Monday, December 19, 2011

القيم التربوية في مناهج اللغة العربية 1997/ في لبنان الصف الأوّل من كلّ حلقة من التعليم الأساسي

                                        المقدمـة

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على إمام المربين، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
   أساتذتي أعضاء اللجنة الكريمة، أسرة جامعة الإمام الأوزاعي، السادة الحضور... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    بدأت رحلتي العلميّة في كليّة الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلاميّة، يوم كانت شقة سكنية في بناية الخضري قرب جسر الكولا. في عامها الدراسي الأول، سنة ألف وتسعمائة وتسع وسبعين.
في تلك الشقة الصغيرة، كانت سعة صدور القيمين على الكليّة تنسينا ضيق مساحتها، وتحملنا لنحلِّق في رحاب فضاء الأمّة الإسلاميّة. فإصرار الحاج توفيق حوري أمدّ الله تعالى في عمره، وابتسامة الشيخ الدكتور عبد الله الخالدي، رحمه الله تعالى، وهمّة أساتذة كبار تجاوزوا السبعين، أذكر منهم الأستاذ الدكتور عبد المنعم فرج الصَّدة، والأستاذ الدكتور فوزي فيض الله. ولا أنسى الدكتور كامل موسى، الذي أكسب عكازه بعضاً من إصراره، وأنّى لي أن أنسى أستاذي الدكتور عبده الراجحي الذي أدين له بالكثير مما أنا عليه. تلك الهمم كانت تحملهم إلى تلك الشقة في الدور التاسع، يصعدون الأدراج في زمن قلّما كان يلبي فيه التيار الكهربي. ولا يثني همّة هؤلاء الرجال انقطاع التيار الكهربي وتعطل المصعد، فدأب هؤلاء وأمثالهم الأرتقاء وَالصعود. في تلك الشقة  درسنا أربع سنوات. وحان موعد القطاف، وفي حفل تخريجنا، وكنا الدفعة الأولى، جمعنا الحاج توفيق، أمدّ الله في عمره، وقال: نحن لا نخرّج أفراداً، حملة شهادات، بل نخرّج مؤسسات. وأردف قائلاً: خُتمت إجازة كلّ منكم بعبارة: ( وهو يوصي بتقوى الله في السر والعلن). فنرجو أن نكون قد عملنا بتوجيهاتك يا حاج توفيق. ونسأل الله أن يمدّ في عمرك،  وعمر جميع العاملين في هذا الصرح.


   أساتذتي الكرام – الحضور الكريم،
الحمد لله القيوم، الذي ارتضى لنا الإسلام ديناً، وجعله ديناً قيماً، ونصب محمداً عليه الصلاة والسلام على رأس ركب التوحيد، هدى وبشرى وأسوة حسنة.
وهل يكون اتباعه والتأسي به، إلا بإعلاء شأن القيم التي جاء بها؟ وأن نعَض عليها بالنواجذ، حتى لا نعض على أيدينا يوم لا ينفع الندم.
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
[الفرقان: 25/27]

القيم اليومَ مصطلح، أصابه من العمومية والشيوع، ما أورثه كثيراً من اللبس والغموض. ثم إن أبواب الأمة اليوم مشرعة للوافد إليها، حتى غدا بعضُها مرجعاً مِحَكيّاً يحتكم إليها الكثيرون من أَتباع ديننا القيم. والوسائل الثقافية، خاصة الإعلامية منها، تحمل إلينا صباح مساء من النقائص، عاداتٍ ومفاهيم ومواقف سلوكية، ما لا يمكن ردّه، وإصلاحُ ما تفسده، إلا بالتزام قيمنا الإسلامية .

ورغم تأثير الإعلام، المرئي منه خاصةً، على أجيالنا، يبقى للبيئة المدرسية دورها الكبير في إعادة صياغة شخصية المتعلم، الذي هو عماد مجتمعنا في المستقبل القريب. وأهم عناصر تلك البيئة هما المدرِّس والكتاب.

ومع صدور مناهج التعليم العام الجديدة عام 1997. كثرت المواقف بين مؤيدٍ ومعارض. وأخذت مسألة التعليم الديني في لبنان أبعاداً خطيرة، خلص الصراع حولها إلى جعلها مادةً اختياريةً خارجَ الجدولِ الرسميّ المدرسي.

وكتاب اللغة العربية ألصق ما يكون بالقيم، ومن أكثر المواد التعليمية إسهاماً في صياغة شخصية المتعلم. فإذا انهارت مادة التربية الدينية من حيث وجودها في النصاب في الجدول الدراسي الأسبوعي، فإن انهيار مادة اللغة العربية، لا يكون بإبعادها عن الجدول الدراسي، فهذا إن حصل، والعياذ بالله، يصبح آخر معاقل وجودنا مهدداً. فإذاً من أين يأتوننا؟ لا شك أن السبيل إلى تخريب مجتمعنا هو هذا المتعلم الناشئ؟ الذي يراد له أن يتعرف ويعيَ ويتمثَّل نقائصَ وعاداتٍ زُيِّنت له على أنها قيم، وهذا ما دفعنا للبحث عن القيم التربوية في منهاج مادة اللغة العربية.

