلة التي تدفعها لتعزيز نشاطات سياسية في العالم العربي(430 مليون دولار إلى مصر ) ومبالغ أخرى لغيرها واجهت اعتراضاً ومن مندوب مصر بشكل أساسي .
([20]) راجع دليل المهارات الأساسية لتدريب المعلمين والمعلمات : وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمي عمان: 1993 ص :49 .
([21]) دليل المهارات الأساسية لتدريب المعلمين، وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمي عمان: 1993   ص: 8.
([22]) مناهج التعليم العام وأهدافها 1997: ص: 3.
([23]) خطة النهوض التربوي في لبنان، بيروت 8 أيار 1994م ص: 4.
([24]) إسماعيل علي، سعيد؛ فلسفات تربوية معاصرة. عالم المعرفة: عـ 198: ص 132 وص :133
([25]) إسماعيل علي، سعيد؛ فلسفات تربوية معاصرة: عالم المعرفة: عـ 198 : ص: 21
([26]) العاني، وجيهة ثابت؛ الفكر التربوي المقارن : ص :60 وناصر، ابراهيم؛ فلسفات التربية : ص:337
(1) راجع في هذا المجال، معروف، نايف؛ الديموقراطية في ميزان العقل والشرع. ص: 168 وما بعدها.
([28]) ناصر، إبراهيم؛ فلسفات التربية: ص: 337 وما بعدها.
([29]) غالب، حنا؛ التربية المتجددة وأركانها: ص: 92.
([30]) ناصر، إبراهيم؛ فلسفات التربية: ص: 337 وما بعدها.
([31])ديوي، جون؛ الديمقراطية والتربية: ترجمة، متى عقراوي وآخرون ص: 108 وما بعدها.
([32]) ناصر، إبراهيم؛ فلسفات التربية: ص : 339
([33]) ناصر، إبراهيم؛ فلسفات التربية: ص : 338.
([34]) أحمد سعادة، جودت؛ومحمد إبراهيم، عبد الله؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين:ص:94  
([35]) غالب، حنا؛ التربية المتجددة وأركانها: ص: 281.
([36]) عبد الدائم، عبد الله؛ التربية عبر التاريخ: ص :524 .
([37]) مرسي؛ محمد منير؛ فلسفة التربية -اتجاهاتها ومدارسها: ص :315 .
([38]) رشوان، محمد مهران؛ مدخل إلى الفلسفة المعاصرة: ص:53 .
([39]) سعادة، جودت أحمد، ومحمد إبراهيم، عبد الله، المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين: ص: 96 .
([40]) عبد الدائم، عبد الله؛ التربية عبر التاريخ: ص: 514.
(3) سعادة، جودت أحمد؛ وإبراهيم عبد الله محمد؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين:ص:83.
(4) ناصر، ابراهيم؛ فلسفات التربية:ص:374.
(1) قطب، محمد؛ مذاهب فكرية معاصرة: ص:268.
(1) الصدر، محمد باقر؛ فلسفتنا:ص:160.
(2) مراد، محمد؛ المدارس التاريخية الكبرى.ص:27 وما بعدها.
(3) قطب ، محمد؛ مذاهب فكرية معاصرة:ص:279 وما بعدها.
(1) ناصر، ابراهيم؛ فلسفات التربية:ص:328.
(2) سعادة، جودت أحمد؛ وابراهيم، عبد الله محمود؛ المنهج المدرسي في القرن الحادي والعشرين:ص:102.                                   
(2) ناصر، ابراهيم؛ فلسفات التربية.ص:328.

No comments:

Post a Comment