وأردت أن أواكب تلك المناهج بأجوائها كلِّها، مبادئَ، وطرائقَ وأساليبَ وتقويمٍ وتدريب. فكانت لي مشاركات في هذا المجال كثيرة. وكانت تستوقفني مناهج اللغة العربية، بمنطلقاتها وأهدافها ومحتواها. حيث كانت تفوح منها رائحة الاستغراب، وخاصةً في مجال تحليل النص، والموقف من البعد التاريخي للأدب العربي خاصة، وللمواد الأخرى عامّة. إضافة إلى تغييب البعد الجغرافي. لذلك أفردت في رسالتي هذه عنوانين عن البعدين التاريخي والجغرافي في المناهج. وعلى مستوى مضمون المادة، كان أكثرَ ما يقلقني موضوعُ القيم. وكنت قد بدأت بتأليف سلسلة للغة العربية لتلامذة التعليم الأساسي مع ثُلّةٍ من أهل الاختصاص والفضل. وكان ذلك يفرض علينا أن نتابع كلَّ جديد يصدر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء. وفي خلال ذلك تبلورت لدي فكرة البحث عن القيم التربوية في مناهج اللغة العربية. خاصةً وأنني، خلال ربع قرن من العمل في الميدان التربوي مدرساً ومديراً ومؤلفاً وباحثًا، كنت أدرك مدى خطورة الأفكار والمفاهيم والمواقف المبثوثة في كتب اللغة العربية.

ويسَّر الله تعالى لي ذلك، وقبلت كلية الإمام الأوزاعي، مشكورة بكل أسرتها، موضوع البحث. وعُين مشرفاً عليَّ أستاذي الذي صاغ شخصيتي على عينه، وكنت منه أنهل بنهم وكان يعطيني بكرم. عنيت أستاذي الدكتور نايف معروف.

وإذا كان من معاني الجذر [ ن – و – ف ]([1]) الزيادة والارتفاع والإشراف. فإن ذلك كله متمثل في أستاذي، والمعروف يكلل تلك المعاني كلِّها.

وبدأت بحثي، سائلاً المولى التوفيق والسداد. وأول ما قمت به هو الاطلاع على الدراسات في هذا المجال. فوجدت الكثير مما كتب في موضوع القيم، قد كتب عنها بشكل عام، أو في موضوع القيم في مجالات محددة، وفي منطقةٍ ما، ومنها:
1-  إرتقاء القيم لعبد اللطيف محمد خليفة.
2-  والقيم والعادات الإجتماعية – لفوزية دياب.
3-  والقيم الخاصة لدى المبدعين- لمحيي الدين أحمد حسين
4-  والقيم الإسلاميّة والتربية لعلي الخليل أبو العينين.
وقد لاحظت أن أكثر أبحاث المسلمين وكتاباتهم في موضوع القيم، جاءت متأثرة بمناهج الغرب، ومباحث علومه، وخاصةً علمَ النفس، وعلمَ الاجتماع. ولم أقع على دراسة عالجت مفهوم كل من: القيمة والتربية والمنهاج في وحدة شاملة كاملة، كذلك ليس هناك، في حدود ما اطلعت عليه، دراسة تبحث عن القيم في منهج مادة دراسية في محيطنا العربي. فأرجو أن تكون دراستي هذه غير مسبوقة في هذا المجال موضوعاً، كما آملُ أن تكون  كذلك في منهجيّة البحث فيها وفيما أصل  إليه من نتائج.
      وقد حاولت جهدي تأصيل مفاهيم كلٍّ من: القيمة، والتربية، والمنهاج، محاولاً تخليصها مما علق بها من أدران مناهج البحث الغربي ومفاهيمه. معتمداً في ذلك العودة إلى الجذور اللغوية أستنير بها باحثاً عن مستلزماتها، مستهدياً كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، معتمداً المنهج الوصفي التحليلي حيث ينبغي ذلك، ملتزماً البعد التاريخي. فإذا أردت بحث مصطلح عدت إلى أبعد المعاجم زمناً ثم إلى الذي يليه.... فإلى كتاب الله تعالى، ثم إلى سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، مروراً بمدلوله عند العلماء المسلمين، ومن أبعدهم عنا زمناً إلى أقربهم أيضاً.
-    وفي الجانب الميداني للبحث، اتخذت سبيلين:
 السبيل الأول: التزمت فيه المنهج الاستقرائي الشامل، فتتبعت القيم في عناصر المنهاج الأربعة، مع التركيز على الأهداف والمحتوى. واستخدمت في  رصد القيم قوائمَ محددةَ العناوين. وجعلت ما لا ينسجم مع هذه العناوين تحت اسم: قيم متفرقة.

 السبيل الثاني: لجأت فيه إلى تنظيم استبانات إحصائية لمدرسات الأول والرابع والسابع أساسي. وأخرى لتلامذة الرابع والسابع أساسي فحسب. وقد التزمت في البحث كلّه بطريقة واحدة في تخريج الآيات القرآنيّة، والأحاديث الشريفة. ففي الآيات ، أذكر اسم السورة ورقمها ورقم الآية. وفي الأحاديث اذكر اسم المصنِّف والمصنَّف واسم الكتاب ورقمه  واسم الباب ورقمه والحديث ورقمه ورقم الجزء ورقم الصفحة. وفي الأبيات الشعريّة كنت أذكر اسم الشاعر، واسم البحر مع شرح المفردات الصعبة حيث أتت.

وقد جرت العادة أن يتحدث الباحثون عن المتاعب التي واجهتهم، وأنا واحد منهم، لكن معَ لذّة البحث والفوائد التي جنيتها، خاصة من توجيهات أساتذتي تبخرت تلك المتاعب.

وقد اخترت لتنظيم بحثي (الفصول) و(المباحث) فحسب، متخذاً الأرقام أو الحروف الأبجدية للعناوين الفرعية ولتعداد البنود. وجاء البحث في سبعة فصول على الشكل الآتي:

الفصل الأول: بحثت فيه عن مفهوم القيمةِ وتطورِ دلالاتها في الاجتماع والفلسفة والاقتصاد وفيه تسعة مباحث.
الفصل الثاني: بحثت فيه عن مفهوم القيمة في الفكر الإسلامي، مع تبيان الضوابط والمنطلقات التي لا بد منها في مباحث هذا الفصل. وقد جاء في سبعة مباحث.

الفصل الثالث: وموضوعه: التربيةُ مفهومُها وأبرزُ مدارسها، وَتتبعنا فيه مفهوم التربية، وتوقفنا عند أبرز مدارسها بإيجاز: وقد اشتمل على ثمانية مباحث.

الفصل الرابع: وعنوانه: التربيةُ الإسلاميةُ: مفهومها، وَأساسها، وَسماتها. واقتصرنا فيه على ثلاثة مباحث.

الفصل الخامس: وعالجنا فيه: المنهجَ :مفهومَه قديماً وحديثاً وقد حوى ثمانية مباحث.

الفصل السادس: ويحمل عنواناً هو، المناهجُ: أنواعُها وعناصرُها في ضوءِ الفكر الإسلامي. وقسمناه إلى ثلاثة مباحث.

الفصل السابع: وهو آخرها وجاء تحت عنوان هو: منهج اللغة العربية والقيم التربوية: نماذج من الصف الأول لكل حلقة من التعليم الأساسي – وفيه سبعة مباحث.

وختمت بحثي – بعون الله – بخاتمة قصيرة وتوصيات.

فأسأل الله أن يجعل في هذا البحث فوائد لي ولعامة المسلمين. وأن يجزي كل من أسهم فيه خيراً.
 وهذا ما وفقني الله تعالى إليه، فإن أصبت فذلك بتوفيق الله تعالى، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.
وأضع هذا العمل بين أيدي أساتذتي الكرام:
1-  الدكتور نايف الذي  تابعني كلمة كلمة، وفكرة فكرة، وأعطاني من ضوء عينيه، ومن فيض عقله، ومن خالص حبّه.
2-  أستاذي الكبير، الدكتور محمد منير سعد الدين، الذي كان يبادرني عندما التقيه بالسؤال: أين صرت؟ وماذا أنجزت؟ ويسألني سؤال الوالد لأبنه، عن أوضاعي وأحوالي، ويوجهني بما آتاه الله تعالى من سعة آفاق وفي المجال التربوي خاصة.
3-  وأستاذي الطيب الابراهيم، أحد حرّاس العربية الذين يذودون عنها ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل عودتها لغةَ العلم والثقافة رائدةَ ركب الحضارة البشريّة.

وما أجمل أن يجتمع في هذه اللجنة مع اسم الدكتور نايف معروف ، والذي أشرنا إلى بعض مدلولاته اسمان لامعان. في أحدهما الحمد والسعد والدين، وفي الثاني الطيب والإبراهيمية. وما نحن إلا ملّة أبينا ابراهيم.
     أساتذتي الكرام، هذا عملي وضعته بين أيديكم، شاكراً لكم ما بذلتم، وها أنا أمامكم اذن خير أتلقّف ملاحظاتكم وتوجيهاتكم.
فشكراً لله، وشكراً لكم، وشكراً للحضور الكريم، وشكراً لأسرتي ولأسرتي مدرستي سبيل الرشاد والوادي الأخضر لما كان لهما من إغناءٍ لهذا البحث بالنقاش والحوار، وأخصّ بالشكر الأستاذين صهيب يقطين وأحمد الشموري، وعاملتي الطباعة الآنسة ملاك والآنسة ديمة.وشكراً لجميع أفراد أسرة جامعة الإمام الأوزاعي، وعلى رأسهم الحاج توفيق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.






([1] )     راجع، ابن منظور، محمد بن مكرم؛ لسان العرب. مادة (ن – و – ف) ج 9/ ص: 342.  

No comments:

Post a Comment